من خلال توثيق نادر لمهنة الغوص وتجسيد العلاقة بين البحر والإنسان في منطقة الخليج العربي، شارك كاتب كويتي بورقة بحثية أمام مؤتمر التراث الثاني بإمارة الشارقة أمس الأربعاء استعرضت التفاصيل الدقيقة لحياة الغواصين ومشاقهم ونمط حياتهم من وجهة نظر فرنسية.

وقال الكاتب والباحث الكويتي طلال الرميضي لـ «كونا» إن ورقته البحثية التي تحمل عنوان «الغوص على اللؤلؤ بعيون فرنسية.. الطرافة في كتابات ألبير لوندر» تتناول النظرة الفرنسية لمهنة الغوص في الخليج العربي مطلع القرن العشرين، وتحديدا عبر عدسة الكاتب والصحافي الفرنسي الشهير ألبير لوندر.

وأوضح الرميضي عقب مشاركته في المؤتمر، أن لوندر الذي زار منطقة الخليج عام 1930 قدم توثيقا نادرا لمهنة الغوص على اللؤلؤ بأسلوب «طريف وإنساني» في آن واحد عبر الكتابة عن حياة الغواصين والمشاق التي يتعرضون لها وطباعهم ونمط حياتهم، ناقلا تفاصيل دقيقة عن سفن الغوص وطقوس الرحلات وأجواء المجالس البحرية، إضافة إلى تعبيرات أهل الخليج وتعاملهم الفطري مع المصاعب اليومية.

وذكر أن لوندر أبدى «دهشة واضحة» في كتاباته من قدرة الغواصين العرب على التكيف مع مخاطر البحر رغم بدائية الأدوات وقسوة الظروف، لافتا إلى أنه استخدم لغة وصفية مليئة بالمفارقات والطرائف من بينها ملاحظته أحد النواخذة الذي ليس لديه أي استعداد للتوقف عن العمل مهما كان، واستخدام لوندر تعبيرات مثل «الرجال الذين لا يذهبون إلى الجحيم»، في إشارة إلى صلابتهم ومقاومتهم الأهوال.

وبين أن لوندر لم يكتف بالكتابة من بعيد، بل خاض تجربة ميدانية نادرة رافق خلالها الغواصين على ظهر السفن وتحدث إليهم واستمع الى قصصهم ووصف وجوههم وراقب لحظات الفرح والتعب وحتى لحظات المرض.

وأشار إلى أن الصحافي الفرنسي كان مفتونا بالعلاقة بين البحر والإنسان الخليجي، وعبر عن ذلك بقوله «عندما كنت أنزل إلى البحر كنت أجد نفسي عربيا».

وأفاد الرميضي بأن الورقة البحثية تناولت أيضا إشارات لوندر الى مواقف إنسانية عميقة منها حالات الموت الناتجة عن الغوص والآلام التي تحيط بهذه المهنة، إلى جانب وصفه طقوس الدفن البحري والطرق التي يلجأ لها البحارة عند ضياع أحد زملائهم في الأعماق، وهي مشاهد نادرة تميز بها هذا الكاتب عن غيره من المستشرقين الأوروبيين.

وأكد أن كتابات المستشرقين لا تخلو من الانطباعات الذاتية أو الصور النمطية، لكنها تمثل مادة أرشيفية مهمة لفهم كيف رأى العالم الغربي المجتمعات الخليجية، خصوصا في مهنها التقليدية مثل الغوص، مشددا على أهمية قراءتها بعين نقدية وتحليلية تسهم في حفظ الذاكرة التراثية من منظور متعدد.

واختتم الباحث الكويتي ورقته بالتأكيد على أن توثيق التراث الخليجي في كتابات غير عربية يمنح فرصة لإعادة تقديمه للأجيال الجديدة بطرق مبتكرة، داعيا إلى مزيد من الدراسات المقارنة بين الروايات الغربية والمصادر المحلية لتقديم صورة متكاملة عن تاريخ الخليج البحري.

ويعد مؤتمر التراث الثاني، الذي بدأ فعالياته تحت شعار «التراث الشعبي بعيون الآخر» في الشارقة وتستمر يومين، منصة سنوية مهمة تجمع نخبة من الباحثين والأكاديميين من مختلف الدول العربية بهدف تبادل الخبرات حول توثيق التراث غير المادي وتاريخ المهن التقليدية في المنطقة، ويشهد في دورته الحالية مشاركة واسعة من دول الخليج والمهتمين بالتاريخ البحري.

شاركها.
Exit mobile version