من خلف دخان النار، الذي أخذ يلف مدينة ومخيم جنين شمالي الضفة الغربية، يحاذر الفلسطينيون من استنساخ غزة، مع استمرار عمليات الجيش الإسرائيلي في المدينة ومخيمها لليوم السادس، مخلفاً دماراً كبيراً.
ومع الانحسار النسبي للمواد التموينية، إثر الحصار المشدد المفروض على مدينة ومخيم جنين، عبّر فلسطينيون عن خشيتهم من أزمة حقيقية قد تحدث، ليس أقلها نفاد الخبز ومياه الشرب، فالمحال التجارية مقفلة، وبعضها طالها التدمير، فيما الحصار المضروب على المنطقة، يحظر دخول المواد الغذائية.
ويقول فلسطينيون إن مدينة جنين انتقلت إلى طور جديد في خضم اجتياحها، فلجأت إلى ترسيخ مبدأ التكافل الاجتماعي، بينما نهضت مبادرات من القرى والبلدات المجاورة، لإيصال بعض الغذاء والدواء للسكان المحاصرين، رغم صعوبة الظروف المحيطة.
يقول أحمد تركمان (35 عاماً): «بدأ الخوف يتسلل ويتعاظم عند الأهالي، مع استمرار اجتياح مدينة جنين ومخيمها، وتوسيع عمليات الجيش الإسرائيلي فيهما، ما يدفع نحو أزمة أعمق، الاجتياح شل عصب الحياة، وأعمال الناس كلها باتت معطلة»، منوهاً بأن شبح الجوع بدأ يقرع الأجراس، مع نقص التموين، ما يلقي بظلال «غزة ثانية» في الضفة.
قبل اجتياح الجيش الإسرائيلي لمخيم جنين، كان حديث الفلسطينيين ينصب على الأزمة المالية التي تعصف بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا»، وصعوبة تأمين احتياجات السكان في ظل حرب غزة، لكن بعد أن وقعوا في شرك الحرب، لا شيء يتردد على ألسنتهم أكثر من: كيف سيكون الحال مع تقويض «الوكالة» والاجتياح؟.. وهل سيستقر بهم الحال على حلول تخرجهم من ضائقتهم؟.
أما في الأوساط السياسية، فيرى مراقبون في العملية الإسرائيلية في الضفة، وتحديداً مدينة ومخيم جنين، ما يعكس صورة متعمدة للزج بها في دائرة النار، لمآرب سياسية، أهمها إبقاء المنطقة مشتعلة، وقطع الطريق على الجهود الدبلوماسية.
ضربة استباقية
يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية، رائد نعيرات، إن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أراد أن ينقل كرة النار من غزة إلى الضفة، وتوجيه ضربة استباقية للجهود السياسية، مبيناً أن عمليات الجيش الإسرائيلي في مناطق الضفة، ظاهرها كبح جماح المجموعات المسلحة، وباطنها سياسي، يصب في قناة إبقاء النار مشتعلة في مختلف الأراضي الفلسطينية، خدمة لمصالحه الشخصية والحزبية والسياسية.
ويستوقف نعيرات صور الحصار والتجويع في قطاع غزة، منذ الأيام الأولى للحرب، محذراً من سعي نتنياهو لتكرار المشهد في الضفة الغربية، انطلاقاً من مدينة ومخيم جنين، ما يضع الضفة في فوهة الانفجار.
وثمة من المراقبين من يرى في استدارة نتنياهو نحو برميل البارود الذي ترقد عليه الضفة، ما يشي إلى أن نهاية الحرب على قطاع غزة باتت وشيكة، ولم يبقَ منها سوى اكتمال ترتيبات «اليوم التالي»، بكل ما ينطوي عليه من أبعاد أمنية وسياسية، وخصوصاً بعد تعيين إسرائيل حاكماً عسكرياً لقطاع غزة.
وعليه، أراد نتنياهو أن يضرب «استباقياً» معاقل الضفة، فانقض عليها بمسيّراته وآلياته، وأحكم حصارها، كيلا يكون الحل توازياً في غزة والضفة، ولكي يقفل باب الدوحة – القاهرة، الذي بالكاد يمر منه ريح التهدئة.