مراسلو الجزيرة نت
18/7/2025–|آخر تحديث: 17:04 (توقيت مكة)
الخرطوم- “شعرت بروحي تتكسر، بلدنا الذي يفيض بالحياة تحول إلى تل من الخراب، الشعور القاتل بالعجز دفعني إلى التطوع لتجاوز ذلك، نحن لم نكن نقدّم مبادرة، نحن ببساطة كنا نعطي الحياة معنى الاستمرار”، هكذا بدأ منسق مبادرة مطبخ الخرطوم عماد الدين فرح الشيخ حديثه للجزيرة نت.
ورغم انقشاع سحابة الحرب جزئيا وتيسر سبل التنقل وفتح الطرق وتوفر بعض السلع في الأسواق فإن الأوضاع في بعض الأحياء لا تزال تشهد تعقيدات، خاصة في منطقة أبو آدم جنوب الخرطوم، حيث لا يزال السكان يعتمدون على التكايا، وهي نسق محلي لتجميع وإعداد الوجبات البسيطة من العدس والفول.
وفرضت ظروف توقف سوق العمل هذا النمط من الحياة على السكان الذين كانوا تحت الحصار أيام الحرب، واستمر حتى بعد وصول الجيش وتأمينه المنطقة وعودة الاستقرار فيها، فانعدام المداخيل المادية جعل ظروف كثير من السكان متعسرة، مما لا يسمح لهم بتوفيق أوضاعهم المعيشية، خاصة في ظل غلاء نسبي بتلك المناطق.
المطابخ الجوالة
تشرف مبادرة مطبخ الخرطوم على عدد من المطابخ الجوالة التي تعد الطعام في أكثر من 50 موقعا بأرجاء العاصمة السودانية، ويتم توزيع نحو 1200 وجبة لكل موقع، في نطاق واسع من مناطق الجيلي والسقاي شمالا إلى جبل الأولياء جنوبا والجموعية غربا، إضافة إلى أحياء أم درمان القديمة.
ويقول عماد الدين فرح الشيخ إنه مع التحسن المعقول في ظروف النزوح وتنامي العودة فقد انفتحت المبادرة على جهود أعمال أخرى شملت تقديم الدواء والمحاليل الوريدية وتأهيل عنابر في مستشفى أم درمان التعليمي.
كما نشطت في برامج العودة الطوعية للمواطنين من مصر ومن نازحي الداخل من ولايات كسلا والقضارف والشمالية، ويقول الشيخ “سيتواصل دورنا من أجل البقاء لشعبنا ووطنا”.
تحسّن الوضع
يقف الشاب العشريني محمد صلاح مشرفا على مبادرة أبناء المنطقة يوزع الصحون والأواني لإعداد وجبة الإفطار استعدادا لتوزيعها على المستهدفين، أحيانا ترسل الأسر مندوبين عنها لاستلام وجباتها، وأحيانا يتولى صلاح التوزيع بنفسه حسب مقتضى كل عائلة.
ويقول صلاح للجزيرة نت إن بداية عمله كان متطوعا مع عدد من النشطاء في سبتمبر/أيلول 2023 بعد أن ساءت أحوال المنطقة جنوبي الخرطوم نتيجة الحرب، فقد انتشرت وتمددت قوات الدعم السريع ومنعت الحركة، مما اضطر المبادرة إلى الاعتماد على التهريب لتوفير المواد الغذائية لتغطية احتياجات السكان.
ويتذكر أنهم كانوا يعدّون إبان ذروة الحرب نحو 20 وجبة فقط يوميا توزع للأسر، لكن هذا الوضع تغير وأصبحت التكية تعد قرابة 300 وجبة يوميا، وقد فرض عليها الالتزام بزيادة عدد الوجبات استجابة لزيادة عدد العائلات القادمة من النيل الأبيض ومناطق أخرى إلى المنطقة التي تعتبر آمنة الآن.
ورغم توفر الأمن في الكثير من مناطق الخرطوم فإن إشكالات توفير الطعام لا تزال ملحة كما يقول صلاح، وإضافة إلى الطعام انتقلت المبادرة إلى جوانب أخرى لا تقل أهمية، وهي توفير خدمات الصحة خاصة الأدوية.
وبشأن الدعم، يقول صلاح إن الوضع تحسّن إجمالا مع زيادة في نسبة المساهمات من جهات عدة، من بينها مؤسسات حكومية، وهو ما سهّل استقرار تقديم العون لمواجهة الزيادة المتصاعدة في أعداد العائدين إلى ديارهم.
ومما ساهم في نقل العمل إلى مرحلة متقدمة عوامل عدة، منها تمدد درجة الأمان وارتفاع سقف الآمال بالانتقال من الحصار وعودة التواصل بين أطراف العاصمة بعد تحرير كامل الولاية من الدعم السريع، فقد أعادت مجموعات العمل الطوعي ترتيب أولوياتها بعد الانفراج اليسير في تجمعات طالبي الوجبات بأم درمان والخرطوم.
تطور المبادرات
بدوره، يقول محمد الفاتح مجذوب إن مبادرته التي بدأت بالإطعام في دور الإيواء بأم درمان القديمة ومحلية كرري وأجزاء من الخرطوم والخرطوم بحري اتجهت الآن إلى تطوير مساعداتها.
وأوضح مجذوب أن مخصصات ومواد الوجبة اليومية تحولت إلى سلال تضم احتياجات الطعام من سكر ودقيق وزيت توزع عبر اختيار نوعي للأسر المتعففة في الأحياء، أو لبعض العائلات ذات الظروف الخاصة (الأمراض المزمنة).
ويضيف أن المبادرة التي يرعاها تتجه إلى تجربة المشروعات الصغيرة للسكان في الأحياء الشعبية بالمناطق الآمنة، لتكون نواة لمشروعات ذات دخل وعائد يسهّل على أصحابها جهود تطبيع حياتهم، في ظل ظروف معيشية وخدمية ضاغطة.
لكن هذا الطموح في تطوير هذه الجهود لمشروعات صغيرة أو الانتقال من مشروعات الإطعام المباشر إلى المواد العينية يتطلب -من وجهة نظر مجذوب- دعما كبيرا لا يبدو الآن متوفرا.
وأشار إلى أن نسق الدعم السابق لمشروعات الإطعام كان يعتمد على مساهمات مالية من داعمين خيّرين ومساهمين عبر التطبيقات البنكية، وهو ما قد لا يبدو ممكنا في حالة المشروعات الصغيرة، لكن الفكرة تبقى قائمة.