تحتدم اليوم معركة مصيرية على “السلاح” في 3 ساحات مختلفة تشهد تصاعدا في التوتر، إذ تتشابك العوامل المحلية والإقليمية والدولية، لتعيد طرح معادلات القوة وموازين النفوذ، ولتكشف في الوقت نفسه عمق التعقيدات التي تواجه دولا ومجتمعات ما زالت تبحث عن استقرارها وأمنها.

فالسلاح هنا ليس مجرد أداة قتالية أو ورقة ضغط، بل هو عنوان لصراع الإرادات بين مشاريع متباينة: مشروع مقاومة يسعى إلى تكريس الردع والدفاع عن الأرض، ومشروع دولي وإقليمي يريد ضبط هذه القوة أو تجريدها منها تحت مسميات مختلفة.

اقرأ أيضا

list of 2 itemsend of list

ويشير المقال التحليلي “المعركة على السلاح.. جبهات ثلاث في بيئات مختلفة” والذي نشره مركز القدس للدراسات السياسية، إلى تفصيل هذه المعركة عبر 3 جبهات أساسية؛ فلسطين، لبنان، والعراق، مع التوقف كذلك عند اليمن.

ويرى الكاتب عريب الرنتاوي أن المشترك بين هذه الساحات هو أن النقاش حول السلاح لم يعد قضية محلية صِرفة، بل أصبح جزءا من صراع أوسع على الهوية والسيادة ومستقبل السلطة. إلا أن فلسطين ولبنان يظلان المحورين الأكثر سخونة، بحكم موقعهما في قلب الصراع العربي الإسرائيلي وتشابك حساباتهما مع التوازنات الإقليمية.

فلسطين.. سلاح المقاومة

في فلسطين، تخوض المقاومة -وخصوصا حركة المقاومة الإسلامية (حماس)- مواجهة مفتوحة مع الاحتلال الإسرائيلي، وسط مطالب متصاعدة لنزع سلاحها.

ويُشير الكاتب إلى أن الولايات المتحدة، عبر الإدارات المتعاقبة، عملت فعليا على ترجمة أجندة اليمين الإسرائيلي، وتمكنت من تثبيت مبدأ نزع السلاح، معتقدة أن التخلص من السلاح يعني تقويض قدرات حماس السياسية والعسكرية.

لكن -كما يؤكد المقال- فإن هذا السلاح لم يكن مجرد أدوات قتالية، بل كان مفتاحا لإلحاق خسائر غير مسبوقة بإسرائيل اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.

ورغم ذلك، تعرضت المقاومة للهجوم من بعض الأطراف السياسية الفلسطينية والعربية، التي اعتبرت أن استمرار امتلاك السلاح قد يؤثر على استقرار السلطة المحلية، رغم أن السلاح لعب دورا مهما في قدرة المقاومة على مواجهة التحديات الأمنية.

ويشير إلى أن التخلي عن السلاح قد يقلل من قدرة المقاومة على الردع، في حين أن استمرار امتلاك السلاح يمثل عنصرا مؤثرا في إستراتيجية المقاومة المستقبلية.

لبنان.. سلاح الحزب

في لبنان، يسود نقاش معقد حول سلاح حزب الله. ترافق هذا النقاش مع تصعيد في الخطاب السياسي بين المناهضين والمساندين للموقف المعارض لوجود السلاح غير الشرعي.

ولم يقلل الحزب من حجم المعركة، واصفا إياها بأنها “كربلائية”، مشيرا إلى استمرار التوترات مع إسرائيل، بما في ذلك التوسع في احتلال المناطق أو الاحتفاظ بالأسرى وتهديد لبنان بحرب جديدة.

يوجد 3 خيارات مفتوحة أمام حزب الله:

  1. إما التخلي عن سلاحه من دون تحقيق أهدافه، وهو ما ستكون له كلفة كبيرة على صورته ودوره الوطني.
  2. أو التمسك به رغم الخطر الميداني.
  3. أو الدفع باتجاه إستراتيجية ثالثة مبنية على حوار وطني ينتج إستراتيجية دفاعية شاملة، بالإضافة إلى التواصل مع المجتمع الدولي والضغط لمعالجة التهديدات على الحدود الشرقية والشمالية.

وفي المقابل، يُبرز المقال أيضا الخيارات الإسرائيلية في هذا المشهد، وهي:

  1. استمرار السلامة العسكرية عبر تنفيذ “معارك بين الحروب”.
  2. أو الدخول في حروب شاملة واسعة النطاق، وهو خيار مستبعد حاليا.
  3. أو تبنّي سياسة “الخطوة مقابل الخطوة” إذا توفر الدعم الدولي، خصوصا من الإدارة الأميركية وبعض الدول العربية.

أما الدولة اللبنانية، فتواجه بدورها 3 خيارات:

  1. العودة عن قرار حصرية السلاح، وهو خيار قد يُضعِف الحكومة ويثير معارضة داخلية وخارجية.
  2. أو فرض القرار بالقوة، وهو خيار محفوف بالمخاطر، خاصة على وحدة الجيش والسلم الأهلي.
  3. أو الدعوة إلى حوار وطني ومحاولة تشكيل إستراتيجية دفاع وطني عبر توافق داخلي ومجهود دبلوماسي لدفع إسرائيل للوفاء بالتزاماتها، ما يعزز من صدقيتها ومكانتها، وهي تطالب ببسط السيادة وحصرية السلاح.

العراق.. سلاح الحشد

السلاح في العراق قد لا يشكل أهمية مباشرة من منظور الصراع العربي الإسرائيلي، لكنه يحتل موقعا محوريا في الصراع الداخلي وعلاقته بالتجاذب بين واشنطن وطهران.

ويبرز هنا التمييز بين فصائل الحشد الشعبي، التي أصبحت قوة عسكرية رسمية تابعة للقائد العام للقوات المسلحة، وبين الفصائل التي انخرطت في دعم قضايا إقليمية، إذ لا تعترف الولايات المتحدة بهذا التمايز، وتتعامل مع الحشد بمختلف مكوناته ككتلة واحدة ينبغي إضعافها أو تفكيكها.

وتبدو المواجهة حول “سلاح الإسناد” أقل تعقيدا، لكن مستقبل الحشد الشعبي نفسه يمثل معركة أشد صعوبة.

وتسعى واشنطن لإفشال أي خطوات نحو ترسيخ وجود الحشد عبر القوانين أو المأسسة الرسمية، وتضغط في المقابل لتكريس مبدأ “حصرية السلاح” بيد الدولة.

مستخدمة في ذلك ورقتين أساسيتين: سلاح العقوبات الاقتصادية، والتهديد بترك المجال مفتوحا أمام إسرائيل لتكرار تجربة المواجهة مع حزب الله، من خلال الاغتيالات والاستهدافات المباشرة، وحتى احتمال اعتماد “إستراتيجية الضاحية” في قلب بغداد.

المعركة معقدة أكثر بالنظر إلى الانقسام داخل البيئة الشيعية العراقية، مقارنة بالتماسك النسبي داخل الساحة اللبنانية. فبينما يحظى حزب الله بإجماع داخل بيئته الحاضنة، يواجه الحشد معارضة واضحة من أطراف عراقية تدفع باتجاه نزع سلاحه.

في نهاية المطاف، يبقى مستقبل السلاح والفصائل في العراق مرهونا إلى حد كبير بمسار المواجهة الإيرانية الأميركية، أكثر من ارتباطه بمسار الصراع العربي الإسرائيلي.

أما في اليمن، فيتخذ النقاش حول السلاح طابعا مختلفا، بحكم خصوصية الساحة اليمنية وصراعها المستمر منذ سنوات.

ويدخل السلاح هناك في صلب التوازنات الإقليمية، ولا سيما من زاوية ارتباط جماعة أنصار الله (الحوثيين) بمحور المقاومة، وما يثيره ذلك من مخاوف متزايدة لدى خصوم هذا المحور في المنطقة.

إذن المعركة على السلاح لا تبدو مجرد جدل داخلي في هذه البلدان، بل جزءا من مشهد أوسع يتداخل فيه المحلي بالإقليمي والدولي.

وبينما تحتل فلسطين ولبنان صدارة الاهتمام بحكم ارتباطهما المباشر بالصراع مع إسرائيل، يبقى العراق واليمن ساحتين لا تقلان أهمية في إعادة تشكيل معادلات القوة في المنطقة.

ويخلص المقال إلى أن مستقبل هذه المعركة سيتحدد وفق مسار التوازنات بين القوى الكبرى، وبمدى قدرة المجتمعات المحلية على حسم خياراتها بين الاحتفاظ بالسلاح كأداة مقاومة أو التخلي عنه لصالح الدولة.

شاركها.
Exit mobile version