في اليوم الذي تلا إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تحقيق ما وصفه بإنهاء 94% من عمليات تهريب المخدرات عبر البحر إلى الولايات المتحدة، وخفض عبور المهاجرين غير الشرعيين عبر الحدود إلى «الصفر»، كشف ترامب عن مبرر جديد ومختلف لحملته المتصاعدة ضد الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو.

وقال في تدوينة، نشرها على إحدى منصات التواصل الاجتماعي، إن فنزويلا قامت بـ«سرقة النفط والأراضي وغيرها من الأصول العائدة للولايات المتحدة، واستخدمت عائداتها لتمويل أنشطة إجرامية»، في إشارة مباشرة إلى عمليات المصادرة التي تعود لعقود سابقة، وخرق العقود الموقعة مع شركات النفط الأميركية منذ أن بدأت كاراكاس في تأميم قطاع الطاقة.

وأضاف ترامب أنه في حال عدم استرجاع ما زعم أنه ممتلكات أميركية فوراً، فإن القوة العسكرية الكبيرة التي حشدتها الولايات المتحدة في منطقة البحر الكاريبي، والتي قال إنها تستهدف تفجير قوارب المهربين والاستيلاء على ناقلات النفط الفنزويلية، ستزداد قوة، محذراً من أن الصدمة التي سيتلقونها ستكون غير مسبوقة.

ومع استمرار الإدارة الأميركية في تنفيذ هجمات بحرية أسفرت عن مقتل أكثر من 100 شخص حتى الآن، إلى جانب إعلان ترامب فرض حصار على جميع السفن الخاضعة للعقوبات التي تنقل النفط الفنزويلي، بدا أن الرئيس الأميركي تخلى عملياً عن محاولة الإيحاء بأن هدفه يقتصر فقط على وقف الهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات من دون السعي لإزاحة مادورو عن الحكم.

أيام معدودة

وفي مقابلة مع صحيفة «بوليتيكو»، نُشرت أخيراً، قال ترامب في إشارة إلى الرئيس الفنزويلي: «إن أيامه باتت معدودة»، كما سُئل لاحقاً عما إذا كان يترك الباب مفتوحاً لاحتمال اندلاع حرب مع فنزويلا، فأجاب شبكة «إن بي سي»: «لا أستبعد ذلك».

وكانت الإدارة الأميركية وصفت مادورو، الذي يواجه لائحة اتهام أميركية منذ عام 2020 بتهمة تهريب المخدرات، بأنه زعيم عصابة «كارتل دي لوس سوليس» المصنفة، وهي شبكة يقال إنها تضم كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين في فنزويلا، وتتهمها واشنطن بالتورط في تهريب البشر والمخدرات، بهدف تمويل هجمات إرهابية داخل الولايات المتحدة.

ونقل عن أحد المسؤولين قوله، في إشارة إلى مادورو: «في نهاية المطاف، إما أن يمثل هذا الرجل أمام المحكمة، أو ربما تُمنح له فرصة للتفاوض على خروجه إلى المنفى».

وفي المقابل، قالت نائبة المتحدثة باسم البيت الأبيض، آنا كيلي، في رد عبر البريد الإلكتروني على أسئلة وُجهت إليها: «إنه لا يوجد ما يشير إلى تضييق الخناق»، مؤكدة أن ترامب اتخذ بالفعل إجراءات حاسمة لوقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين، وترحيل المجرمين العنيفين، والدفاع عن الوطن ضد إرهاب المخدرات، وهو ما ينقذ أرواحاً لا تُحصى في جميع أنحاء البلاد. وأضافت أن الرئيس لايزال يملك جميع الخيارات المتاحة لضمان سلامة الأميركيين.

وأعلن ترامب خلال الأسبوع الماضي أن الغارات الجوية والبرية – التي قال مسؤولون أميركيون إنها ستستهدف على الأرجح مخيمات معزولة مرتبطة بتجارة الكوكايين أو مواقع عسكرية محددة – ستبدأ قريباً.

خياران

ويرى خبراء ومسؤولون سابقون أنه إذا لم تنجح هذه الضغوط في دفع مادورو إلى مغادرة السلطة، فلن يبقى أمام الولايات المتحدة سوى خيارين: إما الانسحاب من هذا المسار، أو المضي قدماً في تغيير النظام بالكامل باستخدام القوة. غير أن احتمال الغزو العسكري البري، وما قد يترتب عليه من سقوط قتلى أميركيين، قد يكون خياراً غير مقبول لرئيس تعهد بعدم شن المزيد من الحروب، واقتصر تدخله العسكري الخارجي حتى الآن على الضربات الجوية والبحرية من مسافات بعيدة.

وقال المبعوث الخاص لترامب إلى فنزويلا، خلال ولايته الأولى، إليوت أبرامز، في بودكاست «مدرسة الحرب»، أذيع أخيراً، إنه يتصور أن الرئيس «سيعلن النصر خلال شهر أو شهرين بحجة الانخفاض الكبير في تهريب المخدرات عبر البحر»، لكنه أضاف محذراً: «إذا نجا مادورو وانسحب ترامب، فستكون تلك هزيمة».

ورغم معارضة بعض أعضاء الكونغرس بشدة استمرار العمليات العسكرية الأميركية في منطقة البحر الكاريبي وشرق المحيط الهادئ دون تفويض تشريعي، فضلاً عن أي غزو بري محتمل لفنزويلا، فإن أعضاء آخرين دعوا ترامب إلى اتخاذ خطوات أكثر حزماً.

«أميركا أولاً»

ويجمع تركيز ترامب على فنزويلا بين أهداف سياسية داخلية عدة وأولويات لكبار المسؤولين المحيطين به، حيث تنص استراتيجية الأمن القومي الجديدة للإدارة على تحويل تركيز الولايات المتحدة نحو نصف الكرة الغربي، مع مكافأة الدول التي تلتزم بسياسات «أميركا أولاً» ومعاقبة الدول التي لا تلتزم بها.

فبالنسبة لوزير الخارجية، ماركو روبيو، نجل مهاجر كوبي فر من الجزيرة في خمسينيات القرن الماضي، فإنه يضع انهيار الحكومة الشيوعية في كوبا هدفاً رئيساً له، مع اعتماد الاقتصاد الكوبي، في ظل حكم مادورو وسلفه هوغو تشافيز، على الدعم الفنزويلي من خلال إمدادات النفط، رغم العقوبات الأميركية المشددة، ما يجعل نهاية حكم مادورو، من وجهة نظر روبيو، مقدمة لانهيار حكومة هافانا.

ويعتقد أحد المسؤولين الأميركيين أن روبيو كان القوة الدافعة وراء سياسة الحشد العسكري ضد فنزويلا خلال الأشهر الماضية، وإن لم ينجح بعد في إقناع الرئيس باستخدام القوة العسكرية المباشرة.

هدف سهل

من جانبه، يرى نائب رئيس موظفي البيت الأبيض، ستيفن ميلر، مهندس سياسة ترامب المتشددة تجاه الهجرة، أن مئات الآلاف من الفنزويليين الذين فروا إلى الولايات المتحدة خلال ولاية ترامب الأولى وإدارة الرئيس السابق جو بايدن، يمثلون هدفاً سياسياً سهلاً. وقد ردد ميلر اتهامات ترامب بأن معظم الفنزويليين الموجودين في الولايات المتحدة أُرسلوا من السجون والمصحات العقلية من قبل مادورو بهدف ترويع وقتل الأميركيين.

وخلال مناقشات جرت في ولاية ترامب الأولى داخل البيت الأبيض حول كيفية التعامل مع مادورو، دعا بعض المسؤولين إلى استخدام القوة العسكرية للإطاحة به، بحسب ما ورد في كتب لاحقة لوزير الدفاع آنذاك، مارك تي. إسبر، الذي عارض هذا التوجه، ومستشار الأمن القومي، جون بولتون، الذي أيده.

ومع اقتراب نهاية ولايته الأولى، وبناء على توصيات رئيس هيئة الأركان المشتركة حينها، الجنرال مارك أ. ميلي، ومديرة وكالة الاستخبارات المركزية، جينا هاسبل، بعدم استخدام القوة، تراجع ترامب عن هذا الخيار، وفقاً لإسبر وآخرين.

عمليات ترحيل

وخلال إدارة بايدن ارتفع عدد الفنزويليين الوافدين إلى الولايات المتحدة بشكل ملحوظ، وكثير منهم دخلوا البلاد بطرق غير قانونية، بينما سُمح للعديد منهم بالبقاء بموجب وضع الحماية المؤقتة، اعترافاً بالصعوبات الاقتصادية والسياسية التي قال ترامب نفسه إنها السبب في فرارهم.

وفي إحدى أولى قراراته خلال ولايته الثانية، أمر ترامب بإنهاء وضع الحماية المؤقتة للفنزويليين وغيرهم من المهاجرين، وبدأ عمليات ترحيل واسعة النطاق. كما اتهم مادورو بالسيطرة على عصابة فنزويلية تُدعى «ترين دي أراغوا»، مدعياً أنه أرسلها إلى الولايات المتحدة لإثارة الفوضى الإجرامية، وهي مزاعم لم تؤيدها تقييمات الاستخبارات الأميركية.

المسار العسكري

وبحلول الصيف، ورغم محاولات مبكرة للتفاوض مع مادورو، شملت عرض توسيع عمليات شركات النفط الأميركية في فنزويلا، اختار ترامب المسار العسكري. ورغم أن فنزويلا ليست مصدراً لمخدر «الفنتانيل»، وتعد من مهربي «الكوكايين» لا منتجيه، بحسب إدارة مكافحة المخدرات الأميركية، فقد اعتبر الضغط على مادورو رسالة واضحة للدول المنتجة للمخدرات، حول عواقب عدم التعاون.

عن «واشنطن بوست»


صراع مسلح

أرسلت الإدارة الأميركية سفناً حربية إلى منطقة البحر الكاريبي، وفي سبتمبر الماضي شنت قوات العمليات الخاصة هجوماً صاروخياً على قارب، يُشتبه في تورطه بتهريب المخدرات وعلى متنه 11 رجلاً، وقال الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من دون تقديم أدلة، إن القارب كان قادماً من فنزويلا ويحمل كميات كبيرة من «الفنتانيل» و«الكوكايين» لمصلحة عصابة «ترين دي أراغوا»، كما صرح أمام الكونغرس في الشهر ذاته بأن الولايات المتحدة تخوض «صراعاً مسلحاً» مع الإرهابيين.

وقد صادرت القوات الأميركية ناقلات نفط في منطقة البحر الكاريبي بالقرب من السواحل الفنزويلية، وعندما سُئل ترامب عن مصير النفط، قال: «حسناً، سنحتفظ به، على ما أعتقد».

. يبدو أن ترامب تخلى عملياً عن محاولة الإيحاء بأن هدفه يقتصر على وقف الهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات، من دون السعي للإطاحة بمادورو.

. ترامب اتهم فنزويلا بـ«سرقة النفط والأراضي وغيرها من الأصول العائدة للولايات المتحدة، واستخدام عائداتها لتمويل أنشطة إجرامية».

شاركها.
Exit mobile version