لا تعتبر ملاحقة خطباء وأئمة المسجد الأقصى المبارك سياسة احتلالية جديدة، بل يشدد الاحتلال منذ نحو 3 عقود على كل كلمة تُلقى في خطب المسجد الأقصى، ويُستدعى الخطباء ويتم التحقيق معهم على خلفية ذلك وعلى رأسهم الشيخ عكرمة صبري.

ومؤخرا تصاعدت الهجمة ضد الخطباء، وفي مطلع الشهر الجاري اعتقل قاضي قضاة القدس الشيخ إياد العباسي، عقب إلقائه درسا تحدث فيه عن الغزيين الذين يواجهون حرب الإبادة وسياسة التجويع، وأُفرج عنه بعد ساعات.

وسبقه في الاعتقال من داخل ساحات المسجد مفتي القدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين، وذلك في نهاية شهر يوليو/تموز المنصرم، عقب تطرقه في خطبة الجمعة التي ألقاها من على منبر الأقصى للأوضاع في غزة.

وتسلم المفتي حينها قرارا بإبعاده عن المسجد الأقصى، وبعد انتهاء هذه المدة تم تمديد إبعاده عن الأقصى لمدة 6 أشهر.

وعن هذه السياسة، قال رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس وخطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري في مستهل حديثه للجزيرة نت إن التشديد على خطباء الأقصى ليس جديدا، بل هو قديم جديد، وإنه منذ ما يزيد على 30 عاما والتشديد قائما، “ولكن بعد حرب غزة أصبح التشديد أكثر شراسة وحدّة، فلا يريد الاحتلال أن نذكر كلمة غزة في الخطابة وهددوا جميع الخطباء بأن من يذكر غزة في خطبته سيعتقل ويمنع من الصلاة في الأقصى”.

صبري: إجراءات الاحتلال ضد المسجد الأقصى وخطبائه تهدف للسيطرة عليه وفرض السيادة الإسرائيلية (الجزيرة)

نتألم لكننا نصبر

وعن شعوره حيال ذلك بعدما أوشك أن يُنهي عقوبة الإبعاد عن المسجد الأقصى لعام متواصل، قال “هذا نوع من العقاب والانتقام، ولا شك أن الإنسان يتألم، لكن عليه أن يصبر ويعتبر أن ثباته في بيت المقدس هو مرابطة، وبالنسبة لي بشكل شخصي فإنني بحمد الله ألقي خطب الجمعة في مساجد أخرى وأؤدي واجبي”.

وأضاف أنه يعتبر أن أي إجراء ضد الخطباء هو تعدٍ على الأقصى كمقدس، وأن كل الإجراءات ضد الأقصى تعني أن الاحتلال طامع به ويحاول باستمرار التقييد بمنع الشباب من دخوله وأحيانا بتحديد أعمار المصلين، والهدف من ذلك تقليل عدد المسلمين والسماح للمقتحمين باستباحته وفرض السيادة الإسرائيلية عليه وسحب صلاحية الوقف الإسلامي في إدارة الأقصى.

واعتلى الشيخ صبري منبر المسجد الأقصى لأول مرة لإلقاء خطبة عام 1973، ويواظب للعام الـ52 على التوالي على القيام بهذا الدور، لكن خطبه وكلماته لا تروق للاحتلال، فبدأ بملاحقته منذ عام 2000 مع اندلاع الانتفاضة الثانية، ومنذ ذلك الحين حتى اليوم يتعرض للاستدعاء والاعتقال والتحقيق بالإضافة لعقوبتيْ الإبعاد عن المسجد الأقصى والمنع من السفر، وتهديده بهدم منزل كان يسكن فيه بحي الصوانة القريب من المسجد الأقصى المبارك.

حسين: نعتز أننا أصحاب المسجد الأقصى وسنبقى مرابطين في القدس ومقدساتها إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا (الجزيرة)

إبعاد المفتي

أما مفتي القدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين الذي بدأت اليوم عقوبة إبعاده عن الأقصى لمدة 6 أشهر، فقال للجزيرة نت إن هذه الاعتداءات تشكل استباحة وتطورا خطيرا في ظل الأوضاع القائمة.

وأضاف أن السلطات الإسرائيلية تستغل الأوضاع الجارية في كل من غزة والضفة الغربية والقدس، لتمرير مخططاتها على المسجد الأقصى في قضية فرض واقع جديد وتغيير الوضع التاريخي القائم فيه، والاعتداء على حرمته وقدسيته وإيذاء مشاعر المسلمين في كل العالم.

وأكد المفتي أنه رغم كل ذلك سيبقى المسجد الأقصى إسلاميا وللمسلمين وحدهم لا يشاركهم فيه أحد، وأن كل ما تقوم به السلطات الإسرائيلية هو عدوان واعتداء على حرمته وقدسيته وعلى حق المسلمين في عباداتهم، “ونعتز أننا أصحابه وسنبقى مرابطين في القدس ومقدساتها إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا”.

استهداف خطباء القدس

لم تقتصر الملاحقة منذ اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، على خطباء المسجد الأقصى وأئمته، بل طالت خطباء وأئمة مساجد في أحياء القدس المختلفة.

واعتُقل وحُكم بالسجن الفعلي كل من خطيب أحد مساجد بلدة صور باهر الشيخ عصام عميرة، وخطيب أحد مساجد بلدة سلوان الشيخ نعيم عودة، بالإضافة لجمال مصطفى خطيب أحد مساجد بلدة العيساوية، ومحمود أبو خضير خطيب مسجد بلدة شعفاط.

ووجهت النيابة العامة الإسرائيلية تهمة التحريض للخطباء الأربعة، لأنهم نصروا غزة في خطبهم في بداية الحرب الحالية، وبينما أُفرج عن كل من نعيم عودة ومحمود أبو خضير، لا يزال جمال مصطفى وعصام عميرة يقضيان مدة حكمهما بالسجن الفعلي خلف قضبان سجون الاحتلال.

ملاحقة سياسية

المحامي المختص في قضايا القدس خالد زبارقة يرى أن ما تقوم به سلطات الاحتلال من ملاحقة خطباء الأقصى يندرج في إطار الملاحقة السياسية التي تمارسها على ما هو فلسطيني، وبشكل أشد على كل المؤثرين والخطباء والأئمة الذين لهم دور بارز في كشف مخططات الاحتلال، وفي بناء وعي جمعي حقيقي قادر على مواجهة روايته وتحديها.

وأضاف زبارقة في حديثه للجزيرة نت أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تخالف القانون الإسرائيلي نفسه عندما تلاحق الأئمة، لأن المسجد وخطباءه لا يخضعون لسلطات الاحتلال، بل لدائرة الأوقاف الإسلامية، وكل موظف في الدائرة يجب أن يحظى بالحماية والحصانة القانونية من الملاحقات السياسية.

“لكن ما تقوم به سلطات الاحتلال هو تجاوز للقانون واعتباراته، ومحاولة لمنع بناء وعي فلسطيني خاصة في ظل هذا الواقع الأليم الذي نعيشه” أردف زبارقة.

وشدد المحامي على أن خطباء الأقصى مؤتمنون على قول كلمة الحق، خاصة في ظل ما يتعرض له الفلسطينيون في كل من غزة والقدس والضفة الغربية والداخل الفلسطيني، وبالتالي فمن الواجب على خطباء المساجد أن يتعاملوا مع هذه الأحداث وأن يوجهوا الناس التوجيه الصحيح، وهذا دور تبوؤوه، ولهم في ذلك الأجر والثواب من الله.

وبرأيه فإنه لا يمكن التعامل مع النظام القضائي الإسرائيلي كما أي نظام قضائي آخر “لأنه لا يرقى إلى المعايير الأساسية للنظام القانوني العادل من ناحية النزاهة والموضوعية”.

وفي ظل هذا الواقع يعتقد خالد زبارقة أنه إذا توفرت الاستشارة القانونية اللازمة للخطباء، من حيث وضع الخطبة في قالب قانوني معين قد ننجح نوعا ما في التخفيف من وطأة الملاحقة القانونية.

شاركها.
Exit mobile version