|

في ظل فوضى ما بعد الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، تسعى إسرائيل لتعزيز نفوذ بيادقها في جنوب البلاد. ووراء المساعدات المُقدمة للدروز بالسويداء، تتبلور إستراتيجية أوسع نطاقا، وفقا لمقال بمجلة لوبوان الفرنسية.

ويُقدّم جيرار أرنو تحليلا ثاقبا ودقيقا للوضع السوري، بعيدا كل البعد عن تبسيطات وسائل التواصل الاجتماعي للقضايا المعقدة، لا سيما في الشرق الأوسط، حيث غالبا ما تغلب العاطفة والرأي على التحليل، مما يؤدي إلى “رؤية مانوية للأحداث”، حسب رأيه.

ويوضح آرنو -وهو دبلوماسي فرنسي متقاعد شغل منصب سفير بلاده لدى واشنطن ما بين عامي 2014 و2019- أن الأحداث الأخيرة في السويداء، جنوب سوريا، تعد مثالا صارخا على هذا التوجه، حيث تتحول الحقائق المعقدة بسرعة إلى روايات عن “إبادة جماعية” أو تدخلات “إنسانية” بكل بساطة.

ويصف الكاتب سوريا ما بعد الأسد، التي تحررت في ديسمبر/كانون الأول الماضي بعد 14 عاما من الحرب الأهلية، بأنها عبارة عن فسيفساء من المعاقل التي تسيطر عليها مليشيات تم تجنيدها، في كثير من الأحيان، على أسس عرقية أو دينية.

أهم التحديات

ويحدد الكاتب أهم التحديات التي تواجه السلطات الجديدة في دمشق في المسائل الخمس التالية:

  • أولا بلد مُدمَّر، انخفض ناتجه المحلي الإجمالي إلى النصف مقارنة بعام 2010.
  • ثانيا بلد يمر بكارثة طبيعية، إذ تواجه سوريا أسوأ جفاف منذ عام 1956.
  • ثالثا، سلطة مركزية لم تثبت أقدامها بعد، إذ لا بد للسلطات الجديدة أن تقنع كل القادة المحليين بقبول استعادة سلطة الحكومة المركزية.
  • رابعا، غضب ضحايا الأسد، لا بد للسلطات الجديدة أن تكبح جماح تعطش ضحايا النظام السابق للانتقام، الذي غالبا ما كان موجها ضد الأقليات.
  • خامسا، ضعف قوات الأمن: فالقوات الحكومية ضعيفة التسليح، وغير منضبطة، ومخترقة في بعض مكوناتها بالتيار الإسلامي.

وبسبب نقص الموارد العسكرية -يقول آرنو- اضطرت الحكومة السورية الجديدة إلى التفاوض والتوصل إلى تسويات مع مختلف الفصائل، بما في ذلك المليشيات التي تديرها، لكن فشل المفاوضات مع قوات سوريا الديمقراطية الكردية في الشمال أحد تجليات صعوبة هذا النهج.

أزمة السويداء: مرآة للتوترات الإقليمية

ولفت آرنو إلى أن أزمة السويداء تنسجم تماما مع هذا السياق الفوضوي، إذ شهدت هذه المنطقة، التي تسيطر عليها مليشيا درزية تعيش على التهريب، اشتباكات بين الدروز والبدو، وتحول تدخل القوات الحكومية إلى كارثة، حيث قُتل عشرات الجنود وأُعدم مدنيون، وفي هذا السياق، تدخلت إسرائيل، فأوقفت تقدم الجيش السوري بغارات جوية، شملت حتى منطقة قريبة من القصر الرئاسي في دمشق.

ووفقا لجيرار أرنو، فإن رسالة إسرائيل واضحة، فهي ترفض عودة الجيش السوري إلى الجنوب، وتطالب بمنطقة “منزوعة السلاح” تحت سيطرة المليشيات الدرزية، موضحا أن هذا التدخل الذي لم يواجه بأي معارضة دولية حقيقية يؤكد هيمنة إسرائيل في المنطقة.

ويُسلط الكاتب الضوء على التعنت الإسرائيلي وعدم قبول أن يتم رسم الواقع السياسي الجديد من خلال التفاوض رغم اليد الممدودة للرئيس السوري الجديد أحمد الشرع.

وهنا أكد آرنو، الذي شغل كذلك منصب المدير العام للشؤون السياسية والأمنية بوزارة الخارجية الفرنسية والممثل الدائم لفرنسا لدى الأمم المتحدة، أن أزمة السويداء تثبت أن إسرائيل لا تسعى إلى إعادة توحيد سوريا، بل إلى إضعافها، أو حتى تقسيمها إلى دويلات عرقية دينية.

وأبرز أن الاحتجاجات من جانب تركيا والدول العربية، وانسحاب الولايات المتحدة، والدعوات من جانب مجلس الأمن لاحترام السيادة السورية، لم يكن لها تأثير يذكر على تصرفات إسرائيل.

لكن آرنو حذر في آخر مقاله بأن الشرع إذا خرج ضعيفا من هذه الأزمة في نظر الأغلبية السنية، فإن ذلك قد يجعلها تشعر بالخطر ويدفعها بالتالي لحمل السلاح، مما يجعل سوريا تمر من جديد بمنعطفات مأساوية لم تكن في الحسبان.

ويُعدّ تحليل أرنو تذكيرا أساسيا بهشاشة المنطقة ومخاطر السياسات التبسيطية في مواجهة واقع بالغ التعقيد.

شاركها.
Exit mobile version