يفاقم الانقلاب الحالي في الغابون، بعد استيلاء عسكريين على السلطة عقب إعادة انتخاب الرئيس علي بونغو، وتيرة الاضطرابات الأمنية والسياسية في منطقة ملتهبة بالقارة السمراء التي صارت على موعدٍ مُتكرر من انقلابات متفرقة، تجمعها عدد من العوامل المشتركة.

يُشكل «انقلاب الغابون» حالة فريدة من نوعها؛ بالنظر إلى كون البلاد تتمتع باستقرار سياسي نسبي منذ استقلالها عن فرنسا في 1960، ولم تطلها يد الانقلابات – باستثناء محاولتين فاشلتين؛ في 1964 و2019 – كما أنها دولة تزخر بموارد طبيعية وثروات مهمة (الأخشاب واليورانيوم والمنغنيز والمغنيسيوم)، علاوة على كونها من أهم خمس دول مُنتجة للنفط في أفريقيا جنوب الصحراء، وهي عضو في منظمة «أوبك».

أهمية الغابون من الناحية الاقتصادية جعلت العالم يتابع عن كثب التطورات الجارية فيها.

المأزق الفرنسي

الانقلاب الذي جاء بُعيد أسابيع قليلة من استيلاء عسكريين على السلطة في النيجر، وشكل ضربة للمصالح الفرنسية في القارة السمراء، يؤكد المأزق الفرنسي في أفريقيا، طبقاً لنائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية، صلاح حليمة، الذي يقول لـ «البيان» إن ارتباط الانقلاب بمناطق النفوذ الفرنسي القديمة يعكس رسالة بأن العلاقة بين باريس وتلك المناطق يعوزها التوازن، وأن يكون هناك نوع من الشراكة العادلة.

ويشدد حليمة على أن «التطورات الجديدة التي يشهدها العالم، ومن بينها توسع مجموعة بريكس والدور الفاعل للصين وروسيا ودول إقليمية من بينها دول عربية وارتباطها بالدول الأفريقية، تعزز ضرورة وجود مقاربة جديدة تجعل من الدول الأفريقية أكثر قرباً واستمراراً لمثل هذه العلاقات».

ويضيف: «بينما يعكس ذلك الانقلاب مؤشراً على أنه حتى النظم الديمقراطية لم تشعر شعوبها بتحسن ملموس في النواحي الاقتصادية والاجتماعية، فإنه من الضرورة بمكان أن تكون هناك مقاربة جدية تتعلق بنظم الحكم والأوضاع في القارة الأفريقية»، لافتاً إلى أن كثيراً من الأمور مرتبطة كذلك بالصراع الدائر حول الموارد الطبيعية «على غرار النفط في الغابون واليورانيوم في النيجر».

اللحمة الاجتماعية

داخلياً، يجعل الانقلاب اللحمة الاجتماعية في الغابون مهددة بشكل كبير في الوقت الحالي، وفي ضوء دوافع الانقلاب المرتبطة بالأوضاع السياسية والاقتصادية بالبلاد والتشكيك في الانتخابات، وفق نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية، الذي يوضح أن «الانقلاب مرتبط بمنطقة النفوذ الفرنسي مرة أخرى، وذلك بعد سلسلة من الانقلابات التي انتقلت كالعدوى التي بدأت في بوركينا فاسو والنيجر وتشاد».

وبحسب خبير الشؤون الأفريقية، رامي زهدي، فإنه بينما يمثل انقلاب الغابون الـ 206 تقريباً في تاريخ القارة الأفريقية خلال 70 عاماً تقريباً، فإنه يُعد ظاهرة غريبة هذه المرّة على اعتبار أن الغابون دولة كانت مستقرة سياسياً بشكل كبير، وهي تتمتع بثروات طبيعية تؤهلها لتكون دولة غنية ومن أعلى البلدان بالقارة من حيث دخل الفرد، ومنذ استقلالها في 1960 عن فرنسا تعاقب عليها ثلاثة رؤساء فقط، وتسيطر عائلة الرئيس علي بونغو على المشهد بالبلد منذ أكثر من 55 عاماً تقريباً.

وبحسب زهدي، فإن هذه الأحداث من شأنها أن تؤثر على الأمن والسلم في القارة، في منطقة كانت إلى حد قريب بعيدة نسبياً عن حزام الانقلابات، لكنها في الظروف الصعبة الحالية انتقلت إليها العدوى، حتى صار نحو 80% من مساحة القارة الآن ترزح تحت وطأة الصراعات.

شاركها.