غونزالو غارسيا توريس، لاعب كرة قدم إسباني وُلد عام 2004 في العاصمة مدريد. أحد أبرز المواهب الصاعدة في أكاديمية ريال مدريد الشهيرة “لافابريكا”.
بفضل موهبته في إحراز الأهداف، فرض نفسه سريعا ضمن صفوف الفريق الأول، وأصبح أحد نجوم بطولة كأس العالم للأندية في نسختها عام 2025 في الولايات المتحدة الأميركية.
تحت قيادة المدرب تشابي ألونسو، حصل على فرصة غير متوقعة لتعويض مهاجم الريال كيليان مبابي، الذي غاب بسبب المرض، لكن مشاركته تجاوزت دور البديل الطارئ، بعدما أثبت جدارته في قيادة خط الهجوم.
أحرز 4 أهداف في 5 مباريات، متفوقا على انطلاقة أسطورة النادي راؤول غونزاليس، الذي احتاج إلى 10 مباريات حتى يسجل 5 أهداف.
وصفه موقع الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بـ”النجم الذي يتألّق في صمت”، وبدأت وسائل الإعلام تقارنه بالمهاجم التشيلي إيفان زامورانو، وتصفه بـ”مستقبل الرقم 9 في ريال مدريد”، و”خليفة راؤول” و”مفاجأة ألونسو السارة في مونديال الأندية”.
تصدر قائمة هدافي مونديال الأندية عام 2025، متساويا بالمهاجم الأرجنتيني أنخيل دي ماريا من نادي بنفيكا البرتغالي وماركوس ليوناردو من نادي الهلال السعودي.
المولد والنشأة
وُلد غونزالو غارسيا توريس، المعروف بـ”غونزاليس”، يوم 24 مارس/آذار 2004 بالعاصمة الإسبانية مدريد، في أسرة مكوّنة من 3 أبناء، تجمع بين الانخراط في عالم الأعمال والإرث الرياضي العريق.
ينتمي إلى عائلة متعددة الاهتمامات، فوالده شغل منصب مدير تنفيذي في شركة سياحية، مقرها في بالما دي مايوركا، بينما تتحدر والدته من عائلة توريس موروت، إحدى أبرزالعائلات في رياضة الريغبي في إشبيلية، إذ مثّل 4 من أقاربه المنتخب الإسباني في تسعينيات القرن الـ20.
ويمتد ارتباطه بالرياضات التقليدية أيضا عبر جده لأمه، مانويل توريس، الذي كان من أشهر مصارعي الثيران في إسبانيا في ستينيات القرن الـ20، وأجبرته إصابة خطِرة على اعتزال الحلبة والانخراط في مهنة الطب.
وتمتد جذوره العائلية أيضا إلى عالم الفن، إذ تربطه صلة قرابة بالممثلة الأميركية الشهيرة ريتا هايورث، لأن جدته لأمه ابنة عم نجمة هوليود.
الدراسة والتكوين العلمي
تلقى تعليمه المبكر بين عامي 2008 و2010 في مؤسسة “سان إستانيسلاو دي كوستكا” التعليمية الدولية، وهي إحدى أبرز شبكات المدارس الخاصة في إسبانيا، وتتميّز بجمعها بين التعليم والتكوين الرياضي.
كما تعلم أيضا في أكاديميات جمعت بين التدريب الكروي والتعليم الأكاديمي الموازي.
التحق بجامعة “بيّانويفا” في مدريد، ضمن برنامج دبلوم مزدوج يجمع بين إدارة الأعمال وتحليل الأعمال، مع تخصّص دقيق في مجال البيانات الضخمة (البيغ داتا).
ويُعرف غارسيا في محيطه بأنه “ذو رأس مُؤثَّث جيدًا”، في إشارة إلى نضجه الفكري والتزامه الشخصي، ويعيش حياة منظمة تجمع بين كرة القدم والدراسة.
ويرى مدربه السابق، هيرنان بيريز، أن سرّ تطوّره يكمن في “ذكائه الشديد وسرعة استيعابه، فهو كالإسفنجة يمتص كل ما يتلقّاه”.
من ملاعب الهواة إلى “لافابريكا”
نشأ غارسيا في كنف عائلة اشتهرت برياضة الريغبي، التي مارسها في سن مبكرة قبل أن يتحول تدريجيا إلى كرة القدم.
بين السادسة والثامنة من عمره، انتقل رفقة أسرته إلى بلدة تيغري شمال العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، بسبب مهمة عمل مؤقتة لوالده. وهناك، التحق بنادي سانتا باربرا المحلي بين عامي 2010 و2012.
ويتذكره مارتن فرونتيرا، منسق كرة القدم في سانتا باربرا قائلا “كان طفلا صغيرا يراوغنا جميعا، ويرتدي دوما قميص ريال مدريد”.
وأضاف “كان يبلغ من العمر 8 سنوات يلعب مع أطفال يكبرونه سنًا بين 10 و11 عامًا، وكان ذا موهبة تميّزه عن الآخرين”.
وبعد تلك الفترة التحق بمدرسة “غاراما ريس”، وهي محطة رئيسية لمكتشفي المواهب في أندية مدريد. وكانت عائلته متلهفة لانضمامه، إلا أن مدير المدرسة، خوسيه غيريرو، كان يحثهم على الصبر “اصبروا، ريال مدريد سيأتي أيضا”.
أشرف المدرب دانييل أورتيز على تأهيله بين عامي 2012 و2014، ووصفه بأنه “كان سريعا سرعة لافتة رغم صغر سنه، ويتمتع بروح مسؤولية نادرة”.
وفي عام 2014، انضم رسميا إلى أكاديمية ريال مدريد العريقة في عمر 10 سنوات، وظهر في تشكيلتها متقدما على أقرانه بعام كامل. على مدار 4 أعوام في مركز فالديبيباس، تألق تألقا لافتا مما جعله واحدا من أبرز الوجوه الصاعدة في الفئات السنية للنادي الملكي.
في موسم 2018-2019، انتقلت عائلته إلى مايوركا لأسباب مهنية، ولعب هناك موسما، إلا أن شغفه وإصراره دفعاه للعودة إلى مدريد في عطلات نهاية الأسبوع، حفاظا على ارتباطه الوثيق بالأكاديمية.
الصعود إلى الفريق الأول
في موسم (2019-2020)، كان غارسيا عمره 15 عامًا، عندما قرّر العودة إلى مدريد للعيش مع جدّته، واستأنف تدريبه في أكاديمية “لافابريكا”، إذ واصل التدرج في مختلف الفئات العمرية.
بدأ مسيرته مع فرق الناشئين، ثم التحق بفريق ريال مدريد كاستيا، الرديف الرسمي للنادي، تحت إشراف أسطورة الفريق راؤول غونزاليس، الذي أشاد بانضباطه وقدرته على تسجيل الأهداف، بعدما درّبه عامين.
وشكّل موسم (2021-2022) نقطة تحوّل في مسيرته، إذ تمت ترقيته في يناير/كانون الثاني من العام نفسه إلى كاستيا، الفريق الأعلى ضمن فئة الشباب في هرم أكاديمية ريال مدريد. وشارك رسميا أول مرة في الموسم يوم 26 مارس/آذار 2022، بعد يومين فقط من احتفاله بعيد ميلاده الـ18.
ورغم موسم أول متواضع سجل فيه 5 أهداف فقط، إلا أن نجمه سطع في موسم 2022-2023، حين توّج هدافًا للدوري برصيد 25 هدفا، محققا رقما قياسيا في دوري الدرجة الأولى للاتحاد الإسباني لكرة القدم.
بهذا الرصيد من الأهداف، تفوّق على إيتا أونغ (19هدفًا) وأدريان فوينتيس (16هدفًا). كما ساهم بشكل كبير في تحقيق ثلاثية محلية تمثلت في الفوز بلقب الدوري وكأس الملك وكأس الأبطال، دون التعرض لأي هزيمة.
وعلى الصعيد القاري، تألق في دوري أبطال أوروبا للشباب، وسجل ثلاثية على نادي إنترسيتي، ورباعيتين أمام ميريدا والجزيرة الخضراء، وساهم في بلوغ ربع النهائي قبل الخروج أمام إيه سي ميلان بركلات الترجيح.
وفي موسم (2023-2024)، صعد إلى الفريق الأول، وتلقى أول استدعاء رسمي في 29 أغسطس/آب 2023 عقب إصابة فينيسيوس جونيور، حين أُدرج في قائمة الفريق لمواجهة نادي خيتافي ضمن الدوري الإسباني يوم 2 سبتمبر/أيلول.
ثم شارك أول مرة في 26 نوفمبر/تشرين الثاني، بديلا من مهاجم الفريق رودريغو غوس في الدقيقة 78 من مباراة الجولة 14 التي انتهت بفوز ريال مدريد على قادش. وبذلك أصبح ثاني لاعب من أبناء النادي يشارك مع الفريق الأول في ذلك الموسم بعد نيكو باز.
أداؤه اللافت مع كاستيا أكسبه ثقة المدرب كارلو أنشيلوتي، الذي منحه فرصة الظهور في كأس الملك. وقدّم لحظة حاسمة في مباراة ربع النهائي ضد ليغانيس، حين دخل بديلا قبل 8 دقائق من النهاية، وأحرز هدف الفوز بعد عرضية مميزة من المغربي إبراهيم دياز، وقاد ريال مدريد إلى نصف النهائي بـ(3-2).
وعقب اللقاء، قال “إنه أسعد يوم في مسيرتي إلى جانب ظهوري الأول”. هذا اليوم يتفوق عليه بسبب أهمية الهدف. وكشف أن قدوته على أرض الملعب هما النجمان البرتغالي كريستيانو رونالدو والفرنسي كيليان مبابي.
أنهى غارسيا موسم (2024-2025) بحصوله على لقب أقوى هدّاف لريال مدريد كاستيا، بعدما سجل 25 هدفًا في 36 مباراة ضمن دوري الدرجة الأولى لفئة الشباب.
المسيرة الدولية
يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول2021، سجّل غارسيا ظهوره الأول مع منتخب إسبانيا تحت 18 عاما، في مباراة ودية أمام تركيا. ومع تطوره المستمر، انضم إلى منتخب بلاده تحت 19 عاما، وشارك في بطولة أوروبا 2023.
خاض 7 مباريات دولية، وفي بطولة أوروبا، شارك أساسيا في مباراتي دور المجموعات أمام آيسلندا (فوز 2-1) واليونان (فوز 5-0)، كما دخل بديلًا أمام النرويج (تعادل 0-0).
وفي نصف النهائي، شارك أساسيا ضد منتخب إيطاليا، ثم استبدل في الدقيقة 57 حين كانت إسبانيا متأخرة بهدف، وانتهت المباراة بخسارة 2-3.
بطل غير متوقع في أميركا
خاض غارسيا 6 مباريات مع الفريق الأول لريال مدريد في موسمي (2023-2024) و(2024-2025)، سجّل فيها هدفا وقدم تمريرة حاسمة، في إطار استدعاءات متقطعة.
ورغم مشاركاته المحدودة، جذب أداؤه المتصاعد انتباه إدارة النادي، مما دفعها للتفكير فيه بديلا محتملا من المهاجم خوسيلو، الذي انتقل إلى الدوري القطري.
وبدلاً من التعاقد مع مهاجم جديد، قرر المدرب تشابي ألونسو منحه فرصة كاملة مع الفريق الأول، مستندا إلى أرقامه اللافتة مع كاستيا، وعقده المستمر مع النادي حتى يونيو/حزيران 2027.
وبعد توقيع عقده الجديد، قال “وصلت إلى النادي في سن الـ10، واليوم تحقق حلم الظهور الأول. لا شيء أعظم من ارتداء هذا القميص”.
وفي الانتقالات الصيفية، بحث النادي عن مهاجم احتياطي يشبه خوسيلو، يتقن التمركز وقابل لدور ثانوي ولا يتطلب استثمارا ماليا كبيرا. غير أن كأس العالم للأندية 2025 في الولايات المتحدة غيّر هذه المعادلة، وشكّل نقطة التحول في مسيرة غارسيا.
وبحسب صحيفة “ذي أتلانتيك” الأميركية، وصل غارسيا إلى أميركا ضمن بعثة الفريق وهو يفكر في الرحيل بحثا عن دقائق لعب، وكان مرشحا ليكون الخيار الثالث هجوميا، لكن إصابة لاعب الريال الشاب إندريك ومشكلات مبابي الصحية منحتاه فرصة غير متوقعة.
شارك غارسيا في دور المجموعات، وفرض نفسه بسرعة مهاجما صريحا (رقم 9) افتقده الفريق منذ رحيل كريم بنزيمة إلى الدوري السعودي.
راقب غارسيا مبابي طويلا في التدريبات، معترفًا بأن “ما يقدمه مذهل”. ومع غيابه، وجد فرصته الذهبية، فسجّل في أول ظهور أساسي أمام الهلال السعودي هدف العهد الجديد لألونسو، ونال جائزة أفضل لاعب.
واصل تألقه بصناعة هدف ضد باتشوكا المكسيكي وسجل هدفا أمام سالزبورغ النمساوي، ثم سجل هدفا أمام بروسيا دورتموند الألماني في ربع النهائي، فأصبح أول لاعب يسجل 4 أهداف في نسخة واحدة من البطولة منذ كريستيانو رونالدو عام 2016.
وتزايد تفاعل الجماهير مع اسمه بعدما كان مغمورا، وأشارت تقارير إلى أن حلمه الأميركي قد يتحول إلى بداية ثابتة لمسيرة طويلة في “النادي الأبيض”.
مهاجم متعدد الأدوار
غارسيا أحد أبرز خريجي أكاديمية ريال مدريد الجدد، إذ تميّز مهاجما متعدد الأدوار يتمتع بمرونة تكتيكية وقدرة عالية على التأقلم.
تدرّج منذ موسم (2022-2023) في حمل قمصان مختلفة (28، 31، 17، 33)، قبل أن يرتدي الرقم 30 في كأس العالم للأندية 2025، دلالة على تصاعد مكانته، دون أن يحمل الرقم 9 فعليا.
يوصف بأنه مهاجم متكامل، يجمع بين ذكاء الفرنسي كريم بنزيمة في التحرك وفتح المساحات، واندفاع النرويجي إريلينغ هالاند في الثلث الأخير من الملعب.
ويمتلك غارسيا بنية متوازنة وسرعة فعالة وتوازنًا بدنيًا واضحًا، إلى جانب إتقانه التسديد بقدميه معا، وضربات متقنة بالرأس.
بدأ اللعب في مركز الجناح الأيسر، وجُرّب في بداياته أيضا في مركز الظهير، غير أن قامته القصيرة لم تساعده على لفت الأنظار في المراحل الأولى.
لعب فترة في مراكز الوسط والدفاع، قبل أن يكتشف المدرب راؤول إمكانياته الهجومية ويمنحه فرصة في مركز المهاجم داخل نظام (4-3-3). بينما كان للمدرب ألفارو أربيلو دور محوري في إعادة توجيهه نحو مركز المهاجم.
وفي كأس العالم للأندية 2025، وظّفه تشابي ألونسو مهاجما وجناحا، وأشاد بذكائه التمركزي: “إنه يعرف دائمًا كيف يكون في المكان المناسب”، مشبّهًا إياه براؤول.
كما تميز أيضا بالتزامه الدفاعي وجهده الجماعي، مما يمنحه القدرة على تحقيق التوازن في خط هجوم يضم مبابي وفينيسيوس.
ورغم هذا التألق السريع، إلا أنه لا ينسى جذوره: “أن أسجل بقميص ريال مدريد شرف عظيم، وأنا ممتن لكل لحظة أعيشها هنا”.
القيمة السوقية
يعتمد الدخل الأساسي لغارسيا على عقده الاحترافي مع ريال مدريد، إلى جانب المكافآت المرتبطة بالأداء والمشاركات. وتُقدَّر قيمته السوقية بنحو 8.6 ملايين دولار أميركي، وفقًا لموقع “ترانسفير ماركت”.
وأشارت تقارير صحفية إلى أن نادي ريال مدريد حدد شرطا جزائيا في عقده يصل إلى 54 مليون دولار، بينما يقدّر خبراء الانتقالات سعر بيعه المحتمل بين 37.8 مليون و43.2 مليون دولار، مع اهتمام أندية أوروبية بارزة بخدماته.
الجوائز
- الدوري الإسباني (2023-2024).
- دوري أبطال أوروبا (2023-2024).
- كأس إنتركونتيننتال (2024).