في 24 أكتوبر احتفلت منظمة الأمم المتحدة بالذكرى الثمانين لتأسيسها، ومع ذلك يرى العديد من الدول الأعضاء أن هذه الهيئة العالمية التي يبلغ عمرها 80 عاماً، تغرق في دوامة من عدم الفاعلية والأهمية، ما يكلفها الكثير.

ولم يكن مفاجئاً أن القيود المالية الناتجة عن ذلك دفعت الأمين العام أنطونيو غوتيريش إلى اقتراح تقليص النفقات وإعادة الهيكلة وتخفيضات شاملة في ميزانية عام 2026 وعدد الموظفين.

ولخص الرئيس الأميركي دونالد ترامب التحدي الرئيس في خطابه أمام الأمم المتحدة الشهر الماضي قائلاً: «ما هو هدف الأمم المتحدة؟».

ويحدد ميثاق الأمم المتحدة أهدافها المنشودة: اتخاذ تدابير جماعية للحفاظ على السلام والأمن الدوليين، وتعزيز العلاقات بين الدول على أساس المساواة في الحقوق وتقرير المصير، وتعزيز الجهود التعاونية لحل المشكلات الدولية، وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، والعمل كمنتدى لمعالجة هذه الغايات المشتركة.

وللأسف لم ترق الأمم المتحدة إلى مستوى الأهداف النبيلة لمؤسسيها. لقد كان هناك مئات الحروب والصراعات الكبرى منذ عام 1945، ومع ذلك لم يأذن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة باستخدام القوة العسكرية إلا مرتين: للدفاع عن كوريا الجنوبية عام 1950، ولإجبار العراق على الانسحاب من الكويت عام 1990. وقد حققت الإجراءات الأقل أهمية لنشر قوات حفظ السلام أو مساندة العمليات العسكرية غير التابعة للأمم المتحدة بعض النجاحات، كما حدث في ساحل العاج، لكنها شهدت أيضاً إخفاقات مأساوية مثل الموقف من الإبادة الجماعية في رواندا.

وتستمر البعثات في أماكن مثل جنوب السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية لعقود، وتكلف مليارات الدولارات بينما تفشل في تحقيق استقرار دائم.

والأمر الأكثر وضوحاً هو أن الأمم المتحدة عاجزة إلى حد كبير في الأزمات الكبرى مثل الحرب بين روسيا وأوكرانيا. والجدير بالذكر أن إحدى أهم اتفاقيات السلام منذ عقود، وهي الصفقة لإنهاء الصراع في غزة، قد استبعدت منظمة الأمم المتحدة، والدليل هو عدم مشاركة الأمين العام في عملية مفاوضات وقف إطلاق النار.

كما أن سجل الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان قاصرٌ أيضاً، فعلى مدار العقد الماضي، أدانت الجمعية العامة للأمم المتحدة الولايات المتحدة كثيراً وإيران أو كوريا الشمالية، وتلقت إسرائيل إدانات أكثر من جميع الدول الأخرى مجتمعة، وبالمثل يركز مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة انتقاداته بشكل غير متناسب على دول معينة، بينما لا يدين أخرى أو الحكومات التي تنتهك حقوق وحريات مواطنيها بانتظام.

كما عانت الأمم المتحدة من فضائح تراوحت بين الفساد وسوء السلوك، ما أدى إلى تآكل الثقة، وحتى جهود المنظمة الإنسانية التي تعتبر بحق من بين أهم جهود المنظمة، شابها سوء التصرف وعدم الفاعلية والتواطؤ مع الخارجين عن القانون.

ووفقاً لمسح أجرته مؤسسة «غالوب»، قال 63% من الأميركيين إن الأمم المتحدة لا تؤدي وظيفتها على أكمل وجه في محاولة حل المشكلات التي أُنشئت لإدارتها.

وبالنسبة للولايات المتحدة، التي توفر ما يقرب من رُبع ميزانية الأمم المتحدة، تثير عيوب المنظمة غضباً بالغاً. وفي الماضي كان هذا يدفع الإدارات الجمهورية والديمقراطية إلى الدعوة إلى إصلاحات، والانخراط في مناورات دبلوماسية، وأحياناً إلى حجب التمويل. ولم يعد الأمر كذلك.

في عهد الرئيس ترامب تشهد الأمم المتحدة نهجاً أكثر عدوانية، فقد سحب تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، والمحكمة الجنائية الدولية، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، ومجلس حقوق الإنسان، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، واتفاقية باريس بشأن تغير المناخ، ومنظمة الصحة العالمية. وأحياناً فرضت الإدارة الأميركية عقوبات على كيانات أممية.

وتُجري إدارة ترامب مراجعة لتحديد ما إذا كان ينبغي على الولايات المتحدة الانسحاب من منظمات ومعاهدات أخرى.  عن «إل بايس»

مفترق طرق

بعد ثمانية عقود تقف منظمة الأمم المتحدة عند مفترق طرق. وأشار الأمين العام السابق للأمم المتحدة، داغ همرشولد، إلى أن «الأمم المتحدة لم تُنشأ لإيصالنا إلى الجنة، بل لإنقاذنا من الجحيم». وإذا أرادت أن يكون لها مستقبل فعلى المنظمة أن تتبنى دعوة أميركا للإصلاح، وأن تعيد التركيز على مسؤولياتها الأساسية، وأن تتخلى عن أهداف فرعية لا يمكن تحقيقها والتي تُخرج المنظمة من السياق.

شاركها.
Exit mobile version