بين النكهات المحلية والعالمية، وجدت الشيف الإماراتية، حصة الجسمي، شغفها في عالم الطهي، وراحت تحول المكونات إلى قصص إبداعية تُروى في أطباق ووصفات تصنعها بكل شغف، اختارت الجسمي دراسة إعداد الحلويات والمخبوزات، وهي تدرس المطبخ الفرنسي حالياً، الذي تعتبره من المطابخ التي تمنح الشيف الأسس المتينة لبناء مسيرة مميزة في عالم الطهي، وقد آمنت بموهبتها وخاضت مجالاً يحمل الكثير من التحديات، لترسم من خلاله طريقاً ملهماً لكل إماراتية تؤمن بأن الشغف يمكن أن يصبح رسالة، فيما طموحها أن تخوض غمار تعليم الطهي.
شغف الطفولة
وعن الأطباق الأولى التي كانت تعدها في البيت، استهلت حصة الجسمي حديثها مع «الإمارات اليوم»، قائلة: «دخلت عالم الطهي بسبب شغف رافقني منذ الطفولة، ثم تحول إلى هواية، وبعدها قمت بتنمية هذه الموهبة، وأخذت الموضوع على محمل الجد، وتخصصت في إعداد الحلويات والمخبوزات، وأدرس حالياً المطبخ الفرنسي، لأنه من أعرق المطابخ، كما أن المدارس الفرنسية تمنح الطهاة الأسس المتينة لبناء مسيرة مميزة في عالم الطهي»، وأضافت: «يحمل عالم الطهي الكثير من التحديات، لعل أبرزها مواكبة الطهاة للابتكارات المستمرة، فضلاً عن الحفاظ على الطابع المحلي، وكوني ابنة الإمارات، أسعى باستمرار إلى المحافظة على الطابع المحلي واستخدام النكهات الإماراتية في الأطباق»، ورأت الجسمي أن كل شيف يمتلك شغفاً في خط معين، وقد يتبدل المسار ويتغير من أجل التعرف على تقنيات ونكهات جديدة، ولكن هذا التغيير يتطلب الكثير من الوقت والخبرة من أجل الإتقان.
مزج النكهات
تعد الجسمي الأكلات الإماراتية في المنزل، ولفتت إلى أنها تدرس المطبخ الفرنسي الذي يتسم بالنكهات البسيطة والخفيفة، بخلاف النكهات الإماراتية القوية، وهذا ما يجعل الابتكار ومزج النكهات متطلباً للكثير من الخبرة والتجارب من أجل الحصول على طعم متوازن، موضحة أنها تعمل حالياً على اختبار النكهات الإماراتية مع الفرنسية، وأشارت الجسمي إلى أنه قبل 10 سنوات، كان من النادر مصادفة شيف إماراتية أنثى، ولكن دخلت الإناث مجال الطهي وبرزن فيه، مشيرة إلى أنه منذ دخولها هذا العالم حصلت على دعم كبير من قبل طهاة إناث، سواء من الإمارات أو خارجها، ولفتت إلى أن استحواذ الرجال على المجال يعود إلى تطلبه للقوة البدنية، فالطهاة يقفون في المطابخ ولاسيما التجارية منها، لساعات طويلة، ما يتطلب القوة الجسدية والانضباط العالي، موضحة أنها تعمل على بناء قوة جسدية في النادي الرياضي من أجل تحمل يوميات العمل في المطبخ.
حلويات ومخبوزات
درست الجسمي الحلويات والمخبوزات إلى جانب دراستها المطبخ الفرنسي، وأكدت أن الحلويات والمخبوزات تعد الأكثر صعوبة في عالم الطهي، لأن مكوناتها دقيقة جداً، ولا يمكن التلاعب بالوزن فيها، كما أنها تتطلب دراسة لبيئة المطبخ والرطوبة والحرارة، حيث إن جميعها تؤثر في النتيجة، وشددت على أنها تسعى إلى إتقان أساسيات الطبخ في مختلف المجالات، موضحة أنها قدمت بالتعاون مع «إي نورمال داي» قائمة طعام تقدم لأسبوع فقط بمناسبة يوم المرأة الإماراتية، وتجمع بين شغفها وبين أسلوب المطعم، ونوهت بأنها وضعت نكهات إماراتية بشكل بسيط، واستخدمت اللومي اليابس والتمر في الصلصة، وزهر الليمون مع الزعفران في الحلويات، إلى جانب إعدادها مشروباً من التمر والفستق.
كسر القوالب
رأت الجسمي أن منصات التواصل الاجتماعي والتي يقدم فيها محتوى الطبخ بكثرة، قد ثقفت الناس حول الأطباق العالمية، وبات لديهم حب التجربة، ما انعكس على عمل الطهاة، فباتوا أكثر قدرة على كسر القوالب النمطية المعتادة في قوائم الطعام، ونوهت بأن تعليم الطبخ عبر مختلف الوسائل مهم جداً من أجل نشر المعرفة، وشددت على أن هذه المنصات رفعت مستوى الوعي عند الجمهور حول مكونات الأطباق، وبات الطهاة يشعرون بمسؤولية أن تكون الأطباق معدة من مكونات طازجة، وقليلة المواد الحافظة والمحسنات، كما رأت أن الاستدامة باتت جزءاً من عالم الطهي في الإمارات، ولاسيما بعد عام الاستدامة، مؤكدة أن عدد المناحل والمزارع ارتفع، وانخفض الهدر في المطبخ وبات الجميع أكثر حرصاً على تقليل الفضلات وإعادة تدويرها في أطباق متعددة.
ذكاء اصطناعي
وعن الذكاء الاصطناعي الذي دخل مختلف المجالات وعالم الطهي، أشارت الجسمي إلى أنه يمكن أن يساعد الشيف في التنظيم وترتيب مقر العمل، مؤكدة أن الطبخ تجربة حسية ويصعب على الذكاء الاصطناعي تقديمها، لاسيما أن الإنسان يطبخ من الذاكرة والتجارب التي عاشها، وهذا يختلف كثيراً عن الابتكار من خلال جمع البيانات، مشددة على أن الشيف الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي بشكل ذكي سيتفوق في عمله.
وتطمح الجسمي إلى أن تخوض غمار التعليم في مجال الطهي لتترك بصمة خاصة تلهم الناس من أجل دخول هذا المجال، كي يؤسسوا أنفسهم دون خوف من التجربة. وأشادت بدعم القيادة الرشيدة في الإمارات للنساء وذلك في شتى المجالات، ما جعلها تتمتع بالثقة، موجهة رسالة إلى كل شابة إماراتية ترغب في دخول المجال بأن تحصل على الأسس الأكاديمية التي تتيح الفرصة للإبداع في بناء المسيرة المهنية.
عودة إلى الأكل التراثي
علقت الشيف حصة الجسمي على عودة الناس، على نحو كبير، إلى الأكلات الشعبية والتراثية، موضحة أن هناك تعطشاً لتجارب حسية وعاطفية، وهذا ما دفع العديد من الناس، على اختلاف جنسياتهم، إلى العودة إلى الأكلات القديمة وكل ما يحمل روح الأصالة، خصوصاً في ظل نمط الحياة السريعة التي نعيشها، والتي تفرض خوض تجارب سريعة في شتى المجالات، وأشادت بتجارب الطبخ التي تقدم في المنازل من قبل الطهاة، والتي تقوم على جلوس الناس مع بعضهم بعضاً على الطاولات وتناول الوجبات المحملة بالذكريات.