يعد 2024 عام التحدي بالنسبة للصين، حيث قامت خلاله بكين بمعالجة قضايا اقتصادية داخلية، وتعاملت مع تعقيدات التحالف مع روسيا على الصعيد العالمي، وبينما استمرت الصين في لعب دور مهم في الاقتصاد العالمي، إلا أن هناك خمسة تحديات محتملة يمكن أن تعرقل خططها في عام 2025، أبرزها احتمال إعادة إشعال فتيل «السياسة العدوانية» للولايات المتحدة ضد الصين، إضافة إلى تحديات صراع تجاري مماثل مع الاتحاد الأوروبي، على شكل سلسلة من الرسوم الجمركية المتبادلة، فضلاً عن أن انعدام الاستقرار في الشرق الأوسط يعد أحد مصادر القلق الناشئة بالنسبة للصين.
تجدد التنافس مع أميركا
يبدو أن القلق الأكبر والأكثر وضوحاً بالنسبة لبكين سيكون إعادة إشعال فتيل «السياسة العدوانية» للولايات المتحدة ضد الصين، بعد تسلم الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، مهامه رسمياً في 20 يناير الجاري، وبالفعل هدد ترامب الصين ودولاً عدة بفرض تعريفات جمركية بنسبة 60%، الأمر الذي يوحي باستمرار الحرب التجارية التي بدأها ترامب خلال رئاسته الأولى.
وستشكل العلاقة الأكثر إثارة للجدل مع أميركا تحدياً كبيراً للصين، لكن بكين مستعدة لذلك، بالنظر إلى ما تعلمته من الحرب التجارية السابقة للولايات المتحدة، التي استمرت سنوات عدة، وبذل فيها ترامب كل طاقته، واستخدم كل ما بوسعه لجلب الضرر على الاقتصاد الصيني، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال الطريقة التي سعت بها الشركات الصينية، مثل «هواوي»، وغيرها، إلى تقليل اعتمادها على الأسواق والتكنولوجيات الأميركية، مع التوسع في مجالات أخرى، والبحث عن أسواق مختلفة، قد تكون ملائمة لبضائع شركات التكنولوجيا الصينية.
وبصورة مشابهة، باتت الصين أكثر استعداداً لاستخدام إجراءات عقابية ضد الولايات المتحدة، كما أظهرت أخيراً من خلال القيود التي فرضتها على «فلزات» نادرة تستخدم في البطاريات والمحولات، ونتيجة لذلك أصبحت بكين في وضع أفضل لخوض حرب تجارية، مقارنة بما كانت عليه في عام 2017.
حروب التكنولوجيا العالمية
على الرغم من أن التعرفة الجمركية ستلفت أكبر قدر من الانتباه، بلا شك، فمن الممكن أن تقع معركة أخرى بشأن التطور التكنولوجي في الصين، وهو الأمر الذي يشكل تحدياً ملحوظاً لتفوق تجارة الولايات المتحدة، وباتت التكنولوجيا عنصراً حاسماً بصورة متزايدة في خطط الصين الاقتصادية، حيث تتطلع بكين إلى زيادة فرص العمل والإنتاج في قطاع التكنولوجيا، عن طريق زيادة الصادرات، وبصورة مماثلة بات الحد من ذلك بمثابة أولوية مهمة بالنسبة للولايات المتحدة، وهو ما تؤكده جهودها لتقييد وصول الصين إلى تكنولوجيا أشباه الموصلات، إحدى جبهات الصراع الرئيسة الجديدة في عالم الصناعة.
وإضافة إلى المنافسة من أجل كسب الهيمنة على التقنيات الأساسية، فإنها أيضاً منافسة على تحديد المعايير بالنسبة لهذه التكنولوجيا، ويظهر ذلك من خلال ما أطلق عليه «تأثير بكين»، حيث تهدف الصين إلى وضع معايير للبنية التحتية الرقمية بالطريقة نفسها التي وضعها الاتحاد الأوروبي لإدارة البيانات والخصوصية من خلال تشريعات اللائحة العامة لحماية البيانات، ومن المحتمل أن تمنح مثل هذه الخطوة الصين الزعامة الاستراتيجية في عالم التكنولوجيا.
تبادل الرسوم الجمركية مع أوروبا
تواجه الصين تحديات صراع تجاري مماثل مع الاتحاد الأوروبي، على شكل سلسلة من الرسوم الجمركية المتبادلة، حيث فرضت بكين رسوماً جمركية على واردات مشروب فرنسي، على سبيل المثال، رداً على القيود التي فرضها الاتحاد الأوروبي على واردات المركبات الكهربائية الصينية إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وتأتي هذه الرسوم الجمركية في وقت بدأت فيه الصين في تحقيق تقدم في مجال التكنولوجيات التي كانت ذات يوم حكراً على دول أخرى.
وبالطبع، فإن قيام الاتحاد الأوروبي بحرب تجارية، إضافة إلى المناقشات الأخيرة بشأن توسيع دور حلف شمال الأطلسي (الناتو) في آسيا، يمكن أن يشكل صداعاً لبكين، خصوصاً إذا أدى ذلك إلى تحالف أقوى بين بروكسل وواشنطن، وهنا مرة أخرى قد تعمل عداوة ترامب الراسخة تجاه الاتحاد الأوروبي لمصلحة الصين، إذا كان هذا يعني أن الاتحاد الأوروبي يبحث عن شركاء آخرين.
التحالف مع روسيا
باتت روسيا ذات أهمية حيوية ومتزايدة بالنسبة الصين كمصدر للموارد الطبيعية والأسواق، في حين أن الصين هي مصدر رئيس للدعم الاقتصادي لموسكو، ولكن هذا الدعم أثر في علاقات الصين بصورة سلبية مع الدول الأوروبية، التي يرى بعضها أن بكين تقدم الدعم لروسيا، وهي الوسيط لحرب روسيا في أوكرانيا.
وبصورة مماثلة، فإن الحرب الدائرة في أوكرانيا يمكن أن تتواصل لتصبح بمثابة تشتيت مفيد لبكين، إذ إنها تبعد انتباه الولايات المتحدة عن الصين، واقترح الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، خطة سلام بالنسبة للحرب في أوكرانيا، وإذا نجحت، فإنها ستسمح للولايات المتحدة بعودة تركيزها على الصين، وقد يوفر حل هذا الصراع وسيلة للتقارب بين واشنطن وموسكو، وهو ما قد ينقل تركيز الولايات المتحدة ضد بكين.
الصراعات في الشرق الأوسط
أحد مصادر القلق الناشئة بالنسبة للصين هو انعدام الاستقرار الشديد في الشرق الأوسط، وكما هي الحال في روسيا، أصبحت المنطقة مصدراً رئيساً للموارد وأسواقاً بالنسبة لبكين، وهو ما تجلى في معرض «تشوهاي» الجوي، حيث كانت دول المنطقة من العملاء الرئيسين للأسلحة الصينية.
أما القلق الآخر بالنسبة لبكين فقد كان احتمال وقوع صراع بين دول رئيسة في الشرق الأوسط، بالنظر إلى أن هذه المنطقة هي المصدر الرئيس للنفط بالنسبة للصين، وفي حالة اندلاع صراع مسلح، فيمكن أن تعرقل هذه الإمدادات، أو أنها ربما ستتوقف كلياً، ما سيؤدي إلى حدوث مزيد من المشكلات الاقتصادية لبكين.
وبصورة مماثلة، فقد كانت الأحداث في سورية محط اهتمام وقلق كبيرين بالنسبة للرئيس الصيني، شي جين بينغ، بالنظر الى أن الكثير من الأفراد من آسيا شاركوا فيها، والكثير منهم ينتمي إلى مجموعات متطرفة، ولذلك كانت الخشية من نقل هذا النوع من الصراعات إلى بلادهم التي كان بعضها قريباً من الحدود الصينية، أو ربما دول تعتبر مجاورة للصين.
وعلى الرغم من أن جميع هذه العوامل تشير إلى أن الصين ستواجه صعوبات وتعقيدات في عام 2025، إلا أنه توجد أيضاً مؤشرات على أن بكين مستعدة لتخفيف وطأتها والتغلب عليها، لاسيما أن الصين ستدرس نظام العقوبات الصارمة التي فرضها الغرب ضد روسيا، والتي من المرجح أن تستخدم ضد الصين أيضاً في حالة نشوب صراع حول تايوان.
وفي نهاية المطاف، يمكن القول إن 2025 سيكون عاماً حاسماً بالنسبة لبكين، حيث ستقرر ما إذا كانت بحاجة إلى إيجاد حلفاء جدد، وتطوير أسواق جديدة، وإيجاد قوى اقتصادية جديدة في المجال التكنولوجي. عن «كونفرزيشن»
. 2025 سيكون عاماً حاسماً بالنسبة لبكين، حيث ستقرر ما إذا كانت بحاجة إلى إيجاد حلفاء جدد.
. رغم أن جميع العوامل تشير إلى مواجهة الصين صعوبات خلال العام الجديد، إلا أن هناك أيضاً مؤشرات تؤكد استعداد بكين للتغلب عليها.