أثار مقتل الناشط اليميني الأميركي الشهير، تشارلي كيرك، قلق الولايات المتحدة ومن يهتمون بها، ولم يسهم اعتقال المشتبه فيه، تايلر روبنسون، في تهدئة روعهم، خصوصاً أن الكشف عن أي ولاء سياسي مزعوم قد يُشعل جولة جديدة من الاتهامات.

وهناك من يخشى أن تنزلق البلاد إلى حقبة جديدة من العنف السياسي، وأن تصبح مكاناً تتم فيه تسوية الخلافات، ليس بالكلام والجدال بل بالسلاح والدماء، وفي النهاية سبق أن غاصت البلاد في هذا المستنقع من قبل.

وقد ولدت الولايات المتحدة من رحم العنف، إذ وقعت فيها حرب أهلية بعد أقل من مرور قرن على تأسيسها، وبدا في الذاكرة الحية أنها على شفا حرب أخرى مع موجة من الاغتيالات كالتي حدثت في ستينات القرن الماضي، وأودت بحياة الناشط السياسي الذي نادى بإنهاء العنصرية، مارتن لوثر كينغ، والداعية الإسلامي المدافع عن حقوق الأميركيين، مالكولم إكس، والناشط الأميركي في مجال الحقوق المدنية، ميدغار إيفرز، والرئيس الأميركي السابق، جون كينيدي، وربما يقدم ذلك بعض العزاء، إذ إن الدولة مرّت بمثل هذه الأحداث الخطرة، لكنها تجاوزتها.

لكن يبدو أن الشعور بالراحة بات قليلاً، لأن ما نشاهده يُعدّ زمناً مختلفاً، فمن ناحية باتت البنادق والمسدسات متوافرة الآن أكثر من أي وقت مضى، إذ يوجد نحو 850 مليون سلاح ناري بأيدي أشخاص عاديين في العالم، حيث يمتلك نصفها تقريباً أميركيون، ويمتلك كل 100 أميركي 120 قطعة سلاح، ومن جهة أخرى، تهيمن وسائل التواصل الاجتماعي على مصادر المعلومات، اليوم، ما يُضخم الأصوات الأكثر تطرفاً، ويكافئ أكثر المشاعر غضباً.

وبينما كان بإمكان مذيع قناة «سي بي إس»، والتر كرونكايت، في السابق، أن يعلن خبر اغتيال رئيس ويقدم البلسم للجمهور، إلا أن الحزن الآن أشعل غضباً شديداً، مع انتشار لقطات إطلاق النار المرعب على كيرك عالمياً، بعد لحظات من وفاته.

لكن الفرق الجوهري يكمن في القمة، ففي الماضي كان يقابل أي عمل من أعمال العنف السياسي برد فعل متوقع ومطمئن، وكان الرئيس يدينه، ويعرب عن حزنه على القتلى وعائلاتهم، ويدعو إلى عدم التسرّع في الحكم، والهدوء والوحدة، مُصرّاً على ألّا يعطي الأميركيون القتلة ما يريدونه، وهو التفرقة، بل يتحدوا كمواطنين في جمهورية أحبوها جميعاً.

وسمع كثيرون نسخاً من تلك الخطابات التي تم إلقاؤها في أوقات مختلفة من قبل الرؤساء الأميركيين، مثل بيل كلينتون، وجورج دبليو بوش، وباراك أوباما، لكن الرئيس دونالد ترامب اختار مساراً بديلاً أثبت – كما اعترف لاحقاً لقناة «فوكس نيوز» عندما سئل عن توحيد البلاد – أنه «لا يبالي إطلاقاً» بذلك.

وقبل اعتقال أحد بتهمة قتل كيرك، أو ورود أي معلومات تذكر عن قاتل كيرك، صرّح ترامب بأن مسؤولية وفاته تقع على عاتق «اليسار الراديكالي»، وأضاف أن «خطابه» هو «المسؤول المباشر عن الإرهاب الذي نشهده في بلادنا اليوم».

وبغض النظر عن دقة التصريح، وعن الحقيقة التي مفادها أن معظم حالات القتل المرتبطة بمتطرفين في الولايات المتحدة خلال عام 2024، كان وراءها اليمين المتطرف، وهو ما حدث في عامَي 2022 و2023، فإن ترامب سرد حوادث تعرّضت فيها شخصيات مرتبطة باليمين لهجمات، إلا أنه تجاهل عمداً، مقتل النائبة الديمقراطية عن ولاية مينيسوتا، ميليسا هورتمان، وزوجها، في يونيو الماضي، أو إحراق منزل الحاكم الديمقراطي لولاية بنسلفانيا، جوش شابيرو، في أبريل الماضي، أو مؤامرة سابقة لاختطاف الحاكم الديمقراطي لولاية ميشيغان. عن «الغارديان»

• هناك من يخشى أن تصبح البلاد مكاناً تتم فيه تسوية الخلافات، ليس بالكلام والجدال بل بالسلاح والدماء.

شاركها.
Exit mobile version