حذرت أوساط ليبية مطلعة من العودة للمربع الأول عبر إغلاق الحقول والموانئ النفطية جراء الخلافات الحادة بين المجلس الرئاسي في طرابلس، ومجلس النواب في بنغازي، لافتة إلى أن خيوطاً بدأت تفلت من أيدي الفرقاء، بما يشير لإمكانية الانحدار من جديد نحو منزلقات العنف والانقسام.
وعاشت العاصمة الليبية طرابلس، أمس، تطورات مهمة في الصراع القائم حول مصرف ليبيا المركزي، إذ تدخلت قوة أمنية لمنع اللجنة المعينة من المجلس الرئاسي من تسلم المقر الإداري للمصرف، وتم تعطيل العمل بالمقر الرئيس، ومنح الموظفين إجازة، وقرر المحافظ الحالي الصديق الكبير اللجوء للقضاء لمواجهة قرار عزله، بينما صوت مجلس النواب بالإجماع، خلال جلسة رسمية، على إلغاء قرار تكليف محمد الشكري، محافظاً لمصرف ليبيا المركزي، والإبقاء على المحافظ الحالي الصديق الكبير، ونائبه مرعي البرعصي في منصبيهما.
وكان المجلس الرئاسي قد اعتمد في عزله للكبير على قرار صدر عن مجلس النواب في ديسمبر بتعيين الشكري بدلاً عنه، وهو ما لم يجد طريقاً للتنفيذ وقتها، حيث قوبل بالرفض من السلطات التنفيذية في طرابلس.
وقال مجلس النواب، إنه ألغى قراره السابق، ومتمسك بالإبقاء على المحافظ الحالي لحين التوصل إلى اتفاق مع مجلس الدولة على التعيينات في المناصب السيادية، وفق اتفاق أبوزنيقة الموقع في يناير 2021. وأكد الكبير والبرعصي أن المجلس الرئاسي غير مختص بإجراءات تغيير المحافظ، ومجلس إدارة المصرف، وأنهما طمأنا جميع الأطراف المحلية والدولية باستمرار المصرف المركزي والقطاع المصرفي في أداء أعماله.
وفي موقف وصفه المراقبون بالتصعيدي قال المجلس الرئاسي في تعميم على كافة البعثات والسفارات الأجنبية في ليبيا، إنه يواجه تحديات أمنية في طرابلس بسبب العرقلة والتأزيم والقرارات الأحادية، التي يتخذها البرلمان من بنغازي، مشيراً إلى أن البرلمان لم يحقق التوافق اللازم لتوحيد المركزي أو تعيين محافظ جديد للمصرف، بالتنسيق مع مجلس الدولة، معتبراً أن الصديق الكبير عقد الأزمة، ولم يظهر استجابة كافية لحلول وسط للأزمة الراهنة ترتكز على مجلس إدارة مكتمل، والانصياع للجنة مالية مشتركة وترتيبات مالية موحدة.
مجلس تكنوقراط
وأعلن الرئاسي اعتزامه تشكيل مجلس إدارة للمركزي من كفاءات تكنوقراط، وتمكين المحافظ المنتخب من مجلس النواب والمقبول من قبل مجلس الدولة من ممارسة مهامه بصفة مؤقتة، لضمان استقرار طرابلس، مضيفاً أن هذا التدبير المؤقت سيظل قائماً حتى التوافق على محافظ جديد، وفق الاتفاق السياسي حال قرر البرلمان العودة للاتفاق بعد الإجراءات، التي اتخذها مؤخراً بخصوص عدم قبوله بالاتفاق ومسار جنيف، مردفاً: «إجراءاتنا تهدف لتعزيز الإصلاحات المالية، وتطبيق التدابير الضامنة للاستدامة المالية والشفافية، وحزمة من الإصلاحات الاقتصادية وتدابير تضمن استقلالية ونزاهة مؤسسة النفط».
وأكد سفير بعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا، نيكولا أورلاندو، خلال لقائه رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، أن المبادرات الأحادية الجانب تعيق العملية السياسية الشاملة، مشيراً إلى دعوته جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك المجلس الرئاسي إلى العمل عن كثب مع الأمم المتحدة، لتهدئة التوترات وإحياء العملية السياسية، من خلال الحوار للحفاظ على استقرار وسلامة ليبيا.
تدهور أوضاع
بدورها، رأت القائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ستيفاني خوري، أن الوضع في ليبيا يتدهور بسرعة، وقالت خوري، خلال إحاطة أمام مجلس الأمن: إن هناك سلسلة قرارات أحادية مزعزعة للاستقرار شهدتها البلاد، وآخرها محاولة عزل محافط مصرف ليبيا المركزي، الصديق الكبير، ما أدى إلى توترات في بعد تقارير عن تحرك مجموعات مسلحة نحو «المركزي».
وأكدت خوري أن محاولة عزل الصديق الكبير الآحادية كانت بسبب الشعور لدى قادة الغرب بأنه ينفق على الشرق، لافتة إلى أن مجلس النواب اعتمد ميزانية موحدة بصورة أحادية وهو ما رفضته طرابلس، وأضافت: «نعمل على تهدئة الوضع»، مؤكدة أنها قامت بتشجيع القيادات للامتناع عن أي إجراءات أحادية تفاقم الوضع.
ويجمع المراقبون على أن الأوضاع لا تزال غامضة، وأن هناك محاولات جدية من قوى إقليمية ودولية لحل الأزمة بين الفرقاء، وتجاوز الخلاف، الذي بات يهدد بالمزيد من التأزم، وربما يدفع نحو العودة لما قبل قرار وقف إطلاق النار الموقع في جنيف أكتوبر 2020.