من الواضح أن الانقلاب في النيجر يهدد مصالح الغرب، في منطقة الساحل الأفريقي، بخاصة فرنسا، المهددة بفقدان آخر أوراقها في تلك المنطقة.
يمثل ذلك البلد الحبيس الواقع غرب القارة السمراء أهمية استراتيجية لفرنسا بعد انسحاب قواتها من مالي. ويتواجد 1500 جندي فرنسي في النيجر.
استقرار هذا البلد يعني الكثير بالنسبة لأوروبا، لا سيما في ضوء المخاوف المرتبطة بروسيا التي تعمل لتعميق وتوسيع نفوذها في أفريقيا.
أهمية نيامي
يقول الكاتب والمحلل السياسي، علي المرعبي، في تصريحات لـ«البيان» من باريس: إنه من الطبيعي أن تتحرك فرنسا بشكل سريع وواسع النطاق نظراً لأهمية نيامي بالنسبة لباريس، لا سيما بعد تراجع الدور الفرنسي في القارة، خصوصاً في السنوات الأخيرة في مالي وبوركينا فاسو وأيضاً العلاقات السياسية غير المستقرة مع الجزائر.
تمثل النيجر لفرنسا أهمية استراتيجية كبرى، فعلاوة على البعد العسكري، تشكل النيجر مورداً مهماً لليورنيوم الذي تستعمله باريس في المفاعلات النووية لديها، سواء لتوليد الطاقة الكهربائية وللأغراض العسكرية، بحسب المرعبي الذي يوضح أن «رد الفعل الفرنسي السريع إزاء الانقلاب في النيجر وعقد اجتماع دفاعي طارئ كان متوقعاً».
ويضيف: «أتصور أنه سيكون هناك تحالف غربي ضد الانقلابيين في النيجر، ليس دعماً للديمقراطية ولكن بسبب المصالح الاقتصادية والسياسية والحضور الغربي فيها»، مشيراً في الوقت ذاته إلى مخاوف واشنطن جراء وجود قاعدة عسكرية لها هناك (قاعدة الطائرات المسيرة التي تم إنشاؤها شمالي البلاد في 2014 بحوالي 500 مليون دولار).
ويشدد المرعبي على ضرورة أن يأتي التحرك الفرنسي ضمن سياسة واقعية تراعي الكثير من الجوانب، حتى ما إذا حدث تدخل عسكري لا ينعكس سلباً على فرنسا نفسها، لافتاً إلى أن «الأمور غير واضحة المعالم حتى الآن فيما يجري في النيجر، ولكن من دون أدنى شك كل ذلك لا يخدم السياسة الأمريكية ومصلحة حلف الناتو».
خسائر فرنسا
ومن باريس أيضاً، يشير الكاتب والمحلل السياسي نزار الجليدي، في تصريحات لـ«البيان»، إلى أن النيجر تعد آخر معاقل فرنسا في المنطقة، وكان رئيسها محمد بازوم، آخر حلفاء باريس في منطقة الساحل الأفريقي، والورقة الوحيدة التي تؤمن بشكل أو بآخر مصالح باريس في هذه المنطقة.
ويُبرر الجليدي الخسائر التي مُني بها الحضور الفرنسي في القارة لعدد من الأسباب، أهمها ما وصفه بـ«الفشل الذريع للدبلوماسية الفرنسية وخروجها من المشهد مع افتقاد الرئيس إيمانويل ماكرون إلى رجال في الدبلوماسية من أبناء المدرسة الديغولية القديمة».
ويضيف إلى ذلك سبباً آخر مرتبطاً بـ«رغبة الشعوب الأفريقية في تغيير النموذج، وهو ما تُعبر عنه بشكل أو بآخر سلسلة الانقلابات التي شهدتها القارة، وهي 7 انقلابات في غضون أربع سنوات تصب غالبيتها ضد المصالح الفرنسية، في مالي وبوركينا فاسو وغينيا والنيجر».
ويضيف: «هذه المنطقة محاطة بعديد من المخاطر، وبشكل خاص المخاطر الممثلة في الجماعات المتطرفة التي تؤثر على دول قريبة مثل تونس وليبيا والجزائر ومنطقة شمال أفريقيا عموماً، ومنها إلى أوروبا، حيث يستعيد الدب الروسي مكانه هناك في القارة الأفريقية، بينما موسكو لا تملك ذهنية المستعمر، وشريكتها في الكواليس (الصين) تمتلكان سياسة الند بالند».