الخرطوم- تكابد الجهات المسؤولة بوزارة الصحة السودانية لإعادة الحياة للمستشفيات المرجعية بوسط العاصمة السودانية الخرطوم لأهمية الخدمات التي تقدمها والتي لا تتوفر في المستشفيات الحكومية الأخرى، وتمثل إعادتها للعمل تحديا كبيرا يتطلب أموالا ضخمة تفوق إمكانيات الدولة.

وتشير التقديرات الأولية لوزارة الصحة إلى أن حجم الأضرار التي لحقت بالقطاع الصحي بفعل الحرب منذ أبريل/نيسان 2023 بلغ نحو 11 مليار دولار.

وقد تعرضت المنظومة الصحية في السودان بسبب الحرب إلى هزة عنيفة أفقدتها توازنها بخروج أكثر من 70% من مؤسساتها عن الخدمة، وفق تقديرات منظمة الصحة العالمية.

تدمير كامل للقسم الجنوبي أبرز معالم مستشفى الخرطوم (الجزيرة)

عمل ممنهج

فمستشفى الخرطوم، الذي أُسّس عام 1904 وتضم مبانيه منشآت أثرية في معظمها، تعرّض بعضها للتدمير الكامل، وستُزال، مثل المجمع الجنوبي الخاص والمعمل الأردني، الذي كان يوفّر للمستشفى إيرادات دعم، وفق ما ذكر المدير المالي والإداري للمستشفى جعفر عمر البشير.

ويضيف البشير للجزيرة نت أن ما تعرض له المستشفى يُعتبر عملا ممنهجًا، حيث تم نهب ما يلي:

  • أجهزة المجمع الجراحي الذي يضم 10 غرف عمليات بالكامل.
  • 70 سرير عنايةٍ مكثفة بكامل ملحقاتها.
  • 15 جهاز تخديرٍ، من جملة 17 جهازًا جديدًا حصل عليها المستشفى قبل فترة قليلة من اندلاع الحرب.
  • نحو 50% من أجهزة العلاج الطبيعي، وأجهزة الأشعة، ومعظم معدات جراحة المناظير وجراحة الأطفال، وكل معدات المعامل.
  • كل الأجزاء المهمة لجهازي الأشعة المقطعية والرنين المغناطيسي.
معمل فحص الأنسجة المريضة بمستشفى الخرطوم الذي نجا من التخريب (الجزيرة)

 

وربما من حظ المرضى -كما يقول البشير- نجاة أفضل معمل لفحص الأنسجة المريضة في السودان من التخريب والسرقة، لأن ما يقدمه هذا المركز غير متوفر في كل المستشفيات الحكومية بالخرطوم.

ووفقًا له، سيستأنف المستشفى قريبًا العمل جزئيًا بقسم التخصصات الدقيقة غير المتوفرة بالمستشفيات الحكومية، مثل جراحة المناظير وقسم العلاج الطبيعي والتأهيل، ومعمل الأنسجة المريضة وخدمات بنك الدم.

وأوضح أن المهندسين يقومون الآن بتأهيل الكثير من الأجهزة التي سُرقت بعض أجزائها، وتشغيل بئر المياه الخاصّة بالمستشفى الذي يمكن أن يمد كل المستشفيات المجاورة بالماء.

ويؤكد أن التحدي يكمن في قدرة إدارة المستشفى على توفير مولد لمعالجة مشكلة الكهرباء التي تضررت بشكل كبير وسط الخرطوم.

تدمير أحد المباني الأثرية بمستشفى الشعب بالكامل (الجزيرة)

أضرار كبيرة

بالمقابل، فإن التحدي أكبر في مستشفى الشعب لأمراض وجراحة القلب والصدر، الذي يفصل بينه ومستشفى الخرطوم حائط فقط، إذْ فقد الأول أجهزة قسطرة القلب الثلاثة التي تناهز قيمة الواحد منها 700 مليون دولار، وحتى تستأنف هذه المؤسسة الصحية العمل تحتاج إلى توفير جهاز واحد على الأقل، بحسب مديرها عثمان إسماعيل.

ويضيف الدكتور للجزيرة نت أن المستشفى تعرض لضرر بالغ، حيث أصيبت 10 عنابر بأضرار متفاوتة وكذلك المكاتب الإدارية، ومبنى قسم الحوادث (الطوارئ)، كما تضرر مجمع عمليات القلب المفتوح، الذي نُهبت أجهزته بالكامل وكل أجهزة المعمل، ما عدا جهازا واحدا معطَّلًا.

وتابع ضاحكا: “لا أدري كيف علموا أن الجهاز لا يعمل، يبدو أن هناك متخصصين كانوا يعملون مع قوات المليشيا”، كما سُرقت الأدوية وتم تحطيم الصيدليات بالكامل.

 

ما تبقّى من جهاز الأشعة المقطعية بمستشفى الخرطوم بعد سرقة كل أجزائه المهمة (الجزيرة)

تحذيرات

وبدأت إدارة المستشفى -حسب الدكتور إسماعيل- بأعمال النظافة من خلال إزالة الأنقاض وصيانة الصهريج وخط المياه، ويشير إلى أن ولاية الخرطوم ووزارة الصحة التزمتا بصيانة الطابق الأول لقسم الطوارئ، و”هي غير كافية، ولابد من تشغيل العناية المكثفة والمعمل وصيانة العنابر” حسب قوله.

ويوضح أن “أعمال الصيانة في هذا القسم شارفت على الانتهاء، ولبدء العمل لا بد من وجود جهاز قسطرة واحد على الأقل، حيث إن أهمية المستشفى تكمن في أنه الوحيد الذي يوجد به قسم حوادث قلب في العاصمة تعمل لمدة 24 ساعة”.

وحذر من خطورة الوضع إذا لم تتضافر الجهود الرسمية والشعبية، ولفت إلى إجرائهم اتصالات مع منظمات وأطباء سودانيين بالخارج من الذين عملوا سابقا بالمستشفى، كما توجد مبادرة طوعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي لدعم المستشفى وإعادته للعمل.

الصيانة بقسم حوادث مستشفى الشعب شارفت على الانتهاء (الجزيرة)

 

وينبه الدكتور إسماعيل إلى أن أمراض القلب عامل يعتبر الزمن فيها مفصليًا، وفي حال لم يتم تداركها سريعا ستتحول إلى أمراض دائمة، وقد يحتاج المريض لعلاج مدى الحياة وسيكون مكلفًا لأسرته وللدولة، ويراهن على الدور الفعّال للمجتمع للانضمام لعمليات تأهيل المستشفى، الذي أكد أنه يحتاج لوقفة من الجميع.

أثرت الحرب بشكل بالغ على النظام الصحي في ولاية الخرطوم التي يوجد بها 30 مستشفى حكوميا وعشرات المستشفيات الخاصة وأكثر من 100 مركز صحي حكومي، وأكبر تحدٍّ ستواجهه الحكومة بعد استعادة الخرطوم من قوات الدعم السريع هو تشغيل هذه المؤسسات لتشجيع المواطنين على العودة إلى العاصمة السودانية.

شاركها.
Exit mobile version