أجمع باحثون وخبراء في الشأن السوري على أن خيارات الحكومة السورية -في مواجهة التصعيد الإسرائيلي الأخير- تبقى محدودة، خاصة إذا كانت متعلقة بإمكانات الردع أو الرد العسكري، وذلك في ظل الظروف الدقيقة والمعقدة التي تتشكل فيها ملامح حكومة جديدة بعد انهيار نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.
وتنوعت الخيارات التي ذهب إليها المحللون -في تصريحاتهم للجزيرة نت- بين تعزيز التلاحم الداخلي وأهمية معالجة الشروخ المجتمعية بوصفها المدخل الأساسي لنزع فتيل التدخلات الخارجية، وتفعيل دور الدبلوماسية الخارجية ضمن سياق التحركات الإقليمية والدولية والمراهنة على دور الحلفاء في الضغط على إسرائيل، والتركيز على الجبهة الداخلية وتجنب الانزلاق إلى مواجهات مفتوحة، وبناء الدولة ومقدراتها حتى تكون في وضع يسمح لها بمواجهة تهديدات الخارج وتمزقات الداخل.
وخلال الأيام الماضية، اندلعت في محافظة السويداء (جنوبي سوريا) اشتباكات بين مسلحين من الدروز وآخرين من العشائر البدوية، وسرعان ما امتدت رقعتها وأوقعت عشرات الضحايا من القتلى والمصابين.
وإثر هذه الأحداث، أعلنت إسرائيل أنها لن تتخلى عن الأقلية الدرزية في سوريا، وشنت سلسلة غارات على مواقع في محافظتي السويداء ودرعا وفي العاصمة دمشق، حيث استهدف سلاح الجو الإسرائيلي أمس الأربعاء مبنى الأركان العامة ووزارة الدفاع ومحيط القصر الرئاسي.
ورغم هذا التصعيد الإسرائيلي، وعقب الإعلان عن التوصل لاتفاق تهدئة في السويداء، فإن الرئيس السوري أحمد الشرع قال -في كلمة فجر اليوم الخميس- إن “الكيان الإسرائيلي يسعى منذ سقوط النظام البائد لتحويل أرضنا لأرض نزاع وتفكيك شعبنا” مؤكدا أنه “لا مكان لتنفيذ أطماع الآخرين في أرضنا وسنعيد لسوريا هيبتها وعلينا تغليب المصلحة الوطنية”.
وأمام هذه التطورات، وضع محللون عددا من التصورات التي يمكن أن تمثل خيارات أمام الرئيس السوري لمواجهة هذه الاعتداءات داخليا وخارجيا، ويمكن عرضها في التصور التالي:
وتقدم تصريحات لمدير مركز إدراك للدراسات والاستشارات باسل حفار رؤية متنوعة لطبيعة الخيارات المتاحة أمام القيادة السورية في مواجهة التصعيد الإسرائيلي، مشددا على أن معالجة الانقسامات والشروخ المجتمعية الداخلية تمثل المدخل الأهم لتحصين البلاد من التدخلات الخارجية، وأن توحيد الصف الوطني وتحقيق الاستقرار هما السبيل الأكثر فعالية لمواجهة التحديات الحالية والمستقبلية.
ويمكن ذكر تفاصيل تصريحاته للجزيرة نت في النقاط التالية:
- خيارات المواجهة أمام السلطة السورية متعددة، ولا توجد اتفاقات أو محددات تلزمها بنهج واحد في الرد على التصعيد الإسرائيلي.
- من الطبيعي أن تميل السلطة إلى الخيارات الأقل كلفةً وخطورةً والتي لا تلحق ضررا بسوريا ومصالح شعبها.
- التدخل الإسرائيلي في سوريا يستند إلى وجود شروخ وخلافات مجتمعية بين مكونات الشعب السوري، وهي حالة موروثة من النظام السابق.
- استمرار هذه الشروخ يوفّر فرصة “للأعداء” للتدخل في الشأن السوري، وتعد مادة دسمة للمناوئين لسوريا.
- الحل الأمثل لمواجهة التصعيد الإسرائيلي هو معالجة الشروخ المجتمعية ونزع فتيل النزاعات، بما يؤدي إلى وحدة سوريا أرضا وشعبا وبسط سيطرة الدولة بشكل إداري وأمني وسياسي على كافة الأراضي.
- سيطرة الدولة المنشودة ليست أمنية فقط، بل تشمل الإدارة وبسط الاستقرار والرضا المجتمعي بين كل فئات الشعب.
- كلما اتجهت السلطة نحو وحدة المجتمع ومعالجة الخلافات من جذورها قلّت فرص التدخل والإساءة إلى سوريا.
- أشار الرئيس السوري في خطابه الأخير إلى أن خيار المواجهة المفتوحة مع إسرائيل كان مطروحا، لكن فُضّل التوصل لاتفاق بشأن السويداء بدلا من التصعيد العسكري الداخلي.
وتتناول تصريحات الباحث في مركز جسور للدراسات وائل علوان -للجزيرة نت- الأهمية الكبرى للاعتماد على الدبلوماسية الخارجية خيارا وأولوية أمام الحكومة السورية لمواجهة التصعيد الإسرائيلي، مشيرا إلى ضرورة تفعيل الوساطات الإقليمية والدولية وإعادة تقييم الأدوات الدبلوماسية المتاحة بدلا من الانزلاق نحو المواجهة العسكرية المباشرة، خاصة في ظل حساسية الوضع الإقليمي والدولي.
وهذا أبرز ما جاء في تصريحاته:
- لا تملك الحكومة السورية في مواجهة إسرائيل خيارات واسعة سوى الاعتماد على الدبلوماسية الخارجية الصديقة لسوريا.
- تفعيل أدوار الوساطة لدول مثل أذربيجان وتركيا والإمارات وقطر والسعودية لما لها من تأثير ووزن في المشهد الإقليمي.
- دراسة الحكومة السورية المصالح والمواقف الإقليمية والدولية بعمق وعدم استفزاز الأطراف الخارجية بهذا الظرف الحساس.
- رغم اضطرار الحكومة السورية للتدخل العسكري، فإنها لم تكن جاهزة له، والأجدى اليوم الذهاب إلى محادثات مباشرة مع إسرائيل لتجنب المزيد من التصعيد.
- رغم أهمية الدور الأميركي في أي تسوية، فإنه يجب عدم الاكتفاء به وحده، بل ضرورة إعادة تقييم الشركاء الدبلوماسيين والانفتاح على حملة دبلوماسية واسعة تبدأ من عواصم الخليج وتركيا وغيرها.
- إعادة تقييم المشهد السياسي وأدوات التأثير الممكنة لضمان الاستقرار في سوريا والحد من المخاطر الإسرائيلية.
وتسلط تصريحات الباحث في الشأن العسكري عمار فرهود -للجزيرة نت- الضوء على محدودية الخيارات المتاحة أمام الحكومة السورية في مواجهة التصعيد الإسرائيلي، مع التأكيد على أن الاصطفاف الداخلي وتماسك المجتمع يمثلان الخيار الإستراتيجي الأهم لتعزيز الجبهة الداخلية، ومواجهة محاولات الاختراق والتفتيت، وتحسين قدرة الدولة على المناورة والرد إقليميا ودوليا.
ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:
- خيارات الحكومة السورية محدودة في ظل المعطيات الحالية، ولكن من المهم التحالف مع دول الإقليم والعالم لدعم الضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها.
- العمل على حشد رأي عام شعبي يبرز مخاطر استمرار التدخل الإسرائيلي ويُظهر أثره السلبي على استقرار سوريا، وتحذير من الفوضى التي قد تستغلها جماعات متطرفة ترفض أي تسوية.
- يمكن للحكومة إعادة فتح مؤتمر الحوار الوطني وإشراك المكونات المعترضة بصيغ جديدة لاستيعابها في الإدارة، بما يسحب ذرائع التدخل من يد إسرائيل وغيرها.
- الاصطفاف الداخلي على أساس هوية الدولة لا الهويات الضيقة يمثل حائط صد إستراتيجيا أمام أي محاولات اختراق أو تفتيت داخلي.
- تمتين التلاحم الوطني يوسّع هامش التفاوض مع الإقليم والدول حول الملفات الإستراتيجية ويعزز بناء مؤسسة عسكرية تمثل كل مكونات الشعب السوري.
- التلاحم والشراكة مع جميع المكونات تحت مظلة الدولة يتيح الاستفادة من العلاقات الدولية والإقليمية المتنوعة لكل المكونات في مواجهة الاعتداءات والمناورة دبلوماسيا.
وتتناول تصريحات الخبير العسكري فايز الأسمر -للجزيرة نت- الواقع الصعب الذي تواجهه الدولة السورية في ظل محدودية الخيارات العسكرية والردعية بسبب الإنهاك الكبير في القدرات والتفوق الإسرائيلي، معتبرا أن قرار القيادة السورية عدم الانجرار إلى مواجهة مفتوحة مع إسرائيل والتركيز على إصلاح الجبهة الداخلية وبناء الدولة هو القرار الصائب في المرحلة الحالية لحماية الشعب وتجنب المزيد من الفوضى والدمار.
وأهم ما ورد في تحليله:
- خيارات الدولة السورية والرئيس الشرع محدودة جدا، خاصة في المجالين العسكري والردعي، نتيجة الإنهاك الشديد للقدرات العسكرية وتفوّق إسرائيل النوعي والكمي.
- أكثر من 85% من القدرات العسكرية الإستراتيجية الموروثة عن النظام السابق دُمرت بسبب الهجمات الإسرائيلية، مما وضع سوريا في موقف ضعف كبير أمام إسرائيل.
- أي خيار لمواجهة إسرائيل عسكريا يعد خاسرا، وسيؤدي إلى مزيد من الدمار والمعاناة للشعب السوري.
- الرئيس السوري اعتمد في تقديره للموقف على هذه المعطيات، وطرح في خطابه خيارين: إما مواجهة إسرائيل مباشرة أو التركيز على إصلاح الجبهة الداخلية وبناء الدولة.
- القيادة السورية اختارت تغليب مصلحة الشعب والاستقرار بدلا من الانجرار إلى الفوضى والدمار.
والليلة الماضية، انسحبت قوات الجيش السوري وقوى الأمن الداخلي من جميع المناطق التي دخلتها خلال الأيام الماضية في السويداء، وذلك بعد اتفاق بين الحكومة ومشايخ عقل الدروز، وفجر اليوم الخميس أعلن الرئيس السوري أنه تقرر تكليف فصائل محلية ورجال دين دروز بمسؤولية حفظ الأمن في السويداء بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار هناك.