يعد السير بوبي تشارلتون، أحد أعظم أساطير كرة القدم الإنجليزية ونادي مانشستر يونايتد، وقد رحل عام 2023 عن عمر ناهز (86 عاما)، بعدما ترك إرثا خالدا في تاريخ اللعبة.
وُلد روبرت تشارلتون في 11 أكتوبر/تشرين الأول 1937، في بلدة آشينغتون شمال شرق إنجلترا، حيث بدت موهبته في كرة القدم واضحة منذ نعومة أظافره.
ووصفه شقيقه الأكبر جاك بأنه “كان يملك شيئا خاصا منذ كان في الخامسة”، وهي الموهبة التي قادته ليصبح رمزا عالميا للرشاقة والقوة والانضباط.
بدأت مسيرة بوبي تشارلتون الكروية مبكرا بعد أن التحق بمانشستر يونايتد وهو في الـ15 من عمره، وشارك لأول مرة مع الفريق الأول عام 1956.
بعد عامين فقط، تعرّض تشارلتون لتجربة كادت أن تكتب نهاية مأساوية لمسيرته قبل أن تبدأ، حين نجا بأعجوبة من كارثة تحطم طائرة الفريق في ميونخ عام 1958، والتي راح ضحيتها 21 شخصا، من بينهم 8 من زملائه في فريق “بازبي بيبيز”.
أُصيب تشارلتون بجروح طفيفة فقط، لكنه حمل ألم الفقد داخل قلبه لسنوات، وكتب لاحقا “ينتابني أحيانا شعور بالذنب لأنني نجوت وواصلت النجاح، بينما رحل أولئك الذين أحببتهم”.
لكن بوبي لم ينهزم، بل عاد إلى الملاعب بعد أقل من شهر، وقاد فريقا مفككا إلى نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي في الموسم نفسه، مجسدا الروح الحديدية التي ميزت شخصيته.
ذروة مجد بوبي تشارلتون كانت عام 1966، عندما لعب دورا محوريا في فوز إنجلترا بكأس العالم على أرضها، وسجّل هدفين في نصف النهائي أمام البرتغال.
وبعد عامين، تُوّج مع مانشستر يونايتد بلقب دوري أبطال أوروبا، بتسجيله هدفين في النهائي أمام بنفيكا، ليصبح يونايتد أول نادٍ إنجليزي يحقق اللقب الأوروبي الأبرز.
امتاز تشارلتون بصفاته الأخلاقية بقدر ما امتاز بمهاراته الفنية، حيث لم يُطرد قط خلال 758 مباراة مع مانشستر يونايتد و106 مباريات دولية مع إنجلترا، وعُرف بتواضعه وانضباطه وروحه الرياضية.
ووصفه المدافع بيل فولكس بأنه “مزيج لا مثيل له من الرشاقة والقوة والدقة، يضفي على العظمة شيئا أشبه بالجمال”.
سجّل تشارلتون 249 هدفا مع مانشستر يونايتد، و49 بقميص منتخب إنجلترا، وهو رقم صمد لأكثر من 4 عقود حتى تجاوزه واين روني.
وبعد اعتزاله عام 1973، اتجه للتدريب، وأسّس أكاديمية لتطوير المواهب ضمّت لاحقا النجم ديفيد بيكهام، الذي أصبح فيما بعد أحد أبرز نجوم مانشستر يونايتد ومنتخب إنجلترا.
نال تشارلتون لقب “فارس” من الملكة إليزابيث عام 1994، وبقي حتى أيامه الأخيرة أحد أعمدة مانشستر يونايتد، حيث يقف تمثاله مع جورج بيست ودينيس لو خارج ملعب أولد ترافورد، تخليدا لتشكيلة “الثالوث” التي أعادت بناء النادي بعد مأساة ميونخ.
وفي عام 2020، تم تشخيص إصابة بوبي بالخرف، وهو المرض نفسه الذي أودى بشقيقه جاك، قبل أن يفارق الحياة في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
غداة وفاة بوبي تشارلتون نعاه رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جياني إنفانتينو واصفا إياه بـ”الأسطورة”، بينما قال ديفيد بيكهام “لقد كان بطلا وطنيا بحق”، وأشاد به السير أليكس فيرغسون قائلا “إنه أعظم لاعب في تاريخ مانشستر يونايتد، ولا مثيل له في تاريخ الكرة الإنجليزية”.
رحل السير بوبي تشارلتون، لكنه ترك إرثا لن تمحوه السنوات، وارتبط في الأذهان بكونه لاعبا نهض من بين الأنقاض، وقاد فريقه نحو المجد، وبقي رمزا في قلوب الجماهير الإنجليزية.
