معاناة ورحلة مشاق ومسير نحو المجهول سلكه الصادق وأسرته وتوأم لم يتجاوز الـ 3 أشهر من العمر عابرين أنهاراً ثلاثة إلى ملجأ آخر آمن داخل السودان فراراً من جحيم الحرب. وصلت الأسرة وحطت رحالها بعد نزوح مرهق في مخيم ود الحوري جنوبي مدينة القضارف شرق البلاد، قاطعة مسافات شاسعة في مسير استمر أياماً من موطنهم مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار آخر المدن التي امتدت إليها ألسنة الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع..
تقول ياسمين زوجة الصادق لـ «البيان»، إن الأسرة عاشت تجربة نزوح مركبة بعد أن نزحت من منزلها في العاصمة الخرطوم العام الماضي إلى ولاية الجزيرة، على أمل العودة بعد أيام قلائل كما كانت التوقعات، ولكن أملهم خاب، إذ وبدلاً من العودة إلى منزلهم في الخرطوم طاردهم جحيم الحرب في مكان نزوحهم في ولاية الجزيرة التي تمددت إليها الحرب أواخر العام الماضي، ليضطروا للنزوح مرة أخرى إلى سنجة والتي لم يمكثوا فيها سوى شهور حتى تلاحقهم الحرب مرة أخرى وتفرض عليهم رحلة نزوح ثالث.
وتستمر ياسمين في سرد قصة نزوحها وهي تحمل بيدها إحدى توأمها: «لم نكن نتوقع أن تلحقنا الحرب في ولاية سنار، إذ أقمنا في قرية أبو قرع قرب سنجة، لكن لم نهنأ كثيراً إذ عاد دوي المدافع من جديد إلى طرق أسماعنا، لنبدأ رحلة نزوح أخرى هي الأقسى على الإطلاق، خرجنا تحت جنح الظلام بعد إحساسنا باقتراب الخطر، فلم يعد أمامنا سوى الرحيل إلى المجهول فكل ما يهمنا الابتعاد عن دائرة القصف، بتنا ليلتنا تلك في العراء، كنت أنظر إلى أطفالي وهم صامتون وأرى نظرات الخوف في عيونهم ولم يكن ثمة ما يخفف من روعهم، فقط كنت أحتضنهم وأبكي في صمت».
مخاطر حقيقية
وتشير ياسمين إلى أن رحلة النزوح من سنجة إلى القضارف كانت الأشد قسوة من سابقاتها، بعد مواجهتهم مخاطر حقيقية، إذ وبعد ابتعادهم عن دائرة الحرب، واجهوا هذه المرة مخاطر أخرى لم تكن في الحسبان، إذ تعين عليهم عبور نهري الدندر والرهد من أجل النجاة، فضلاً عن وعورة الطرق الترابية والأراضي الزراعية التي كانت مليئة بمياه الأمطار التي كانت تهطل بغزارة، الأمر الذي ضاعف من المعاناة بشكل لا يوصف، لاسيما في ظل افتقاد الغذاء وأغطية تقي من قسوة الطقس، وتقول ياسمين: «خرجنا بما نرتديه من ملابس فقط، لم يكن لدينا من الغذاء ما يعين على طول الرحلة، ولكن بتكاتف الأسر النازحة استطعنا تجاوز تلك الأيام العصيبة حتى وصلنا إلى القضارف، وانتهى بنا الحال هنا داخل هذه الخيمة في مخيم ود الحوري الذي وجدنا فيه برغم شح إمكانياته فرصة للراحة من تعب رحلة النزوح الطويلة التي نتمنى ألا تطول».