وسط دينامية داخلية مستجدة لتحريك الملف الرئاسي، يواكبها تحرك للجنة الخماسية العربية والدولية، التي سيجتمع سفراؤها في لبنان في موعد لم يحدد بعد، رجحت مصادر سياسية، أن يزور المبعوث الرئاسي الفرنسي، جان إيف لودريان، بيروت أواخر الشهر الجاري، للاطلاع على ما تحقق. وأكدت المصادر لـ«البيان» أن الاتصالات العربية والدولية قائمة، سواء عبر الخماسية وسفرائها في بيروت، أو عبر مسؤولين دوليين مهتمين بالوضع اللبناني.
وكانت الأصداء وردود الفعل على المواقف التي أطلقها تباعاً رئيس مجلس النواب، نبيه بري، ورئيس حزب القوات اللبنانية، في محطتين متعاقبتين، حركت مزيداً من التفاعل الداخلي في شأن ملف الأزمة الرئاسية، ولو أن هذه الأصداء لا تعني، وفق تأكيد مصادر نيابية لـ«البيان»، وجود معطيات جدية كافية تحمل على توقع تحريك جديد قريباً لهذا الملف العالق منذ 31 أكتوبر 2022.
ذلك أن المعطيات الجدية، المتوافرة في هذا السياق، لا تجزم بتحرك جماعي للسفراء الخمسة في وقت وشيك على الأقل، إلا إذا برزت معطيات طارئة تبعث على التفاؤل في إمكان أن يحدث تحرك دولي جديد أثراً فعالاً في مسار الأزمة.
وفي هذه المعطيات أيضاً، أن أعضاء اللجنة الخماسية يشددون على إقفال صفحات الشغور الرئاسي المفتوحة، والتوجه إلى انتخاب رئيس يكون محل قبول عند المجموعة ولا يكون على عداء أو تنافر مع دولها.
كما يشار في هذا السياق إلى معلومات تفيد بأن واشنطن في قلب الحراك المتجدد، وأن النظرة الأمريكية إلى الملف الرئاسي تتسم باستعجال حسمه، بعيداً عن المواصفات الاستفزازية أو التحدي من هذا الطرف أو ذاك، بل مع مواصفات توافقية، تفضي إلى رئيس للجمهورية على صلة بكل الأطراف ولا يشكّل استفزازاً أو تحدياً لأي طرف.
وفي تحليل العلم الرئاسي، فإن ثمة إجماعاً على أن هذه الدينامية المستعادة على الضفة الرئاسية لن تُحدث في الشغور تبديلاً، لأن معادلة ثنائي حركة أمل – حزب الله، أي الحوار قبل الرئاسة، لم تتغير حتى اللحظة، ولن تتغير، شأنها شأن الستاتيكو الرئاسي السلبي، قبل سكوت المدافع في غزة واتضاح معالم التسوية الكبرى وحصة كل فريق إقليمي فيها. أما في نقاط الاستهداف الرئاسي مجدداً، فأشارت مصادر في اللجنة الخماسية لـ«البيان»، إلى أن الرأي الأمريكي والسعودي والفرنسي يتحدث عن ضرورة إنجاز الاستحقاق الرئاسي في لبنان قبل تبلور الصورة الرئاسية الأمريكية وانتهاء ولاية الرئيس الأمريكي جو بايدن، وإلى أن الحركة ستبدأ منتصف سبتمبر الجاري.
أما على الجانب الآخر من الصورة، فلا تزال الأوساط السياسية على اختلافها، تتبع الاتصالات الدبلوماسية الجارية لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، معولة انسحابه على الجبهة الجنوبية، بما يعيد الاهتمام إلى الاستحقاق الرئاسي وسواه من القضايا الداخلية المطروحة، في وقت بدا من المواقف السياسية أن المبادرات الجارية حول هذا الاستحقاق كأنها تهدف إلى تمهيد الأجواء للشروع في إنجازه فور حصول الهدوء على الجبهة الجنوبية ونضوج ما يطبخ من تسوية إقليمية.
جرد حساب
وفيما لا يزال لبنان تائهاً في «زحمة» المبادرات، التي لا يبدو حتى الآن أنها قادرة على فتح أي ثغرة في حائط رئاسته الأولى، يجدر التذكير بأن الجلسة الـ12 الرئاسية (الأخيرة) كانت أسفرت، في 14 يونيو من العام الماضي، عن رسْم ميزان قوى نيابي جديد، وإن أُغلِقت على شغور ممتد حتى إشعار آخر، بفعل عدم مبادرة رئيس مجلس النواب إلى تحديد موعد للجلسة الـ13، الأمر الذي أرسى مرحلة شديدة الوطأة، وكان من شأنها إطالة أمد الشغور الرئاسي حتى اليوم.
وهكذا، طُويت صفحة الجلسة المفصلية في المواجهة الرئاسية الأخيرة بين الوزيرين السابقين، جهاد أزعور، وسليمان فرنجية، ومعها ارتفع منسوب الكلام المعارِض عن أن المعركة ليست بين شخصيْن أو طامحيْن للرئاسة، بل بين خطّيْن ونهجيْن ومشروعيْن، بين من يريد الدولة ومن يريد الدولة والدويلة معاً. وما بينهما، ما أنتج حتى الآن كتلة الخيار الثالث، التي خرقت الاصطفاف، وأنشأت خط الورقة البيضاء أو التصويت لأسماء قد ترتفع أسهمها في مسار انتخاب الرئيس الرابع عشر للجمهورية ما بعد الاستقلال، والسادس ما بعد اتفاق الطائف.