تُحرز القوات الروسية تقدماً بطيئاً في شرق أوكرانيا، الصيف الجاري، بكلفة باهظة، لكن حملة موسكو المتصاعدة بالطائرات بدون طيار ضد المدن الأوكرانية تُشكل بلا شك تهديداً أكثر خطورة، ويوماً بعد يوم توجه المُسيّرات الضربات للبنية التحتية المدنية والعسكرية في أوكرانيا، إضافة إلى البنايات السكنية، وتتسبب في ضرر بالغ باقتصاد البلاد ومعنويات الأوكرانيين، في وقت يُعد إيجاد طرق لصد المزيد من هذه الهجمات أولوية ملحة.

في التاسع من يوليو الماضي، هاجمت أكثر من 700 طائرة بدون طيار (60% منها تحمل رؤوساً حربية والبقية أرسلت للتضليل وإنهاك المنظومة الدفاعية)، كييف وأهدافاً أخرى، وفي ذلك الأسبوع وحده، كما قال الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إن «روسيا أطلقت أكثر من 1800 طائرة بدون طيار و83 صاروخاً في حملة لتكثيف الرعب ضد مدننا ومجتمعاتنا».

وبدأت أسراب من طائرات «غيران 2» الروسية في إرهاق دفاعات أوكرانيا، وحتى مارس 2025 لم يتجاوز عدد هذا النوع من الطائرات المُستخدمة في الهجوم 5%، وفي الشهر الماضي ارتفعت هذه النسبة إلى نحو 15%، وإضافة إلى قتل الناس وتدمير البنية التحتية، تُمارس الهجمات ضغطاً نفسياً لا هوادة فيه، وغالباً ما تستمر طوال الليل.

وقال المتحدث باسم الفرقة الجنوبية للجيش الأوكراني، سيرهي براتشوك، لصحيفة «كييف إندبندنت»: «الهدف هو تعميق الشعور بانعدام الأمان والثقة بالدولة أو بقوات الدفاع».

أسلحة متنوعة

وحسّنت روسيا من كمية ونوعية طائراتها المُسيّرة، ومنذ الصيف الماضي زادت إنتاجها الشهري من طائرات «غيران 2» خمسة أضعاف، وفقاً لجهاز الاستخبارات العسكرية الأوكراني، وقد ساعد على ذلك زيادة إمدادات المكونات الصينية ذات الاستخدام المزدوج، وفي مايو تم إنتاج نحو 2700 طائرة «غيران 2»، و2500 طائرة «غيربيرا» (طائرة مُسيّرة أصغر حجماً تُستخدم عادة للتضليل) في مصنعين، يقع كلاهما على بعد نحو 1500 كيلومتر شرق خط المواجهة، وقد تعرض هذان المصنعان لضربات أوكرانية بطائرات مُسيّرة، لكن الإنتاج لم يتأثر بشدة، فيما من المتوقع أن يرتفع أكثر.

ومنذ يونيو 2025، تستخدم روسيا صاروخ «جي 2» المُحسن والمُزود بأنظمة توجيه بالفيديو وذكاء اصطناعي وبرمجيات مُحسنة، لإحباط عمليات التشويش، وفقاً لمحللة الدفاع أولينا كريزانيفسكا.

ويُمكن لهذا الصاروخ التحليق على ارتفاعات تصل إلى 4000 متر، ما يسمح له بزيادة سرعته من 185 كيلومتراً في الساعة إلى 400 كيلومتر في الساعة عند هبوطه على الهدف، وكانت الإصدارات السابقة تحمل رأساً حربياً يزن 40 كيلوغراماً، لكن الحمولة في الإصدارات الجديدة قد تصل إلى 90 كيلوغراماً.

كما دخل صاروخ «جي 3» الخدمة، وهو مُزود بمحرك نفاث يمكنه التحليق بسرعة تصل إلى 600 كيلومتر في الساعة، في ما تقدر كلفته بنحو 1.4 مليون دولار، مُقارنة بنحو 200 ألف دولار لصاروخ «جي 2» المُحسن.

يشكل كل ذلك معضلة للدفاعات الأوكرانية؛ فاستخدام صواريخ بملايين الدولارات، مثل «إيرس تي»، لإسقاط طائرات مُسيرة تكلف 200 ألف دولار أو أقل، يمكن أن ينهك بسرعة أنظمة الدفاع الجوي المتطورة اللازمة لصد الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز.

وحتى وقت قريب، نجح مزيج من الحرب الإلكترونية ومجموعات إطلاق النار المتنقلة المزودة برشاشات ثقيلة ومدفعية مضادة للطائرات مثل «غيبارد» الألمانية، في تدمير الغالبية العظمى من الطائرات المُسيّرة، لكنها تكافح ضد طائرات «غيران» المُحسنة التي تحلق على ارتفاعات عالية في مسارات طيران غير متوقعة.

زيادة الإنتاج

الحل الواعد بالنسبة للخبراء العسكريين في أوكرانيا هو طائرات مُسيّرة اعتراضية رخيصة، حيث تنتج أربع شركات أوكرانية على الأقل، بما في ذلك «وايد هونتس» و«بيسومار»، أنواعاً مختلفة من هذه المُسيّرات، وكذلك شركة «تيتان» الألمانية، وشركة «فرانكنبيرغ» الإستونية.

ويقول القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية، الجنرال أوليكساندر سيرسكي، إن الطائرات المُسيّرة الاعتراضية تحقق نسبة نجاح 70% ضد طائرات «غيران» الروسية، وفي الأسبوع الماضي، طلب زيلينسكي من وزارة دفاعه التوقيع السريع على عقود واسعة النطاق لإنتاج الطائرات الاعتراضية المُجربة.

كما حث الرئيس الأوكراني، في 25 يوليو، شركات الطائرات المسيرة على زيادة إنتاجها إلى 1000 طائرة اعتراضية على الأقل يومياً، وقال إن ذلك يستلزم «تمويلاً عاجلاً» بقيمة ستة مليارات دولار، وما لم تتمكن روسيا من زيادة إنتاجها من المُسيّرات الانتحارية بشكل ملحوظ فوق مستواها الحالي البالغ 200 طائرة يومياً تقريباً، فقد يعود ذلك بالفائدة على الدفاعات الأوكرانية.

وقد أسهمت منظمات غير حكومية مثل مؤسسة «ستيرنينكو» المجتمعية ومنظمة «كوم باك ألايف» في تمويل تطوير الطائرات المسيّرة، ويقول خبير الطائرات المسيرة في منظمة «كوم باك ألايف»، تاراس تيموتشكو، إن كلفة كل مُسيرة اعتراضية يجب ألا تتجاوز 5000 دولار، وتبلغ سرعة هذه الطائرات نحو 300 كيلومتر في الساعة، ويجب أن تحلق وتحوم على ارتفاعات تصل إلى 5000 متر، وهذا يعني طائرات بدون طيار ثابتة الأجنحة، وليس طائرات رباعية المراوح.

عقبات تكنولوجية

ويجب أن تصطدم المُسيرة الاعتراضية بـ«غيران» وتنفجر عند الاصطدام؛ فالاقتراب منها ليس كافياً، ويقول تيموتشكو إن التحدي الآن يكمن في منح العقود، وزيادة الإنتاج وتدريب المُشغلين، وهذا الأخير قد يشكل عقبة رئيسة، وتابع: «مواكبة الإنتاج الروسي لطائرات (غيران) أمر طموح، لكننا قريبون جداً».

لاتزال هناك عقبات تكنولوجية، كما يقول ماكس إندرز من شركة «تيتان» الألمانية، إذ يتعين دمج الطائرات بدون طيار مع شبكات الرادار الحالية، كما أنها تحتاج إلى ذكاء اصطناعي متقدم لجعلها ذاتية التشغيل ومقاومة للتشويش، ويُتوقع سباقاً محموماً للتكيف، حيث يقوم كل جانب بتحديث البرامج باستمرار في دورات ابتكار تراوح من 15 إلى 20 يوماً، وفي مرحلة ما، قد يتمكن الروس من إرسال أسراب من الطائرات بدون طيار تتواصل مع بعضها بعضاً لتجاوز الدفاعات.

وتقول محللة الدفاع، أولينا كريزانيفسكا، إن المُسيّرات الاعتراضية ليست حلاً سحرياً، وسيظل الدفاع قصير المدى يتطلب أنظمة مدفعية مثل «سكاي سنتينل» الأوكرانية، وهو برج ذاتي التشغيل مزود برشاش ثقيل، و«سكاي نيكس» من شركة «راينميتال»، المصمم لمواجهة هجمات الأسراب، ولا يتوافر أي منهما بأعداد كبيرة حتى الآن.

وتطور أوكرانيا أيضاً نظام «تريزوب»، وهو نظام ليزر يُفترض أنه قادر على إسقاط أهداف جوية على ارتفاعات 3000 متر أو أعلى، وفي الوقت الحالي تعد الطائرات الاعتراضية الأمل الأمثل، لكن في هذه الأثناء لاتزال «غيران» تتقدم. عن «الإيكونوميست»


مقاومة التشويش

تتميز الطائرة بدون طيار «غيران 2» بجناحين بطول مترين، وتحمل عادة نحو 45 كيلوغراماً من المواد شديدة الانفجار، فيما يكمن التحدي في أعدادها الكبيرة.

وقد حاولت أوكرانيا الاستعانة بالحرب الإلكترونية لإسقاط الطائرات بدون طيار، وقدر تقرير للقوات الجوية الأوكرانية، في فبراير، أن الوسائل الإلكترونية أسقطت ما يصل إلى 35% من الطائرات المُسيّرة المعادية، ليتبين لاحقاً أن هذه الطريقة أكثر فاعلية ضد الطائرات «المُضللة» من «الحقيقية»، وما زاد من صعوبة الموقف كان تحديث الروس نظام التوجيه بصورة متكررة لتحسين مقاومة التشويش، وقد عثر على نماذج حديثة مزودة بمصفوفة من ثماني هوائيات بدلاً من أربع هوائيات سابقاً في نظام الملاحة عبر الأقمار الاصطناعية «كوميت»، وهذا ما يحسن الاستقبال وينهي مصادر التشويش.

. استخدام صواريخ بملايين الدولارات مثل «إيرس تي» لإسقاط طائرات مُسيرة تكلف 200 ألف دولار أو أقل، يمكن أن ينهك بسرعة أنظمة الدفاع الجوي المتطورة.

شاركها.
Exit mobile version