21/7/2025–|آخر تحديث: 15:11 (توقيت مكة)
في مقال نشره موقع “المركز الروسي”، سلَّط الكاتب ديمتري نيفيودوف الضوء على عودة الصين وتايلند إلى فكرة بناء قناة للربط بين المحيط الهندي والمحيط الهادي، متسائلا هل تتجاوز بكين معضلة مضيق ملقا.
واستهل الكاتب مقاله بالإشارة إلى مؤتمر دولي عقد في بانكوك أواخر فبراير/شباط الماضي، بعنوان “قناة كرا للشحن والآفاق الاقتصادية لدول بريكس”، وقال إن بعض وسائل الإعلام في تايلند وماليزيا، أفادت بأن تنفيذ المذكرة الحكومية الدولية الموقعة في مايو/أيار 2015 بين الصين وتايلند، سيتم بحلول منتصف ثلاثينيات القرن الحالي، وهي تنص على بناء قناة بطول 100 كيلومتر تقريبا عبر برزخ “كرا” في جنوب تايلند، بتمويل صيني غالبا.
وأشار إلى أن هذا المشروع سيتجاوز مضيق ملقا، مما سيسمح بتقليص المسار بين المحيطين الهندي والهادي عبر بحر جنوب الصين بمقدار الثلث.
ورغم أن الحكومتين نأتا بنفسيهما عن هذا الاتفاق لاحقا، ربما بسبب معارضة لاعبين إقليميين مثل سنغافورة والهند، فإن تعديل المسار البحري يزداد إلحاحا بسبب النزاعات الإقليمية المعروفة في بحر جنوب الصين وتدني مستوى أمن النقل عبر مضيقي ملقا (بين إندونيسيا وغرب ماليزيا) وسوندا (بين جزيرتي جاوا وسومطرة).
ونبه الكاتب إلى أن هذا المشروع ينسجم مع المبادرة الصينية المعروفة “حزام واحد، طريق واحد”، مشيرا إلى اتفاق المشاركين الرئيسيين في المؤتمر المذكور، على أن الحاجة السياسية والاقتصادية لهذا المشروع الذي يعود إلى منتصف القرن الـ19، تتزايد باستمرار، وإلى أن هذا الشريان المائي سيعزز العلاقات السياسية والاقتصادية بين الصين وجميع دول جنوب آسيا، مما سيسرّع من التوسع المستقبلي لتجمع بريكس ويزيد من إيرادات تايلند.
مشروع ثوري
وكما يلاحظ المدير التنفيذي للجنة الوطنية الروسية لأبحاث بريكس جورجي تولورايا “يمكن لمشروع قناة كرا أن يصبح ثوريا للتجارة البحرية في المنطقة، ويقلل من تكاليف النقل ويخلق فرصا اقتصادية جديدة بين الأقاليم”، وقد عبر خبراء آخرون عن تقييمات مماثلة.
ويوضح الكاتب أن الخيارات التايلندية المختلفة تقترح ممرات مائية يتراوح طولها بين 95 و160 كيلومترا في الجزء الجنوبي الأكثر اتساعا من البرزخ، بما في ذلك بناء خط أنابيب نفط موازٍ على غرار خطوط الأنابيب العاملة على طول سواحل قناتي بنما والسويس.
أما مشروع ميانمار فيمثل المسار الأقصر، إذ لا يتجاوز 60 كيلومترا في شمال البرزخ، ولكنه لا يتضمن خط أنابيب نفط موازيا، كما أنه لا يتم إلا عبر الجزء التايلندي المجاور من البرزخ، وهي ليس بأرخص بكثير من الخيارات التايلندية، لأن 90% من مساره تمر عبر أراضي ميانمار في منطقة جبلية تغطيها أشجار المانغروف، في حين أن الخيارات التايلندية تمر بسلسلة من الشعاب المرجانية والجزر الصغيرة.
واستعرض الكاتب التاريخ الطويل لفكرة شق قناة عبر البرزخ الضيق نسبيًا بين المحيط الهندي (بحر أندامان) والمحيط الهادي (خليج سيام)، مشيرا إلى أن النقاش حولها يعود إلى القرن الـ17، وكادت أعماله تبدأ في تسعينيات القرن الـ19 بمبادرة من اليابان، لكن سيام (تايلند) وبريطانيا العظمى وأستراليا اتفقت على عدم إنشاء ممر مائي عبر برزخ كرا، وذلك للحفاظ على الهيمنة التجارية في المنطقة لصالح سنغافورة والبنغال (كلكتا) اللتين كانتا تحت السيطرة البريطانية آنذاك.
وفي ثلاثينيات القرن الماضي، بدأت تظهر في الصحافة معلومات عن نية اليابانيين تنفيذ هذه الفكرة القديمة لتجاوز الهند الشرقية الهولندية (إندونيسيا) والقواعد البريطانية في مضيق ملقا وحوض بحر جنوب الصين، وقد ذُكر أن أعمالا تمهيدية بدأت بالتعاون مع تايلند في أوائل الأربعينيات، ولكنها توقفت بسبب الأحداث العسكرية والسياسية في المنطقة.
عارض بناء القناة 143 نائبا تايلنديا بسبب مخاوف من أن تقع تايلند تحت السيطرة الاقتصادية الكاملة للصين
تايلند متخوفة
وأشار الكاتب إلى أن الاتحاد السوفياتي وميانمار (بورما) كانا يعملان في منتصف خمسينيات القرن الماضي على تطوير مثل هذا المشروع، ولكن التغيرات الجيوسياسية اللاحقة في المنطقة، بما في ذلك تزايد عدم الاستقرار في بورما، حالت دون تنفيذ المشروع، ولكنه قد يعود إلى الواجهة بعد أن وقعت روسيا وميانمار مذكرة تفاهم في فبراير/شباط 2025 بشأن التعاون الاستثماري، تتضمن بناء ميناء دافوي العابر للمياه العميقة الذي لا يبعد كثيرا عن مسار القناة المقترح في الخيار البورمي، مع منح روسيا لاحقًا امتيازات في استخدام هذا الميناء.
ويشير الكاتب إلى أن التكلفة الاستثمارية الأولية لمشاريع القناة عبر تايلند تقدر بما لا يقل عن 23 مليار دولار لكل من الخيارات الثلاثة، مع أخذ البنية التحتية المصاحبة في الاعتبار، بما فيها خط أنابيب النفط، وليس من المستبعد أن تشارك الصين في تشغيل القناة، لأن ما لا يقل عن 70% من تمويل هذه الأعمال سيتم توفيره من خلال استثمارات وقروض حكومية وتجارية صينية.
وقد اختارت بكين وبانكوك الخيار الثالث للقناة، وهو المسار الجنوبي الأبعد في أقصى جنوب تايلند بالقرب من الحدود مع ماليزيا، ويبلغ طوله نحو 95 كيلومترا، مع بناء موانئ مياه عميقة على ضفتي القناة، موجهة بشكل أساسي لنقل بضائع الحاويات، حيث ستبلغ الطاقة الاستيعابية لهذا الممر 20 مليون حاوية نمطية سنويا.
ويلفت الكاتب الانتباه إلى أن التصويت الذي جرى في فبراير/شباط 2022 في مجلس النواب التايلندي جاء بنتيجة سلبية، فمن بين 317 نائبًا، أيد 121 فقط دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع، بينما عارضه 143 نائبًا بسبب مخاوف من أن تقع تايلند تحت السيطرة الاقتصادية الكاملة للصين.
وعام 2025، قررت سلطات بانكوك تفضيل مشروع “الجسر البري” الذي تدعمه واشنطن، والذي تبلغ تكلفته 28 مليار دولار، وهو عبارة عن ممر نقل بري بين خليج سيام وبحر أندامان، بهدف تحقيق فوائد اقتصادية مماثلة دون المشاكل السياسية والبيئية المرتبطة ببناء القناة، مما يجعله حلا أكثر جدوى وتوازنًا من الناحية الإستراتيجية، حسب الكاتب.
طريق الحرير
واستعرض الكاتب حجج معارضي بناء القناة، فهم يشيرون إلى إمكانية تقسيم البلاد في حال بنائها، مع تعزيز الحركات الانفصالية في المقاطعات الجنوبية، بالإضافة إلى أنها تغذي المخاوف المنتشرة بشأن تزايد النفوذ الصيني في منطقة آسيا والمحيط الهادي، وهي مخاوف مدفوعة بمنطق المواجهة الجيوسياسية الحالية.
وفي المقابل، كما تشير الخبيرة من معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية إيلينا فوميتشيفا “يعتقد المؤيدون المحليون لبناء القناة التايلندية أنها ستجعل من تايلند واحدة من أكبر محاور النقل في العالم، وهو ما تدعمه بقوة جماعات الضغط التي تؤكد على مزاياها الرئيسية، كتقصير الطريق البحري من جنوب شرق آسيا إلى أوروبا وأفريقيا بمسافة ألف كيلومتر أو أكثر، وتقليل زمن عبور السفن للمسار بـ3 أو 4 أيام، وخفض استهلاك وقود السفن، وتخفيض تكلفة الشحن، وتخفيف الضغط على المضائق من وإلى جنوب شرق آسيا”.
وحسب تقييم الخبيرة، فإن دور العامل الصيني في هذا المشروع كبير جدا في السياق الإقليمي الأوسع، موضحة أن “الصين مستعدة لتولي التمويل، ويمكنها أيضا توفير المساعدة الهندسية والعمالة. كما أن البنوك الصينية مستعدة لتقديم قروض لتايلند لهذا المشروع. وفي حال عدم قدرة تايلند على سداد الدين، فإن الصين مستعدة لاستئجار هذا المرفق لمدة 99 عامًا، كما حدث مع ميناء هامبانتوتا في سريلانكا. ولكن هذا السيناريو يعزز نفوذ الصين بشكل كبير على تايلند وعلى طرق العبور في هذه المنطقة الشاسعة”.
ويختتم الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن بكين أبدت اهتماما متزايدا في الآونة الأخيرة، بإحياء مشروع “القناة التايلندية” في إطار “طريق الحرير البحري”، الذي يعد مكونا رئيسيا من مبادرة الصين “حزام واحد، طريق واحد”.
ومع توسع التجارة العالمية سيزداد الطلب حتما على طرق بحرية فعالة وآمنة، ومن شأن هذه القناة المفترضة أن تسهم في تقصير المسارات، وتجنب “الاختناقات”، وتقلل الاعتماد على طريق تجاري واحد (في هذه الحالة “ملقا”)، الذي يمر عبره حوالي 80% من واردات الصين من النفط.