من عالم الألوان الزيتية والخيوط وعدسات التصوير، نسج أربعة فنانين إماراتيين أعمالهم في معرض «مداد»، الذي انطلق أخيراً في دبي، إذ تتنوع الأعمال في الوسائط والتوجهات، حيث إنها تجمع بين العمل الحرفي اليدوي كالتطريز والنسيج، وبين الفن المعاصر في الرسم والتصوير، وتعكس الأعمال ارتباط الفنانين العميق بالإرث الإماراتي، إذ تحتفي بالتراث المحلي، وتستحضر عناصر البيئة الإماراتية، سواء الطبيعية أو الثقافية، في طرح بصري معاصر يعزز الهوية ويجسد روح الانتماء.
ومن الطبيعة، استوحى الفنان، فارس الحمادي، أعماله التي تنبض بالتراث المحلي، إذ يقدم في المعرض، الذي يستضيفه فندق «مي باي ميليا دبي»، لوحات تنتمي للبيئة، وعن أعماله، قال الحمادي لـ«الإمارات اليوم»: «شاركت بثلاثة أعمال تنتمي للفن الواقعي، إذ قدمت لوحات عن الحيوانات التي تعد نادرة وتحظى بالاهتمام الكبير، ومنها سلحفاة باتت شبه منقرضة، والظبي الذي يعد رمزاً في إمارة أبوظبي، وقد استخدم كشعار في الكثير من المجالات، فيما اللوحة الثالثة حملت الصقر، وهو كذلك من الرموز المرتبطة بتراث الإمارات».
وأضاف: «تعمدت تسليط الضوء على التراث المحلي وبيئتنا، لأنني أسعى إلى تحويله إلى رسالة فنية، ومنح ملامحه أشكالاً جمالية عميقة، لاسيما أن الفنان ابن بيئته، ولابد له من إبراز ما يحمله من ثقافة».
وأوضح الحمادي أنه يتعمد الرسم بالألوان الزيتية، لأنها تعد الأساس في تاريخ الفنون، والرسم بها يصبح ممتعاً أكثر كلما أتقنه المبدع، كما يمكّنه من تقديم المشاهد الواقعية على نحو أفضل، لافتاً إلى أن الفن يتوجه في الوقت الراهن إلى التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، والتقنيات التي تعد مهمة لتطوير الأفكار ليس أكثر، إذ يجب عدم الاعتماد عليها بشكل كبير، لأن قيمة العمل الفني تكمن في الحرفة والعمل اليدوي الذي تنطوي عليه.
ثلوج في دبي
من جهتها، شاركت الفنانة، ميثاء الرميثي، من خلال ست صور التقطتها لأماكن متعددة في الإمارات، وقالت: «تضمنت مشاركتي في المعرض فكرتين أساسيتين، الأولى تمثل عنوان المعرض، ولهذا عبّرت الصور عن الامتداد في المكان، بدءاً من الصحراء إلى الطريق وصولاً إلى التطور والبنيان والانتهاء بالصحراء أيضاً، مع التشديد على أن التطور لم يؤدِ إلى الاستغناء عن العادات والتقاليد».
وأضافت: «استخدمت الذكاء الاصطناعي في الفكرة الثانية، إذ تخيلت الثلوج تغطي معالم من دبي، وأردت أن أقدم مشاهد تنعش الزوار في ظل الأجواء الحارة، واستوحيت العمل من مشاهدتنا لتساقط البرد في مدينة العين خلال منخفض الهدير العام الماضي، وفكرت كيف لو حدث هذا الأمر في دبي؟».
وأشارت إلى أنها منذ المنخفض، تعمدت إنتاج هذه المشاهد لجميع معالم دبي، واللوحات الثلاث هي جزء من سلسلة صور لمعالم المدينة، لافتة إلى أن الذكاء الاصطناعي في بعض الأحيان يمنح الأعمال جمالية جديدة وأبعاداً كثيرة في الأفكار.
وكشفت عن أنها تفضّل تصوير دبي في أوقات الغروب، فهي تحب إبراز التداخلات في ألوان الغروب على نحو خاص، كونها تحمل أبعاداً متباينة، معتبرة أن التحدي الأبرز في تصوير معالم دبي يكمن في اختيار الزوايا الجديدة، بسبب وجود الكثير من المصورين في الإمارة، وبالتالي لابد من البحث عن التفرد.
الإبرة.. فرشاة
أما دانة الجنيبي فعملت على تقديم لوحات مطرزة بالخيوط، إذ تطرز المشاهد الطبيعية بالخيوط، مؤكدة أن الخيط يتحول إلى لون، والإبرة إلى فرشاة، إذ تنسج من خلالهما المشاهد التي يستغرق بعضها شهوراً، وبعضها سنوات.
وقالت إنها تنظر إلى اللوحة كما لو أنها شخصية تتحدث إليها، وتستخدم خيوط القطن أو الصوف أو الحرير بحسب طبيعة اللوحة، فضلاً عن السماكة المختلفة بحسب المشهد، موضحة أنها تعلمت هذه الحرفة من العائلة، فهي تميل كثيراً إلى الأعمال اليدوية.
وقدمت خلال المعرض لوحة استغرقت معها ما يزيد على عامين، لافتة إلى أنها أنجزتها خلال جائحة كورونا، إذ إن هذا الفن يمنحها نوعاً من التأمل والهدوء، ويسهم في تحفيف ضغوط الحياة، لاسيما أنه فن متأنٍ، يتطلب العمل وفق خطوات بسيطة.
لم تدرس دانة الجنيبي الفنون، وهذا ما دفعها إلى تطوير مهارتها عن طريق الخبرة، مضيفة أن تطريز اللوحات يشتمل على تحديات الكثيرة، أبرزها الاعتماد على التغذية البصرية، وأحياناً تكون هناك صعوبات في التكوين اللوني، واختيار الغرزة المناسبة التي تبرز المشهد في اللوحة.
حوار حي
كما شاركت في المعرض الفنانة والباحثة والمؤسِّس المشارك لمركز «سجادنا» للنسيج، إلهام خيرالله، التي ركزت في أعمالها التي عرضتها على فكرة الحفاظ على الحرف التقليدية، وإعادة تصورها من خلال حياكة السجاد.
وتعمل إلهام من خلال پالحرفة على استكشاف موضوعات النساء والبيئة والإرث عبر الأجيال من خلال أشكال ملموسة، إذ تحول النسيج إلى حوار حي بين الماضي والحاضر.
خيوط أساسية
قالت الفنانة الإماراتية، دانة الجنيبي، إن الخيوط الأساسية التي تستعين بها في أعمالها هي القطن والصوف والحرير، لكن التباين في سماكة الخيط، وتناسبه مع القماش، واختيار التركيبة الصحيحة، هي ما تكوّن جمالية العمل، مشيرة إلى أن التفاصيل تظهر من تباين الألوان، ووفق خطوط ومربعات صغيرة.
فارس الحمادي:
. الفنان ابن بيئته، ولابد له من إبراز ما يحمله من ثقافة وتراث بشكل جمالي.