قرار بريطانيا بالتعليق الجزئي لصادرات الأسلحة إلى إسرائيل، فتح ملف المعادلة القائمة بين التسليح وأهداف الحرب، بين التحقيق والفشل. فإسرائيل تواصل حربها على قطاع غزة منذ نحو 11 شهراً، متسببة بمقتل أكثر من 40 ألف فلسطيني، وإصابة نحو 94 ألفاً آخرين، فضلاً عن سياسة الأرض المحروقة، التي حولت غزة إلى كتلة من الدمار. ورغم ذلك، لم يتمكن الجيش الإسرائيلي من الانتصار على الفصائل، ولا حتى استعادة الأسرى المحتجزين في القطاع، بالقوة العسكرية.
تل أبيب حصلت على دعم عسكري ضخم من دول عدة حول العالم، وبخاصة الولايات المتحدة، التي تشير تقارير إلى أنها أرسلت نحو 50 ألف طن من الأسلحة والذخائر إلى إسرائيل، منذ بدء الحرب في غزة. ومع ذلك، تؤكد إسرائيل حاجتها المستمرة للدعم، وتقول إن تعطيل أو منع أي شحنات أسلحة إليها، يؤثر في القدرات القتالية لجيشها.
30 رخصة
التعليق البريطاني الأخير لمبيعات أسلحة لإسرائيل، لا يعني الكثير فعلياً، إذ إنه يشمل 30 رخصة تصدير من أصل 350. ورغم أن هذا القرار تبعه تعهد بريطانيا بعدم تهديد قدرة إسرائيل على «الدفاع عن نفسها»، إلا أن إسرائيل عبّرت عن موقفين: الغضب والتقليل من شأن القرار، حيث وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو القرار، بأنه مشين، ثم قلل من شأنه بالقول، إن «أهداف إسرائيل ستتحقق، بأسلحة بريطانية أو من دونها».
عندما بدأت حرب غزة، كانت إحصاءات الإنفاق العسكري الإسرائيلي تقدر بـ 17.2 مليار دولار، حسب موقع «ستاتيستا» الأمريكي.
لكن مع بدء الحرب في الـ 7 من أكتوبر الماضي، زاد الإنفاق العسكري الفعلي ليصل إلى نحو 22.7 مليار دولار.
ومع استمرار الحرب في 2024، بلغ حجم الإنفاق العسكري الإسرائيلي نحو 30.5 ملياراً، وهو رقم يمثل الميزانية المعتمدة، وليس الإنفاق الفعلي، الذي يمكن أن يسجل أرقاماً أكبر، إذا استمرت الحرب حتى نهاية العام، بحسب ما أوردت وكالة سبوتنيك الروسية.
ويشير الموقع الأمريكي إلى أن الفارق بين الإنفاق العسكري، يكشف أن حجم الزيادة في الإنفاق تجاوزت 87 % في 2024، مقارنة بـ 2023.
واحد في المئة
وتمثل الصادرات البريطانية أقل من واحد في المئة من إجمالي الأسلحة التي تتلقاها إسرائيل. لذلك، من المنطقي أن يقول وزير الدفاع البريطاني جون هيلي، إن التعليق لن يكون له تأثير مادي في أمن إسرائيل، وإن بريطانيا مستمرة في دعم «حقها في الدفاع عن النفس».
ورغم أن الأسلحة تستخدم عادة في العمليات القتالية، إلا أن بعض المسؤولين البريطانيين ربطوا قرار التعليق بسياسات إسرائيل تجاه الأسرى الفلسطينيين في سجونها!
إذن، لماذا غضبت إسرائيل من القرار البريطاني، رغم انعدام فعاليته؟ ولماذا صدر عن قادتها تعليقات قاسية بحق حليفها الوثيق، الذي تدين له بتأسيسها، منذ وعد بلفور؟.
في الردود الإسرائيلية، قيل إن هذا القرار يشجع أعداء إسرائيل على «مواصلة حربهم ضدها»، أو أنه يعيق استعادة الأسرى الإسرائيليين. لكن في خلفية الموقف الغاضب، تكمن مخاوف من أن يكون «أول الغيث قطرة»، أي أن تسهم الضغوط الداخلية في دول وازنة وحليفة لإسرائيل، في اتخاذ قرارات أكثر أهمية، وتتدحرج الأمور نحو نقطة نوعية، تكون عندها هذه القرارات ذات تأثير فعلي، تبدأ عسكرياً، وتنتهي سياسياً واقتصادياً.