لا يعيش سوق العمل في بريطانيا أفضل أحواله، فالبلد يقاسي أزمة نقص حاد للأيدي العاملة في عدد من القطاعات الأساسية، بينها: المهندسون المدنيون، والمهنيون العاملون في مجال الرعاية الاجتماعية، وسائقو الشاحنات، والعاملون في قطاع البناء، بالإضافة إلى قطاعي الصحة والتعليم.

وبحسب دراسة للمركز الدولي للحياة في بريطانيا، فإن قطاع العمل في المملكة المتحدة من المتوقع أن يصل النقص فيه بحلول 2030 إلى 2.6 مليون وظيفة.

كما شهد 2022 عدداً قياسياً في الوظائف الشاغرة، سجل 1.1 مليون وظيفة، تكافح شركات عدة لملئها.

أسباب النقص

عدد من الأسباب تجمعت وأدت إلى نقص الأيدي العاملة، أهمها: مغادرة عدد كبير من الأوروبيين بريطانيا خلال مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي، وبعد إتمامه خوفاً من فقدانهم عديد الامتيازات والمساعدات التي كانت متاحة لهم عندما كان البلد عضواً في التكتل.

جائحة «كورونا» هي الأخرى تسببت في إغلاق وإشهار شركات إفلاسها، وفقدان وظائف وعدم تمكن العاملين من إيجاد وظائف بديلة تلبي خبراتهم.

فيما ساهم التضخم الحالي وارتفاع مستوى المعيشة بفعل الأزمة، حيث أدى تآكل قيمة الرواتب إلى البحث عن وظائف تلبي الاحتياجات المالية سواء داخل بريطانيا أم خارجها.

وزارة الداخلية أضافت عدداً من المهن إلى قائمة «المهن التي تعاني من نقص ملحوظ»، بهدف إدخال تسهيلات تمكن العاملين الحصول على تأشيرة عمل تمكنهم من القدوم إلى المملكة المتحدة.

بعد تأشيرة الزراعة التي قدمتها وزارة الداخلية خلال فترة جني المحاصيل الزراعية، بسبب نقص الأيدي العاملة، قدمت الداخلية تسهيلات في تأشيرات عمال البناء، وسائقي الشاحنات، والمهندسين المدنيين، والتمريض.

خلال عام كامل، بدءاً من مارس 2020، أصدرت الحكومة 102 ألف تأشيرة للعمال المهرة، وتأشيرات صحية، وأخرى رعاية اجتماعية، أي بزيادة 171 % عن 2019.

بينما اتهمت أحزاب المعارضة مخططات الحكومة بـ«العبثية»، فوصف حزب العمال نهج الحكومة في التعامل مع تأشيرات العمل بـ«الفوضوي»، حيث أدى ذلك إلى نقص حاد في المهارات على حد وصف الحزب.

كنز اللاجئين

ومع وصول آلاف طالبي اللجوء إلى بريطانيا سنوياً، سواء بشكل قانوني أم غير قانوني، فإن المملكة المتحدة تمتلك كتلة بشرية كبيرة متعددة المواهب، يمكن لها أن تساعد بشكل مباشر في تخفيف أزمة نقص العمالة، لكن سياسات الحكومة البريطانية و«بيروقراطية» القوانين تمنع الاستفادة من طالبي اللجوء.

عمار بجبوج، المحامي المختص في قضايا اللجوء، قال لـ«البيان»، إن الحكومة الحالية لا تتساهل بمساعدة طالبي اللجوء في الحصول على حق العمل حتى وإن مثلوا حلاً للأزمة، لأنها تسعى إلى إعادة ترحيلهم بكل السبل الممكنة، حيث إن أي موافقة لعمل طالب اللجوء سوف تؤدي إلى حصوله على رقم وطني، وحساب بنكي، وبالتالي اندماجه مع الوقت في المجتمع، ما يعني أن وزارة الداخلية سوف تقبل في النهاية طلب لجوئه، الأمر الذي تحاول «الداخلية» تصعيبه، وذلك يتضح من خلال الخطط المتعددة التي تضعها «الداخلية» للحد من اللجوء.

أما باتريك ديموند، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة «كوين ماري»، فصرح لـ«البيان» أن طالبي اللجوء يحق لهم التقدم بطلب للعمل بعد ستة أشهر من تقديم الطلب، وإذا ما وافقت «الداخلية» على طلبهم فإن ذلك سيكون خبراً ساراً لهم وللبلاد، لأنهم مع عملهم وكسبهم للمال سيصبحون قادرين على إعادة بناء حياتهم وسوف يساعدون أيضاً في حل مشكلة النقص المتزايد في الأيدي العاملة والمهارات في المملكة المتحدة، كما أن قدرتهم على كسب الأموال سوف تزيل العبء عن دافعي الضرائب الذين يتحملون تكاليف مسكن واحتياجات طالبي اللجوء.

هذا النموذج، وفق باتريك ديموند نجح في عدد من الدول، مثل: البرتغال، والسويد، حيث يسمحان لطالب اللجوء بالعمل على الفور، فيما تسمح ألمانيا، وبلجيكا بالعمل بعد ثلاثة أشهر، إلا أن قوانين العمل في بريطانيا تمنع إلى الآن تطبيقه.

الحكومة البريطانية أمام حل مشكلة التوظيف ونقص الأيدي العاملة تلجأ لجميع الخيارات المكلفة وتستبعد الخيار الأقل تكلفة وهو السماح لطالبي اللجوء بالعمل بسبب تعارضه مع خططها لترحيلهم.

شاركها.