أبرزت التطورات الدبلوماسية والميدانية حيال الوضع الميداني الحربي الآخذ بالتفاقم والتصعيد على الجبهة الجنوبية للبنان مع إسرائيل أن سباقاً خطيراً عاد يطبق على لبنان مجدداً، بين احتمالات الحرب، وجهود الطاولات لمنع اتساعها.
فيما هز حدث أمني خطير كل لبنان، تمثل في إقدام إسرائيل على تفجير أجهزة الاتصال، التي يحملها مئات عناصر حزب الله، وإصابة الآلاف بجراح بالغة في مختلف أنحاء لبنان.
وتدحرجت الأوضاع الأمنية بين إسرائيل وحزب الله، أمس، بشكل دراماتيكي، إذ أعلنت تل أبيب عن إحباط محاولة من الحزب لاغتيال رئيس الأركان السابق، أفيف كوخافي، عبر عبوة ناسفة، ليأتي الرد أسرع من المتوقع بعملية غريبة شكلت الاختراق الأمني الأوسع على الإطلاق لحزب الله.
وتمثلت في سلسلة انفجارات، استهدفت مئات العناصر في مختلف المناطق اللبنانية، لا سيما في الضاحية الجنوبية لبيروت والجنوب والبقاع، عبر تفجير أجهزة اللاسلكي، التي يحملونها من خلال بطاريات الليثيوم التي تحويها.
وفي ضوء هذين التطورين الأمنيين ارتفع منسوب الكلام عن أن الأيام القليلة المقبلة تنطوي على أهمية استثنائية لجهة اختبار الجهود المتقدمة، التي يبذلها الموفد الأمريكي إلى لبنان وإسرائيل، عاموس هوكشتاين، الذي عاد إلى إسرائيل أولاً، في ما يمكن أن يشكل وفق المعلومات أيضاً، إحدى أكثر محاولات الإدارة الأمريكية جدية في الضغط على إسرائيل، لمنعها من تنفيذ قرار صار ناجزاً وجاهزاً لتحويل وجهة التصعيد الحربي نحو لبنان.
ووفق تأكيد مصادر سياسية متابعة لـ «البيان» تكتسب هذه المحاولة أهمية مزدوجة، إذ تسابق من جهة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، كما تسابق من جهة مقابلة إمكان توظيف الحكومة الإسرائيلية لهذه الانتخابات في تنفيذ مغامرة كبيرة في لبنان. وتبعاً لذلك تركزت الأنظار أكثر فأكثر على احتمال زيارة هوكشتاين لبيروت بعد زيارته لإسرائيل، ولو أن الآمال المعلقة على مهمته تبدو واهية وضعيفة.
معطيات متقاطعة
ووسط الانشغال المحلي برصد المعلومات المسربة عن لقاءات هوكشتاين في إسرائيل، لمعرفة ما إذا كانت بيروت ستكون محطته التالية، تبعاً للنتائج والمناخات، التي وجدها لدى المسؤولين الإسرائيليين حيال الجبهة الشمالية، فإن المعطيات التي طبعت مناخات المراجع اللبنانية الرسمية، السياسية والعسكرية، بدت متقاطعة مع معطيات حزب الله في استبعاد جدية التهويل الإسرائيلي بعملية برية.
وإن كان ذلك لم يقلل في المقابل من قتامة الانطباعات لدى أوساط معنية، ازداد توجسها من المعالم التصعيدية الآخذة في الاتساع على الجبهة الجنوبية وتخشى، حتى في حال استبعادها حرباً واسعة، من استشراف حرب الاستنزاف وتماديها لوقت طويل، لتحويل المناطق الحدودية الأمامية إلى أرض محروقة. وقد تعززت هذه المعطيات في ظل ما تردد عن أن هوكشتاين أبلغ في إسرائيل موقفاً جامعاً على الاتجاه لتوسيع العمليات العسكرية في لبنان.
ضغطان
أما على المقلب الآخر من الصورة فإن ثمة كلاماً عن أن هوكشتاين يجري محادثاته وهو تحت ضغطين: ضغط الحكومة الإسرائيلية، التي تلوح بتوسيع الحرب مع حزب الله، في حال عدم إعادة مستوطني الشمال إلى مناطقهم، ورفض حزب الله المتواصل لوقف حرب الاستنزاف، التي يخوضها في حال لم تتوقف النار في غزة.
وهذه المعطيات، وفق القراءات المتعددة، تجعل محادثات الوسيط الأمريكي في تل أبيب مجرد محاولة دبلوماسية جديدة، تمنع توسع الحرب، وذلك وسط سباق محموم بين نوايا إسرائيل التصعيدية ضد لبنان، والمساعي الأمريكية لضبط اندفاعة بنيامين نتنياهو، فهل ينجح هوكشتاين في لجم اندفاعة تل أبيب نحو توسيع حربها على حزب الله؟
فرصة أخيرة
ووصفت مصادر مطلعة لـ«البيان» زيارة هوكشتاين بالفرصة الأخيرة، في الوقت الذي يصطدم مسعاه بالسقوف الإسرائيلية المرتفعة، ذلك أن الموفد الأمريكي، الذي حمل معه مسعى اللحظة الأخيرة لتبريد حماسة الجبهة السياسية في تل أبيب لإشعال الجبهة مع لبنان.
ووفق المصادر نفسها طرح مجموعة أفكار للحل في سياق نزع صاعق التفجير، وحمل حزمة تنبيهات إلى القيادة الحربية الإسرائيلية، لكنه اصطدم ظاهرياً بالتباينات الداخلية الإسرائيلية، وجديدها القديم، المقاربات المختلفة بين بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت.
وثمة إجماع على أن كل المؤشرات تنذر بالخطر الداهم على الحدود الجنوبية، لا سيما أن الإسرائيليين رفعوا سقف التهديد بتغيير الوضع في الشمال، وهو ما عبر عنه بنيامين نتناهيو خلال لقائه هوكشتاين قائلاً: سنفعل ما يلزم لحماية أمننا وإعادة السكان، ولا يمكن إعادتهم من دون عمل أمني جذري، لكن هذا المستوى من التهويل، وفق قول مصدر سياسي بارز لـ«البيان» سيظل تحت السقف الأمريكي حتى إشعار آخر.