Published On 5/9/2025
|
آخر تحديث: 11:51 (توقيت مكة)
القاهرة – بعد أن أثارت حادثة وفاة الإعلامية المصرية عبير الأباصيري جدلا واسعا وانتقادات حادة حول سياسات المستشفيات الحكومية والخاصة في حالات الطوارئ، أصدر وزير الصحة والسكان خالد عبد الغفار قرارا يتيح لكل مواطن العلاج الفوري والمجاني في الحالات الطارئة دون شروط مالية مسبقة.
وهذا القرار، الذي يشكل خطرا على المستشفيات الخاصة المخالفة وقد يؤدي إلى تحويل مسؤولي المستشفيات الحكومية للتحقيق، يفتح الباب أمام تساؤلات عن فعالية الرقابة على القطاع الصحي، وهل يمكن أن ينهي ظاهرة “رفض الحالات” التي باتت تهدد حياة المصريين؟
عقوبات وتحقيق
وفي التفاصيل، هدد وزير الصحة والسكان بفرض عقوبات فورية على المستشفيات التي ترفض علاج الحالات الطارئة. وأكد أنه سيتم غلق أي مستشفى خاص يطلب مقابلا ماديا للعلاج الطارئ، وإحالة مسؤولي المستشفيات الحكومية المخالفة للتحقيق، مشددا على أن حق المواطن في العلاج الفوري والمجاني في حالات الطوارئ لا يجب أن يخضع لأي شرط أو عائق مالي.
وأضاف الوزير، في بيان رسمي، أن “وزارة الصحة ملتزمة بتنفيذ قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1063 لسنة 2014 بكل حسم، والذي يكفل لكل مواطن الحق في تلقي العلاج الطارئ -مجانا- خلال أول 48 ساعة في جميع المستشفيات، حكومية كانت أو خاصة دون أي مقابل مالي، وعلى نفقة الدولة”.
وكان خبر وفاة الإعلامية المصرية عبير الأباصيري قد أثار موجة من الجدل والانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة بعد اتهام صديقتها مستشفى خاصا برفض استقبالها وتأخير علاجها نحو 6 ساعات لعدم سداد مبلغ 1400 جنيه (نحو 50 دولارا).
ورغم أن وزارة الصحة نفت في بيان لاحق أن يكون المبلغ المذكور مقابلا للعلاج، مؤكدة أنه كان رسوما للحصول على نسخة من الأشعة، وأنها تلقت الرعاية الطبية الطارئة فور وصولها إلى المستشفى، إلا أنها أعلنت فتح تحقيق عاجل في الواقعة.
غياب الآليات
من ناحيتها، تقدمت عضو مجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي الدكتورة مها عبد الناصر بسؤال برلماني موجّه إلى رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان، طالبت فيه بتوضيح آليات تطبيق قرار مجانية العلاج في أقسام الطوارئ بجميع المستشفيات على مستوى الجمهورية، وذلك على خلفية البيان الأخير الصادر عن وزارة الصحة بشأن هذا القرار.
وقالت مها للجزيرة نت إن “قرار مجانية العلاج الطارئ ليس جديدا، إذ سبق أن أقر مجلس الوزراء عام 2014 (القرار 1063) بإلزام المستشفيات بتقديم العلاج المجاني خلال 48 ساعة من دخول المريض على نفقة الدولة أو التأمين الصحي”.
وأكدت أن المشكلة تكمن في غياب آليات واضحة لتحمل الدولة التكلفة، خاصة أن وزير الصحة شدد مرارا على إغلاق أي مستشفى يرفض استقبال مريض طارئ أو يشترط دفع مبالغ مالية.
كما شددت البرلمانية على ضرورة معالجة أوجه القصور في المنظومة الصحية، سواء ما يتعلق بنقص المستشفيات أو قلة عدد الأسرّة في أقسام الطوارئ والأطباء مقارنة بالمعدلات العالمية، مشيرة إلى غياب آليات واضحة لتنفيذ القرار وغياب الرقابة الفعالة، مما يجعل تطبيقه غير مكتمل في المستشفيات الحكومية والخاصة على حد سواء.
وتُعد واقعة وفاة الإعلامية عبير الأباصيري، بحسب مها، “ناقوس خطر” يكشف عن المآسي التي تحدث في أقسام الطوارئ، وتؤكد أنها ليست حالة فردية.
ورغم أن وزارة الصحة فتحت تحقيقا في الواقعة، فإن هناك تساؤلات عن شفافية بياناتها، خاصة فيما يتعلق بعدد شكاوى رفض علاج مرضى الطوارئ وعدد المستشفيات التي أغلقت، مما يستدعي المطالبة بإعلان هذه البيانات للرأي العام.
مطالبات
ولضمان حصول كل مريض على الرعاية الطبية اللازمة في الحالات الطارئة، طالبت البرلمانية مها عبد الناصر بوضع إطار واضح وصريح يضمن حقوق المواطنين ويحقق أعلى مستويات الرعاية ويقوم على:
- صرف مستحقات علاج الحالات الطارئة في المستشفيات الخاصة والحكومية، بما يضمن التزام الدولة بتغطية التكلفة.
- زيادة الإمكانات داخل المستشفيات من حيث عدد الأسرَّة والأطباء وأجهزة الطوارئ والأدوية والفرق البشرية المؤهلة.
- وضع برامج تدريب مستمرة للفرق الطبية للتعامل مع الحالات الحرجة، وتعيين فرق متخصصة في أقسام الطوارئ تعمل على مدار الساعة.
- إلزام كل مستشفى بتعليق إرشادات واضحة للمواطنين بشأن حقوقهم وواجبات المستشفى في أقسام الطوارئ.
- تفعيل منظومة الشكاوى بالجدية والسرعة المطلوبة بحيث يكون التدخل فوريا وفعالًا، لا مجرد تسجيل شكلي.
بدوره، قلّل المقرر المساعد للجنة الصحة في “الحوار الوطني” الدكتور محمد حسن خليل من جدوى القرار الجديد، معتبرا أنه “تحصيل حاصل” ولا يضمن حصول المواطنين على العلاج المجاني في الطوارئ لمدة 48 ساعة، لأنه لا يُطبَّق فعليا إلا في عدد محدود من المستشفيات، في ظل غياب منظومة وآليات واضحة للتنفيذ، وتردّي أوضاع القطاع الصحي، خاصة في المستشفيات الحكومية.
وأوضح خليل للجزيرة نت أن أوجه القصور تتجلى في:
- نقص التجهيزات داخل أقسام الطوارئ
- عدم كفاية الأسرة
- ضعف الإمكانيات المادية
- النقص الحاد في الأدوية الحيوية والأطباء والفرق الطبية
واعتبر أن واقعة وفاة الإعلامية عبير نموذج صارخ لمآس يومية تتكرر في بلد يتجاوز عدد سكانه 108 ملايين نسمة ويعاني معدلات مرتفعة من الحوادث والأمراض المزمنة.
فجوة وضغوط
وأشار الدكتور خليل إلى أن مصر، رغم تاريخها الطبي العريق في أفريقيا والشرق الأوسط، تنفق على الصحة أقل بكثير من المتوسط العالمي، في حين يعمل عدد كبير من أطبائها في الخارج بما يفوق عدد الأطباء المتاحين بالداخل، مما يضع المستشفيات تحت ضغوط مالية وبشرية هائلة، وتساءل “كيف يمكن للرقابة أن تضمن التنفيذ في ظل انعدام الإمكانيات أصلا؟”.
ويوجد في مصر -وفق أحدث إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء- نحو 1809 مستشفيات، بينها 1145 مستشفى خاصا و664 حكوميا.
وأظهرت البيانات تراجع عدد الأسرَّة في المستشفيات الحكومية من 98 ألفا و291 سريرا عام 2013 إلى 83 ألفا و34 سريرا في 2021، في حين ارتفع عدد الأسرَّة في المستشفيات الخاصة من 26 ألفا و9 أسرة إلى 34 ألفا و470 سريرا خلال الفترة نفسها.
وبحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، لا يتجاوز معدل إتاحة الأسرَّة في مصر 1.2 سرير لكل ألف شخص، وهو أقل من متوسط بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بينما يفترض أن يصل المعدل إلى 3 أسرَّة لكل ألف شخص وفق المعايير العالمية، مما يعكس فجوة واسعة بين الواقع المحلي والمستوى المطلوب.