في كل مرة يذكر فيها اسم دبي، يقفز إلى الذهن فوراً بريق ناطحات السحاب، ألق الحياة المترفة، والسيارات الفارهة، ومراكز التسوق العملاقة والضخمة التي تحاكي الخيال في تفاصيلها، لكن خلف هذه الصورة الجميلة أيضاً، ثمة تجارب فريدة وتفاصيل إنسانية لافتة، لا يمكن أن تعيشها إلا في قلب مدينة جعلت من الدهشة جزءاً من يومياتها.

هنا وبين جنبات دبي، لا تنفصل نهضة العمران عن حكايات سكانها، ولا حس الواجب عن كرم الضيافة، ولا حتى الاختلافات عن التناغم والانسجام، فكل شيء في هذه المدينة الفريدة يتجاوز المتوقع، ويخالف المألوف، ليصنع لوحة لا تتكرر ولا تجتمع مفرداتها في أي مكان آخر، ومسرحاً يومياً للمفاجآت والقصص التي تتلون فصولها مع كل إشراقة شمس جديدة.

أبراج لم تكن بالأمس هنا

فقط في دبي، يمكنك أن تنام على مشهد أفق مفتوح من نافذتك، وتستيقظ صباح اليوم التالي على برج سكني شاهق، قد ارتفع فجأة وفي ليلة واحدة، أمامك. أو تصحو على جسر مُعلق قد امتد ليعانق السماء في غفلة من الزمن مقابل شرفة بيتك، فصار دون أن تنتبه جزءاً من المشهد.

هذا الإيقاع الصاعق للبناء والتشييد الذي بات «يسابق الخيال» في دبي، بات جزءاً لا يتجزأ من يوميات أهلها وسكانها، حتى إن الروائي السعودي الراحل هاني نقشبندي ذكر ذلك في أحد مقاطع روايته «ليلة واحدة في دبي»، قائلاً «منذ البارحة فقط، نبتت عمارة بجوار نافذتها ترتفع إلى السماء، في ليلة واحدة أصبحت 100 طابق، ومازالت تشق طريقها للأعلى». فيما يمازح البعض في هذا الصدد مؤكدين أنه لا داعي لتغيير ديكورات المنزل، فدبي تغير لك المشهد من تلقاء نفسها كل صباح.

قطط مدللة

في دبي كذلك، نادراً ما تقع العين على قطة هزيلة مرتجفة، تخشى المجهول أو تكابد في أزقة وشوارع المدينة عناء البحث عن لقمة تسد جوعها. فهنا، حتى القطط التي لا سقف لها ولا جدران تحميها، وجدت نصيبها من الرعاية والطمأنينة والطعام الوافر، حتى باتت كائنات مدللة، يهيأ لها الغذاء والماء والمأوى، وكأن المدينة التي لا تتخلى عن أهلها، تبسط حنانها وكرمها على جميع من على أرضها.

في هذه الرقعة الجغرافية العامرة بالرحمة، تمشي قطط دبي المدللة في شوارعها بخطوات واثقة، متبخترة كأنها تعرف قدرها، أو مستلقية في مكان ما لأخذ قسط من الراحة والاسترخاء تحت دفء شمس ربيعية هادئة، رافعة عينيها إلى المارة باطمئنان، حتى لو دنا بعضهم منها فهنا الثقة ليست امتياز البشر وحدهم، بل هبة تمتد إلى المخلوقات الصغيرة أيضاً.

فنجان كرك

وفي المدينة التي لا تعرف المستحيل، يمكنك الاستمتاع ببساطة الحياة اليومية، والجلوس على رصيف شارع مزدحم لارتشاف كوب شاي كرك تقليدي بدرهم أو درهمين مع الأصدقاء، وفي اللحظة نفسها، البحث عن تجربة أرقى، واحتساء شاي كرك مزين بالذهب يقدم في مقاهٍ فاخرة بـ 5000 درهم.

لاشك هنا أن المشروب يتشابه، لكن المدينة تطرح أمامك خيارات واسعة، فمن مقاعد متواضعة تليق بذوي الميزانيات المحدودة، إلى طاولات مترفة صممت للباحثين عن أقصى درجات الفخامة، يكمن الفرق، وتبقى الخيارات متاحة للجميع في دبي التي تحتضن البساطة والرفاهية في مشهد واحد، لتترك لكل فرد حرية اختيار تجربته.

حمامٌ وغربان على طاولة واحدة

شيء غريب آخر في دبي، لا تراه في أي مدينة عربية، بل وقد يبدو في الطبيعة غير وارد، إذ إن اجتماع الحمام والغربان في فضاء واحد قد ينذر بالخطر والافتراس والهلاك، لكن في دبي المشهد مختلف، لأن هذه الطيور المتباينة الطبع والملامح قررت الجلوس على طاولة طعام واحدة، وتقاسم اللقمة بطمأنينة، وبناء ثقة نادرة، في صورة فريدة لا تشبه سوى هذه المدينة، وصورة صغيرة لكنها ناطقة بمعنى أكبر، وهو أن التعايش المشترك والتسامح والاحترام ليست شعارات، بل ممارسة يومية تتخطى البشر، لتشمل حتى الطيور.

النظافة «هندسة»

في دبي فقط، لا يُنظر إلى عامل النظافة إلا بكل تقدير واحترام، إذ يُطلق عليه هنا لقب «مهندس نظافة»، ويعد هذا اللقب انعكاساً صريحاً لعقلية المدينة التي جعلت هذه الفئة العاملة شريكاً حقيقياً في الحفاظ على وجه المدينة، وقيمة مضافة في منظومة متكاملة عنوانها صناعة الجمال وصون بريق المدينة على الدوام. هذا اللقب الذي شاع استخدامه في بلدية دبي، وفي بعض المؤسسات الخدمية، لم يأت من فراغ، بل عكس رؤية ثاقبة، مهما بدت بسيطة، تحمل قيمة كبرى في دورة الحياة الحضرية في المدينة التي تبني صورتها يومياً على النظافة والتنظيم.

صداقات «بألوان العالم»

مرة أخرى في مدينة الدهشة دبي، تتلاشى المسافات، وتلتقي طرق العالم على قلب واحد. هنا فقط، لم تعد الجغرافيا حاجزاً حضارياً، ولا اللغة تحدياً إنسانياً، فأبناء القارات الخمس يجلسون اليوم في دبي جنباً إلى جنب، في بيئات عمل واحدة، يتشاركون فيها التحديات والمنافسات بروح مهنية محفزة وطموحات تسابق السحاب، ثم يغادرون إلى صداقات تنسجها الثقة والمودة خارج جدران العمل.

هنا في دبي، يتخلى «أبناء العالم» عن اختلافاتهم ليرسموا أفقاً إنسانياً مشتركاً، يتبادلون فيه الضحكات والذكريات وتفاصيل الحياة على مائدة واحدة دون سؤال.

على هذا النحو اختارت دبي أن تحيك بخيوطها الخفية لوحة فريدة من التنوع الإنساني الذي تحولت فيه التعددية قاعدة والاختلاف ثراء.

طوابير الانتظار

في دبي فقط، يصبح الانتظار تجربة تستحق أن تروى. ففي هذه المدينة المدهشة، لا تبدأ المعاملات الرسمية صباح كل يوم بتنظيم الطوابير وصراخ المراجعين، بل بالاحتفاء والترحاب، إذ في الدوائر الحكومية، كما في البيوت، تبدو المودة سابقة للمعاملة، والابتسامة أعمق أثراً من أي ختم رسمي.

هنا فقط، يدخل المتعامل لاستكمال بعض الإجراءات، فيجد نفسه ضيفاً لا مراجعاً، تُقدم له القهوة العربية والشاي والتمر، وكأنه على موعد مع كرم ضيافة عربية أصيلة غامرة بالتفاصيل الصغيرة التي تهمس له في صمت «متعاملنا العزيز… راحتك أولويتنا. أما مزاجك اليوم، فلا يقل أهمية عن إنجازك ونحن نتعهد بإسعادك».

. دبي اختارت أن تحيك بخيوطها الخفية لوحة فريدة من التنوع الإنساني الذي تحولت فيه التعددية قاعدة والاختلاف ثراء.

. يمكنك الاستمتاع بكوب شاي كرك بدرهم أو درهمين على رصيف شارع مزدحم أو احتساء شاي كرك مزين بالذهب بـ 5000 درهم.

. في هذه الرقعة الجغرافية العامرة بالرحمة تمشي قطط دبي المدللة في شوارعها متبخترة بخطوات واثقة.

. اجتماع الحمام والغربان على طاولة واحدة، يعني أن التعايش والتسامح والاحترام ليست شعارات بل تتخطى البشر إلى الطيور.

شاركها.
Exit mobile version