في حضرة التراث، حيث تعانق الأصوات عَبَق الماضي، وتتمايل الخطى على إيقاع المجد، ينبثقُ الحديثُ كأنّه نشيدٌ من قلب الصحراء، ويحمل في طياته حكاية وطنٍ لا يشيخ، وأصالة لا تنطفئ.

هناك بين دفء العيالة وصهيل الحربية، يتجلّى صوت عمر الكعبي وفرقته، كحارسٍ لذاكرةٍ جماعية، يَنسج من كلماته خيوطاً من الوفاء والعرفان، ويُشعل في الأرواح جذوة الفخر والانتماء.

وعلى وقع خطوات الأجداد، يتحدث عمر الكعبي، رئيس فرقة الواحة لفن العيالة والحربية، بصوتٍ يفيض اعتزازاً عن إرثٍ لا يُحدّ بزمان ولا يُقاس بمكان، ويقول وقد امتلأت كلماته بامتنانٍ عميق: «جزاهم الله خير، معازيبنا لا يألون جهداً في دعمنا، فهم السند والنبراس، يحثوننا على حفظ التراث، ويغمروننا بعطائهم، وهذا فضل من الله لا يُعدّ ولا يُحصى».

ويتابع الكعبي حديثه بنبرة يملؤها الفخر، متأملاً في تطور معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية، الذي بات عاماً بعد عام أكثر إشراقاً وتألقاً، قائلاً: «شاركنا في النسخة الماضية، ونواصل حضورنا هذا العام، لأننا نؤمن بأن في كل معرض ومهرجان، وكل مناسبة وطنية، فرصة لنُعرّف العالم بتراثنا، ونُظهر لهم عاداتنا وتقاليدنا التي نعتز بها».

وعن العيَّالة، ذلك الفن الذي يسبق الكلمات ويُرحّب بالضيف قبل أن يُصافحه أحد، يقول الكعبي: «العيالة، أو الرزفة كما كانت تُعرف قديماً، هي تحية الوطن للزائر، وهي الكرم حين يُترجم إلى إيقاع، وهي التراث حين يُغنّى، لا تبدأ فعالية إلا بها، فهي المقدمة والأساس، وهي نبض الأرض حين تستقبل القادم إليها».

ويغوص الكعبي في تفاصيل هذا الفن، متحدثاً عن تناغم الأصوات وتفاوت المقامات، فيقول: «خلال الأيام الماضية كانت تتناغم الفرق، وتتبدل الطبقات الصوتية حسب الشلة، فهناك من يُلقي البيت الأول، وهناك من يردده، في حوارٍ شعريٍّ موسيقيٍّ لا يخلو من الروح الجماعية».

ويستشهد الكعبي ببيتٍ من أبيات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، قائلاً:

«مرحبا يا حَيّ فضل الله/حَيّ من تزهي به اوطاني/الغِضِي لي له قَدر والله/احترام وجاهٍ وشانِ/لي ينير الحوش والفِلّه/والحشا مَنْهوب يَـ فْلانِ/لي بقلبي بانيٍ حِلّه/ما يخلفه واحدٍ ثاني». ويضيف الكعبي: «هذا البيت نضعه في صدر الاستقبال، لأنه يحمل في طياته رسالة ترحيب لا تُخطئها العين ولا القلب».

وعن نشأة الفرقة، يروي الكعبي قصة الأجيال التي تعاقبت على حمل الراية، قائلاً: «الفرقة تأسست منذ زمن، وكل جيل يسلم الأمانة لمن بعده. أما أنا، فقد توليت زمام الأمور منذ العام 2016، وشاركنا داخل الدولة وخارجها، بدعمٍ لا محدود من معازيبنا الذين آمنوا برسالتنا».

ويؤكد الكعبي أهمية تقديم التراث كما هو، دون تزييف أو تجميل، قائلاً: «حين يأتي الزوار من كل أنحاء العالم، علينا أن نُظهر لهم تراثنا الحقيقي، وأن نُريهم كيف نعيش هذا الفن، لا أن نحكي عنه فقط».

ويختم حديثه بكلماتٍ تنبض بالفخر والوفاء مضيفاً: «نعتز بتراثنا، الذي تم توثيقه في اليونسكو، والحمد لله نحن حاضرون في كل مناسبة وطنية، وكل مهرجان، ومعرض، وسنظل نحمل هذه الرسالة، ونورثها لمن يأتي بعدنا».

عمر الكعبي:

. العيالة تراث حي نفتخر به ونحرص على نقله للأجيال.

شاركها.
Exit mobile version