Published On 5/9/2025
|
آخر تحديث: 15:38 (توقيت مكة)
لم تعد الطائرات المسيّرة، في منطقة الساحل الأفريقي، حكرا على الجيوش النظامية، فالجماعات المسلحة، من تنظيمات جهادية إلى حركات انفصالية، باتت تستخدم هذه التكنولوجيا في تنفيذ هجمات دقيقة، واستطلاع المواقع، وحتى في إنتاج مواد دعائية.
هذا التحول النوعي في أدوات الصراع يعيد تشكيل ملامح الحرب، ويطرح تساؤلات جوهرية حول موازين القوى، والفاعلين الدوليين، ومستقبل الأمن في المنطقة.
في هذا المقال، نستعرض 5 أسئلة محورية لفهم أبعاد هذه الحرب الجوية الجديدة، كما وردت في تقرير لموقع أفريكا ريبورت.
لماذا أصبحت المسيّرات في قلب المعركة بالساحل؟
في مواجهة جماعات قادرة على التسلل والضرب والاختفاء وسط السكان، وجدت جيوش دول الساحل (مالي، بوركينا فاسو، والنيجر) في الطائرات المسيّرة أداة مثالية لتعويض النقص في الموارد البشرية واللوجيستية، فهي تتيح مراقبة مساحات صحراوية شاسعة، وتحديد الأهداف، وتنفيذ ضربات دون تعريض الجنود للخطر.
لكن هذه الأفضلية التقنية لم تبقَ حكرا على الجيوش، فالجماعات المسلحة، مثل “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” و”تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى”، بدأت استخدام المسيّرات التجارية المعدّلة، أولا للاستطلاع، ثم كسلاح هجومي. وهكذا، دخلت المسيّرات إلى ترسانة الطرفين، لتصبح جزءا من سباق تسلّح غير متكافئ.
من يزوّد جيوش الساحل بالمسيّرات؟
تتربع تركيا على عرش سوق المسيّرات في الساحل، بفضل طراز “بيرقدار تي بي تو” الذي تنتجه شركة “بايكار”، بقيادة سلجوق بيرقدار. وتُعدّ هذه المسيّرة، التي يبلغ مداها 150 كيلومترا وتستطيع التحليق لأكثر من 24 ساعة، خيارا اقتصاديا مقارنة بنظيراتها الغربية، إذ يتراوح سعرها بين 2 و4 ملايين دولار، أي أقل عشر مرات من المسيّرة الأميركية “ريبر”.
وقد حصلت مالي على دفعتين من هذه المسيّرات في 2022 و2023، بينما اقتنت بوركينا فاسو والنيجر نماذج مماثلة. كما بدأت دول الساحل في اقتناء طراز “أقنجي” التركي الأكثر تطورا، رغم تكلفته العالية التي تصل إلى نحو 35 مليون دولار. ووفقا للمؤرخ العسكري أنتوني غيون، فإن امتلاك هذه المسيّرات يضع دول الساحل في مصاف الحلفاء المقربين من أنقرة.
ما نوع المسيّرات التي تستخدمها الجماعات المسلحة؟
على الطرف الآخر، تعتمد الجماعات المسلحة على نماذج مدنية منخفضة التكلفة، تُعدّل لتناسب الأغراض العسكرية. فـ”جبهة تحرير أزواد” تستخدم مسيّرات تعمل بالألياف البصرية، ما يجعلها صامدة أمام أنظمة التشويش. هذه التقنية، التي أوصى بها خبراء أوكرانيون، أثبتت فعاليتها في بيئات معقدة مثل الأنفاق والمناطق المحصنة.
أما “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”، فتلجأ إلى نماذج صينية مثل “دي جي آي” و”هولي ستون”، تُباع بأسعار تتراوح بين 90 و350 دولارا، وتُستخدم في إسقاط المتفجرات أو تصوير الهجمات. وقد وثّق تقرير أفريكا ريبورت تعاونا بين كييف ومتمردين ماليين في هذا المجال، خاصة خلال معركة “تينزواتن” في يوليو/تموز 2024.
ما المكاسب العسكرية والأمنية من استخدام المسيّرات؟
أثبتت المسيّرات فعاليتها في تعقب تحركات الجماعات المسلحة، وتنفيذ ضربات دقيقة ضد قادتها. ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ساهمت المسيّرات التركية في استعادة مدينة كيدال من قبل الجيش المالي. وفي ديسمبر/كانون الأول 2024، قُتل ثمانية من قادة “جبهة تحرير أزواد”، بينهم فهد أغ المحمود، بواسطة ضربات جوية في “تينزواتن”.
لكن الجماعات المسلحة أيضا استفادت من هذه التقنية، فقد استخدمتها “جبهة تحرير أزواد” في معركة يوليو/تموز، بينما شنّت “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” هجوما على معسكر “بوليكسي” في يونيو/حزيران، وأسقطت متفجرات بواسطة مسيّرات، موثّقة بالصور. أما “تنظيم الدولة”، فقد استخدم مسيّرات انتحارية في هجوم على “إكنيوان” في مايو/أيار، أسفر عن مقتل نحو 40 جنديا نيجريا.
ما التداعيات السياسية والإستراتيجية لحرب المسيّرات؟
تُعيد المسيّرات رسم خارطة النفوذ في الساحل، فتركيا تعزز حضورها على حساب القوى الغربية، بينما تزداد تبعية دول الساحل لمورّدي السلاح الخارجيين. كما أن دخول أوكرانيا على خط الدعم العسكري لبعض الجماعات يربط النزاع المحلي بصراعات دولية أوسع.
لكن الأخطر هو تصاعد الأخطار على المدنيين، فقد وثّقت منظمات حقوقية، بينها “هيومن رايتس ووتش”، حوادث قتل غير مقصودة نتيجة ضربات المسيّرات، وفي سبتمبر/أيلول 2024، اتهمت الجزائر مالي بقصف مدنيين على الحدود، وهي اتهامات نفتها باماكو ووصفتها بـ”الخطيرة وغير المؤسسة”.