في زمن بات فيه العالم عبارة عن قرية صغيرة، وتُسيطر فيه التكنولوجيا على وجوه الحياة كافة، يبرز جيل شاب من صنّاع المحتوى الإماراتيين ممن يأخذون على عاتقهم الإسهام في حماية الهوية الوطنية، مثل إبراهيم العوضي الذي يعمل من خلال المقاطع التي يُصورها على تقديم وجوه الحياة القديمة، ليُعرّف بجماليات التراث وعراقة الماضي في الوطن، وحكايات الزمن الجميل التي استقاها من مجالسته كبار المواطنين، علاوة على البحث في المراجع الموثوقة.
واختار الشاب الإماراتي منصات التواصل الاجتماعي نافذة يطل من خلالها على العادات الأصيلة والحِرف الشعبية القديمة في الدولة، وكل ما يعكس الحياة التي عاشها الآباء والأجداد.
وقال العوضي في مستهل حواره مع «الإمارات اليوم» عن طبيعة المحتوى الذي يُقدّمه: «لقد درست الموارد البشرية، لكنني خضعت لدورات تدريبية في مجال الإعلام، وقررت بعدها تقديم محتوى يتوجّه للشباب، بهدف نقل المعلومات المرتبطة بالموروث الإماراتي والعادات والتقاليد، وكل ما يرتبط بالحياة القديمة، واخترت التركيز على الماضي، فمن ليس له ماضٍ ليس له حاضر، ومن خلال الأمس نستمر ونبني المستقبل، كما أن توجيهات القيادة الرشيدة تُشدّد على الحفاظ على التراث، وعلى الهوية الوطنية».
مصطلحات قديمة
ووجد العوضي من خلال مجالسته كبار السن، أن هناك مجموعة من المصطلحات التي تبدو وكأنها قد نُسيت، لذا اختار التركيز على المصطلحات القديمة وكل ما يمكن من خلاله الحفاظ على الهوية، معتبراً أن الإعلام رسالة، ولابد من توظيف تلك الرسالة لأجل خدمة الثقافة المحلية.
وأشار إلى أن الهوية الإماراتية قد تكون مهددة، خصوصاً عندما يتم تناول اللهجة المحلية التي قل استخدام الجيل الجديد لها، إذ بات يتحدث بالإنجليزية وكذلك بـ«لغة عامية جديدة»، ما يؤثر في استخدام اللهجة الإماراتية، فضلاً عن التوجه لتعلم لغات أخرى، وهي بمجملها عوامل تُقلل استخدام اللهجة، وهذا يُهدّد ملامح الهوية.
عفوية وأسلوب محبب
وعن كيفية تقديم المحتوى التراثي بلغة يتقبّلها الشباب، رأى العوضي أنه لابد من أن يضع صانع المحتوى نفسه مقابل الطرف الآخر، ويفكر بطريقة بعيدة عن اللغة الجامدة والرسمية، بل يختار لغة معاصرة، قريبة من نمط حياة الشباب، ويُقدّم المحتوى بأسلوب محبب ومبتكر، ويحمل الكثير من العفوية.
ويركز العوضي على الفعاليات التي تنظم في أرجاء الدولة، بحيث يستغل الأحداث الكبرى من أجل جمع المعلومات الخاصة بالاحتفالية، ومن ثم التصوير مع الحضور، ليُوجِد نوعاً من التفاعل بينه وبين الضيوف، لافتاً إلى أنه حينما يُقدّم محتوى بعيداً عن الفعاليات فهو يسعى إلى تقديم معلومات مأخوذة من الكتب التي توثق التراث الإماراتي، وكذلك من كبار المواطنين، إذ يجالسهم ويأخذ منهم كثيراً من المعلومات المرتبطة بطبيعة حياتهم.
وأوضح أن القصص التي يسمعها من كبار المواطنين يسجلها ويُوثّقها، ويستكمل المعلومات من خلال البحث في المراجع، ليسرد القصص والمعلومات كاملة وبدقة، منوهاً بأن المراجع المرتبطة بالتراث الإماراتي متوافرة ومتنوعة، ومنها أخذت العديد من الكلمات التي لا تستخدم كثيراً، ذاكراً – مثلاً – الترحيب باللهجة الإماراتية، إذ يقال: «مرحبا بالطش والرش»، وهي عبارة عن تشبيه حلول الضيف بحلول المطر الخفيف.
بين زمانين
واعتبر العوضي أن الاختلاف بين الحياة المعاصرة وحياة الأجداد يكمن في التطور التكنولوجي الذي بات مسيطراً على وجوه الحياة التي نعيشها، فيما كان لدى السابقين كثير من التحديات.
وعن الصعوبات المرتبطة بصناعة المحتوى، ذكر أنها متنوعة، منها ما يرتبط بتقديم محتوى يتناسب مع ما يُقدّم في منصات التواصل الاجتماعي، بدءاً من الصورة المميزة بكونها ذات جودة عالية، وثانياً المثابرة على تقديم المحتوى الذي قد يكون على حساب الحياة الشخصية أو الأسرة، فضلاً عن قلة المساندة من المؤسسات والجهات التي يفترض أن تدعم الهوية الوطنية، إذ تعمل المؤسسات على تقديم الثناء، لكن هذا غير كافٍ، فيما يتمثّل التحدي الأخير في الحصول على التصريحات للتصوير في الأماكن العامة.
وكشف العوضي أنه يضع لنفسه كثيراً من المحاذير في صناعة المحتوى، معتبراً أن دور صانع المحتوى يجب أن يكون محصوراً في معرفته، وكذلك في الحدود التي يضعها القانون الإماراتي.
ويطمح العوضي إلى أن يكون من أوائل الإماراتيين المختصين في مجال صناعة المحتوى، لاسيما المتخصص في التراث، وأن يُصنّف ضمن صناع المحتوى المميزين.
رسالة هادفة
أكد صانع المحتوى إبراهيم العوضي أن الرسالة التي يحملها ويسعى إلى تقديمها، تكمن في الحفاظ على الهوية بشكل متكامل، بدءاً من الظهور بالزي الإماراتي، وثانياً تصوير الثقافة الإماراتية وتجنّب إظهار ما يخالفها، وكذلك الالتزام بالعادات في التصوير. واعتبر أنه من الممكن اليوم أن يُبدع صناع المحتوى، لكن يجب ألا ننسى الثقافة المحلية، فالسياح حين يدخلون البلد سيبحثون عن الهوية المحلية بالدرجة الأولى.
إبراهيم العوضي:
• هدفي نقل المعلومات المرتبطة بالموروث الإماراتي والتقاليد، وكل ما يرتبط بالحياة القديمة إلى شباب اليوم.
• على صانع المحتوى أن يضع نفسه مقابل الطرف الآخر، ويُفكر بطريقة بعيدة عن اللغة الجامدة والرسمية.