في معادلة القرن الحادي والعشرين، لم تعد الريادة تُقاس بوفرة الموارد الطبيعية أو بحجم الاقتصادات التقليدية، بل بقدرة الدول على الجمع بين الطاقة المتجددة التي تمثل وقود المستقبل النظيف، والذكاء الاصطناعي الذي يشكل العقل المدبر لعصر جديد من التنمية. وفي هذا الإطار، تم مؤخراً إطلاق مشاريع جديدة للطاقة المتجددة في مختلف مناطق المملكة، بسعة 4500 ميجاواط واستثمارات تتجاوز 9 مليارات ريال، في خطوة تعكس تسارع التحول نحو اقتصاد مستدام. وعلى الجانب الآخر، يعزز صندوق الاستثمارات العامة عبر شركة HUMAIN حضور المملكة في قطاع الذكاء الاصطناعي، ضمن توجه يجعلها من بين أكبر ثلاثة مزودين عالمياً لهذه التقنية بعد الولايات المتحدة والصين. وبهذا التلاقي بين الطاقة النظيفة والعقل الاصطناعي، تمضي بلادنا بثقة لترسخ مكانتها في المشهد العالمي، ضمن رؤية السعودية الطموحة 2030.

لقد حققت المملكة إنجازات رائدة في قطاع الطاقة النظيفة، واضعةً هدفاً يتمثل في توليد نصف الكهرباء من مصادر متجددة بحلول عام 2030. وقد شهدت البلاد إطلاق مشاريع كبرى للطاقة الشمسية والرياح، من أبرزها مشروع سكاكا للطاقة الشمسية بقدرة 300 ميجاواط، ومزرعة دومة الجندل للرياح بقدرة 400 ميجاواط، ومشروع الشعيبة للطاقة الشمسية بقدرة 2600 ميجاواط، وصولاً إلى مشروع نيوم للهيدروجين الأخضر بقدرة 4 جيجاواط الذي يُعد الأضخم عالمياً. هذه المشاريع لا ترفع القدرة الإنتاجية فحسب، بل تعزز مكانة المملكة كمحور عالمي للطاقة النظيفة. وقد أكد وزير الطاقة خلال مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار في أكتوبر 2025 أن «الاستدامة الطاقية هي أساس الاقتصاد الجديد.. ويجب أن نُهيّئ اليوم لاحتياجات 2030 وما بعده». إنها رؤية لا تقتصر على بناء البنية التحتية، بل تصوغ منظومة اقتصادية واجتماعية متكاملة، توفر فرص عمل بعشرات الآلاف، وتفتح آفاقاً جديدة للاستثمار، وتُسهم في تحسين جودة الهواء وخفض الانبعاثات بما ينعكس مباشرة على جودة الحياة.

أما الذكاء الاصطناعي فهو المحرك الإستراتيجي لهذه المعادلة، إذ يمنح الطاقة المتجددة موثوقية واستدامة بفضل قدراته على التنبؤ بالطلب والإنتاج لحظة بلحظة، وتشغيل الشبكات الذكية، وإدارة التخزين بكفاءة، والصيانة التنبؤية التي تطيل عمر المحطات وتقلل الأعطال. وتشير التقديرات إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يسهم بما يصل إلى 12% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بحلول 2030. وتعمل المملكة على بناء قدرات متقدمة عبر مراكز البيانات العملاقة والبنية التحتية الرقمية والتقنيات المتقدمة للمعالجات والرقائق، في مسار يضيف بعداً إنسانياً، حيث تتحول التقنية من مجرد أداة ابتكار إلى محرك للتنمية والتمكين.

وعلى الصعيد الدولي، تتصدر الصين القدرات الإنتاجية للطاقة المتجددة، فيما تُهيمن الولايات المتحدة على استثمارات الذكاء الاصطناعي. وبين هذين العملاقين، تمضي المملكة بثبات لتكون شريكاً وفاعلاً رئيسياً في صياغة مستقبل هذه القطاعات، ليس كمستورد للتقنيات فحسب، بل كصانع للمعايير ومُصدّر للحلول.

وفي الختام، يتضح أن التكامل بين الطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي ليس مجرد خيار تقني أو اقتصادي، بل هو رهان إستراتيجي على المستقبل. فالمشاريع العملاقة تفتح آفاقاً واسعة للتنمية، لكن استدامتها الحقيقية تقوم على قدرة الكوادر الوطنية على الاستثمار في المعرفة والابتكار، وتطوير الحلول وتوطينها. وبهذه الرؤية الاستباقية، تمضي المملكة بثقة لتصنع حاضراً أكثر صلابة وتبني غداً أكثر إشراقاً للأجيال القادمة.

*عضو مجلس الشورى

أخبار ذات صلة

 

شاركها.
Exit mobile version