من خلال جدول حافل بالجلسات النقاشية وورش العمل التفاعلية، انطلقت أمس فعاليات الدورة الثانية لقمة دبي الدولية للمكتبات والنشر 2025 تحت شعار «مستقبل صناعة النشر»، في مكتبة محمد بن راشد.
وتجمع القمة أكثر من 80 متحدثاً من 20 دولة، بينهم خمسة متحدثين رئيسين، كما تنظم 48 جلسة نقاشية وحوارية وأكثر من 20 ورشة عمل متخصصة. وشهد الافتتاح وزير الدولة للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بُعد مدير عام مكتب رئاسة مجلس الوزراء، عمر سلطان العلماء، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم، محمد أحمد المر، إلى جانب أعضاء مجلس الإدارة، ونخبة من كبار المسؤولين والمتحدثين والمهتمين من حول العالم.
تمكين المجتمع
وأشار عمر سلطان العلماء إلى أن الثورة الصناعية التي شهدها العالم على مر العصور سواء كانت الأولى التي عاشها أجدادنا، أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة التي نعيشها حالياً، ترجع بداياتها الأولى إلى بداية الطباعة عام 1455، مشدداً على أن دولة الإمارات تؤمن بأن كل أداة جديدة تحمل تحديات لكنها تمثل من جهة أخرى منظومة لفرص واعدة جديدة غير مسبوقة. وقال العلماء: «دولة الإمارات لا تنتظر المستقبل، بل تصنعه ولا ترى في المستقبل إلا الفرص، لنمضي بثقة نحو الأمام برؤية واضحة نستلهمها من قيادتنا الرشيدة التي تؤمن بأن تمكين المجتمع هو مفتاح الازدهار والتقدم». وأشار إلى أن سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس المجلس التنفيذي لإمارة دبي، أطلق العام الماضي مشروعاً طموحاً لتدريب مليون شخص في مهارات الذكاء الاصطناعي، في خطوة تجسد التزام دولة الإمارات ببناء مستقبل قائم على تمكين شبابها بالمعرفة، وضمان مواكبتهم للتطورات العالمية السريعة في مجال الذكاء الاصطناعي.
وأشار العلماء إلى أهمية المؤتمرات المعرفية، كقمة دبي الدولية للمكتبات والنشر، في ظل التحولات الكبيرة التي يشهدها العالم اليوم، والتي لا تهدد الأداء أو الأعمال التقليدية، بل تعززها وتكملها، ما يتطلب إطلاق حوارات عالمية هادفة وعصف ذهني مفتوح مع رواد هذا القطاع الحيوي، لترسيخ المعرفة اللازمة لضمان البقاء في صدارة هذه المجالات والإجابة عن التساؤلات التي يفرضها التطور التكنولوجي المتسارع، ومن أهمها الأسئلة الكبرى حول الأخلاقيات والاستخدامات المسؤولة والصحيحة والخطأ للحرص على تحقيق أقصى استفادة من هذه التقنيات للجميع.
معرفة أكثر شمولاً
وقال محمد أحمد المر: «نجتمع اليوم لاستشراف مستقبل صناعة النشر في ظل تحولات متسارعة تعيد تشكيل طريقة إنتاج المحتوى وتوزيعه واستهلاكه، وسط تطلّعات عالمية نحو معرفة أكثر شمولاً واستدامة وتأثيراً». وأشار المر إلى أن سوق النشر العالمية التي بلغت 151 مليار دولار في 2024، تتجه للنمو لتصل إلى 192 مليار دولار بحلول 2030، بينما يشهد قطاع النشر الرقمي قفزة نوعية من 230 مليار دولار إلى 448 مليار دولار خلال الفترة نفسها، ما يعكس تسارع الاعتماد على التكنولوجيا والابتكار كركائز أساسية في صناعة المحتوى.
وأضاف: «تستثمر دولة الإمارات بثقة في الإنسان والمعرفة، حيث من المتوقع أن يرتفع حجم سوق النشر المحلية من 260 مليون دولار إلى 650 مليون دولار بحلول 2030، في مؤشر واضح على التزام الدولة ببناء اقتصاد معرفي قائم على الإبداع والابتكار». وأشار إلى أن مكتبة محمد بن راشد تُجسّد هذا التوجّه من خلال كونها منصة فكرية عالمية تجمع صنّاع المحتوى والناشرين والمبدعين، وتدعم الحوار الحضاري وتُعزّز التفاهم بين الثقافات، وتُسهم في تطوير البنية التحتية لصناعة النشر والمكتبات على المستويين الإقليمي والدولي.
ولفت المر إلى أن القمة تسلط الضوء على أبرز التحولات المؤثرة في القطاع، مثل الذكاء الاصطناعي، والتحوّل الرقمي، والنشر المستدام، ودور الترجمة كجسر للتواصل بين الشعوب، مؤكداً أن مستقبل النشر لن يُبنى بمعزل عن التعاون، بل عبر تكامل الجهود بين المؤسسات الثقافية والتعليمية والإبداعية، معتبراً أن هذه القمة تمثّل خطوة نوعية نحو صياغة رؤية مشتركة لصناعة نشر أكثر حيوية، قادرة على مواجهة التحديات وصناعة الفرص في آنٍ واحد.
نشر وترجمة
وفي سياق متصل، وبخطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز المحتوى العربي وتوسيع آفاق المعرفة، أعلنت مكتبة محمد بن راشد، إطلاق ذراعها المؤسسية للنشر والترجمة من مختلف اللغات العالمية إلى اللغة العربية. وتحدث عضو مجلس إدارة مؤسسة مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم، الدكتور محمد سالم المزروعي، عن هذا المشروع قائلاً: «يمثل هذا المشروع رؤية مكتبية وثقافية شاملة، تهدف إلى بناء جسر معرفي بين الثقافة العالمية واللغة العربية، مع التركيز على الجودة والاختيار المعرفي الدقيق». وأضاف: «إننا لا نترجم الكتب فحسب، بل نهدف إلى إثراء الحوار العربي، ودعم البحث، وتمكين القارئ من الوصول إلى الأفضل في شتى الحقول».
وأشار المزروعي إلى أن المشروع يستند في رؤيته ومعاييره إلى الأدلة المعتمدة التي تشكل الأساس المهني والعلمي لصناعة النشر والترجمة، بما يضمن جودة المحتوى ودقته واتساقه مع أفضل الممارسات العالمية، وبما يدعم اهتمامات الدولة وإمارة دبي وتوجهاتهما الرامية إلى ترسيخ مكانتهما كمركز رائد للمعرفة والإبداع، وداعم رئيس للقضايا الثقافية والفكرية التي تتبناها المؤسسات الوطنية».
ولفت إلى أن هذا التوجه يأتي استكمالاً للجهود المتواصلة على المستويين الاتحادي والمحلي في تطوير منظومة النشر ودعم المواهب الفكرية والإبداعية، وتأكيداً لدور مكتبة محمد بن راشد التي لم تعد فضاء للقراءة والاطلاع فحسب، بل باتت مؤسسة فاعلة في عملية إنتاج المعرفة ونشرها على أوسع نطاق».
معايير صارمة
وأشار عضو مجلس إدارة مؤسسة مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم، جمال الشحي، إلى أن الفريق المختص اعتمد معايير صارمة في اختيار الإصدارات الأولى، مراعياً صلتها بالقضايا المحلية والعالمية، وسعياً لدمج المعرفة العالمية في السياق العربي. وأكد أن المشروع واجه تحديات عدة في الترجمة والتصميم وضمان جودتها، لكنه اقتحمها بعزيمة، معتمداً على فريق من المختصين والمراجعين الأكفاء. ويمثل هذا المشروع نقطة انطلاق نحو آفاق أوسع، حيث تخطط مكتبة محمد بن راشد لإصدارات مستقبلية، وتوسيع شراكاتها مع مؤسسات النشر العربية والدولية، إضافة إلى إشراك جيل الشباب في الترجمة والتحرير، مع تعزيز استخدام المنصات الرقمية والكتب الصوتية.
9 إصدارات جديدة
تطلق مكتبة محمد بن راشد من خلال ذراعها المؤسسية للنشر والترجمة، مجموعة أولى من تسعة إصدارات مترجمة إلى اللغة العربية، تتناول موضوعات معاصرة في مجالات البيئة، والفضاء، والصحة، والعلوم الإنسانية، وتغير المناخ. وتشمل الإصدارات التسعة: «سرديات الذكاء الاصطناعي: تاريخ التفكير التخيّلي للآلات الذكية» ترجمة بندر الحربي، و«صحة الأطفال ومأزق تغيّر المناخ» ترجمة رشا صلاح الدخاخني، و«انعكاسات: كيف نحسن ونسيء استخدامنا للمياه». ومن بين الإصدارات أيضاً، «خفوت ضوء النجوم: فلسفة استكشاف الفضاء» ترجمة محمد فتحي خضر، و«لماذا يضر المواطن العادي البيئة؟» ترجمة عاطف عثمان، وكذلك «الغيوم: كيف نتعرف على الأشكال الطبيعية الأكثر عرضة للزوال» ترجمة أ. د. عبدالله العمري، و«في دائرة الأشجار العتيقة: أشجارنا العتيقة والقصص التي ترويها» ترجمة باسمة المصباحي، إلى جانب الكتاب المصور للشباب «Global» الذي يضم قصتين متوازيتين تفتحان الحوار مع اليافعين حول المناخ والعدالة البيئية.
• مكتبة محمد بن راشد تطلق ذراعها المؤسسية للنشر والترجمة من مختلف اللغات العالمية إلى اللغة العربية.
• تخطط مكتبة محمد بن راشد لإصدارات مستقبلية وإشراك جيل الشباب في الترجمة.
• 80 متحدثاً من 20 دولة.
• 48 جلسة نقاشية وحوارية.
• 20 ورشة عمل متخصصة.
محمد سالم المزروعي:
إننا لا نترجم الكتب فحسب، بل نهدف إلى إثراء الحوار العربي، ودعم البحث، وتمكين القارئ من الوصول إلى الأفضل في شتى الحقول.
جمال الشحي:
المشروع نقطة انطلاق نحو آفاق أوسع، حيث تخطط مكتبة محمد بن راشد لإصدارات مستقبلية، وتوسيع شراكاتها مع مؤسسات النشر العربية والدولية.
