باريس، بيروت- بعد اعتقال دام أكثر من 40 عاما، أمر القضاء الفرنسي، اليوم الخميس، بالإفراج عن المناضل اليساري اللبناني  (74 عاما)، المعتقل في  على خلفية اتهامه في قضية اغتيال دبلوماسي إسرائيلي وآخر أميركي عام 1982.

وبناء على القرار، سيفرج عن عبد الله، الذي اعتقل عام 1984 ويعتبر من أقدم السجناء في فرنسا والعالم، في 25 يوليو/تموز الحالي، حيث أصدرت محكمة الاستئناف قرارها -بعد تأجيله مرتين- في جلسة غير علنية في قصر العدل في ، وسط غياب المعتقل.

وفي تصريح للجزيرة نت، قال جان لوي شالانسيه، محامي المعتقل جورج عبد الله، إن “المحكمة أيدت الحكم الصادر بالإفراج المشروط، أي أن على الناشط عبد الله، مغادرة فرنسا في 25 يوليو/تموز الجاري، وهو يوم إطلاق سراحه، إلى “.

مظاهرة أمس في ساحة شاتليه وسط العاصمة الفرنسية تحت شعار “حرروا جورج الآن” (الجزيرة)

الإبعاد مباشرة

وأضاف المحامي شالانسيه “اليوم، لا يزال عبد الله في السجن، لأنهم لا يريدونه أن يتحدث أو يخطب أو أن يكون حرا لدقيقتين على الأراضي الفرنسية”، وعليه فإن الشرطة ستأخذه مباشرة من السجن باتجاه مطار باريس رواسي، وتضعه على متن طائرة متجهة إلى لبنان.

وذكر أن للمدعي العام 10 أيام لاستئناف قرار الإفراج، لكنه لن يتمكن من تحقيق ذلك ولن يتمكن أيضا من منع إطلاق سراح موكله عبد الله.

ولفت المحامي الفرنسي إلى أن جورج عبد الله سعيد بقرار المحكمة، لكنه قلق بشأن عودته إلى لبنان، خاصة سلامته وعائلته في ظل التهديدات الإسرائيلية المحتملة.

واعتبر أن قرار المحكمة انتصار قانوني، لكنه “مرير”، حسب وصفه، إذ كان يجب أن يتحقق قبل 15 عاما، لكن  لطالما عارضته، واتفق معها المدعي العام على ضرورة إبقائه في السجن، حسب المحامي.

متظاهرون في باريس ينددون بالمماطلة القضائية بحق المعتقل السياسي جورج عبد الله قبل قرار الإفراج عنه (الجزيرة)

 

نشاط حقوقي

وكانت جمعيات ومنظمات حقوقية قد نظمت، مساء أمس الأربعاء، مظاهرة في ساحة شاتليه وسط العاصمة الفرنسية، تحت شعار “حرروا جورج الآن”، قبل يوم واحد من صدور قرار الإفراج.

ورفع النشطاء الأعلام اللبنانية والفلسطينية، مطالبين بإنهاء الاحتجاز، معتبرين أن عبد الله “سجين سياسي انتهت مدة محكوميته القانونية منذ 1999″، مؤكدين ضرورة رفع الأصوات الداعمة قبل قرار المحكمة، لتكثيف الضغط على السلطات الفرنسية التي اتهموها بالمماطلة والتأجيل بهدف إبقائه خلف القضبان.

وأكدت المتحدثة باسم الحملة الوطنية لتحرير الأسير جورج عبد الله، المحامية فداء عبد الفتاح، أنّ الحملة كانت على دراية مسبقة بانعقاد الجلسة، وعلى تواصل دائم مع أصدقاء في فرنسا يتابعون الملف من داخل المحكمة، وعلى اتصال مباشر بمحاميه، حيث كان متوقعًا صدور القرار صباح اليوم.

وأوضحت للجزيرة نت، أن “القلق كان حاضرًا -ككل مرة- خشية افتعال عراقيل جديدة تؤخر الإفراج، خاصة في ظل تجربة عام 2013″، وأضافت أن “الفريق القانوني والداعم للأسير لم يكن يعلم بمضمون القرار، فتم الاستعداد لكافة الاحتمالات، بما في ذلك الأسوأ”.

وبحسب عبد الفتاح، فقد وصلهم الخبر متأخرا، ما أثار حالة من الذهول في البداية، قبل استيعاب حجم التطور، واعتبرت أن القضاء الفرنسي اقتنع أخيرًا بعدم مشروعية استمرار احتجاز عبد الله بلا أي مبرر قانوني أو إنساني.

وعن قرار ترحيله إلى لبنان مباشرة، أكدت المحامية ضرورة استكمال بعض الإجراءات اللوجيستية، وفي مقدّمتها إصدار جواز سفر لبناني، “وهو ما يفترض بالدولة اللبنانية تأمينه لضمان عودته وتنظيم دخوله”، حسب قولها.

كما لفتت عبد الفتاح إلى أن “الفارق الجوهري بين قرار اليوم وما صدر عام 2013، يكمن في أن الإفراج حينذاك كان مشروطًا بتوقيع وزير الداخلية الفرنسي على قرار الترحيل، وهو ما لم يحصل، في حين تضمّن القرار الصادر بتاريخ 24 سبتمبر/أيلول الماضي عن محكمة الاستئناف أمرا قضائيا واضحا بالترحيل الفوري دون الحاجة إلى توقيع الوزير”.

واعتبرت أن هذا التطور يُسقط العائق السياسي الذي ظل سنوات أداة رئيسية للعرقلة، بفعل الضغوط الأميركية والإسرائيلية، مشددة على أن القرار هذه المرة قضائي بحت، وأن القضاة قرروا ترحيل جورج عبد الله إلى بلده في الموعد المحدد.

جورج عبد الله ينتمي إلى الحزب الشيوعي اللبناني والتحق بالمقاومة الفلسطينية في أواخر السبعينيات (الصحافة الأجنبية)

“قرار صادم”

تابعت عائلة جورج عبد الله مجريات القضية من كثب عبر وسائل الإعلام، وخاصة من المقابلات التي أجريت مع المحامي، وفق ما أكد شقيقه روبير عبد الله، وقال “كنا نترقب صدور القرار سلبا أو إيجابا اليوم”.

وأضاف روبير للجزيرة نت، “عُقدت جلسة محكمة الاستئناف في 19 من الشهر الماضي، وأعلن حينها أن القرار سيصدر في 17 يوليو/تموز الحالي، فبقينا ننتظر، وها هو قد صدر”.

وتابع إن “القرار كان صادمًا إلى حد كبير، خاصة بعد 41 سنة من القرار القاسي، حيث كان متوقعا إطلاق سراحه وعودته إلى أحضان عائلته، لكن وقع الصدمة كان كبيرًا بسبب الطريقة التي جاء بها القرار، لا سيما في ظل العراقيل التي واجهت قضيته طوال هذه السنوات”.

وعن التحضيرات لاستقبال شقيقه، قال روبير إنهم لا يزالون في مرحلة تبادل الآراء بين أفراد العائلة والأصدقاء، ولم يبدؤوا بعدُ الاستعدادات الفعلية، مضيفا “ندرك تمامًا أن هذه اللحظة مفصلية، وتحمل في طياتها مشاعر متضاربة بين الفرح والذهول، ونحتاج وقتا لنرتب أفكارنا ونقرر كيف سنتعامل مع هذا الحدث الكبير”.

ورغم أن القضاء الفرنسي وافق عام 2013 على إطلاق سراحه بشرط ترحيله، لكن القرار لم يُنفذ حينها، إلا أن بارقة أمل جديدة لاحت في 15 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حين أصدرت محكمة مكافحة الإرهاب قرارا بالإفراج عنه وترحيله فورًا إلى لبنان، وهو ما كان يطالب به عبد الله منذ سنوات، لكن النيابة العامة المتخصصة بقضايا الإرهاب سارعت إلى استئناف القرار، مما أوقف تنفيذه.

عبد الله كان مؤهلا قانونيا للإفراج المشروط منذ عام 1999 (الصحافة الأجنبية)

غياب الأدلة

كان عبد الله قد اتهم بالتواطؤ لاغتيال الدبلوماسيين؛ الإسرائيلي ياكوف برسيمانتوف والأميركي تشارلز روبرت داي في باريس مطلع الثمانينات، إضافة إلى محاولة اغتيال القنصل العام الأميركي روبرت أوم في ستراسبورغ.

وفي عام 1987، قضت محكمة جنايات فرنسية بالسجن المؤبد عليه رغم غياب أدلة مؤكدة تثبت تورطه المباشر في الاغتيالات، الأمر الذي أثار جدلا واسعا في الأوساط الحقوقية حتى يومنا هذا.

لكن قضية الناشط اللبناني لم تنته بالحكم، فمنذ عام 1999، بات جورج عبد الله مؤهلا قانونيا للإفراج المشروط، إلا أن جميع طلبات محاميه قوبلت بالرفض بذريعة تهديد النظام العام والعلاقات الدبلوماسية.

ويقبع الناشط عبد الله، الذي يعرف بتأييده للفلسطينيين، في سجن لانميزان بمقاطعة أوت-بيرينه جنوب  منذ أكثر من 4 عقود، في واحدة من أطول فترات الاحتجاز السياسي في أوروبا المعاصرة.

وينتمي عبد الله إلى الحزب الشيوعي اللبناني، وهو مناضل يساري التحق بصفوف المقاومة الفلسطينية خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان في أواخر السبعينيات، قبل أن يتزعم مجموعة صغيرة تُعرف بـ”الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية”، تضم لبنانيين وناشطين متضامنين مع القضية الفلسطينية، وقد وُصِف يوم إدانته بأنه “رمز من رموز النضال الفلسطيني” في أوروبا.

يعتبر جورج نفسه مناضلا ضد ما يصفه بـ”الهيمنة الأميركية والإسرائيلية”، ولم يُقرّ يومًا بمسؤوليته المباشرة عن العمليات التي أُدين بها، معتبرًا إياها جزءًا من مقاومة مشروعة في سياق الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1978 والحرب الأهلية التي عصفت بالبلاد بين عامي 1975 و1990.

شاركها.
Exit mobile version