يميني مسيحي محافظ يبلغ من العمر 42 عاما، ويدرس التاريخ ويهوى الملاكمة، وقرَّر دخول حلبة السياسة كي يوجِّه ضربة جديدة لليبرالية الأوروبية. إنه كارول ناوروتسكي، الرجل الذي فاز مؤخرا برئاسة بولندا بعد انتخابات وُصِفَت بأنها مصيرية لأوروبا، حيث ينضم الرجل الآن إلى موجة اليمين في شرق أوروبا التي يتزعَّمها فيكتور أوربان رئيس الوزراء المجري، وروبرت فيكو رئيس الوزراء السلوفاكي.

ولكن على العكس من أوربان وفيكو، لا تشمل انحيازات ناوروتسكي اليمينية ميلا نحو روسيا وتحفُّظا على تسليح أوكرانيا. على العكس، فبعد أن اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية، كان ناوروتسكي رئيسا لمعهد الذكرى الوطنية في البلاد، وأمر حينها بتدمير النُّصُب التذكارية السوفياتية ردا على الغزو الروسي، مما أثار غضب الكرملين حينها.

في بولندا، التي تقف في مواجهة خطر التمدُّد الروسي، وتقع على حدودها دول البلطيق المتوجِّسة من موسكو، وبيلاروسيا المتحالفة مع موسكو بالفعل، وأوكرانيا التي غزاها الروس في فبراير/شباط 2022، يصعُب أن تتبلور مواقف منحازة لروسيا التي يراها أغلب المواطنين خطرا على بلادهم، ومنهم ناوروتسكي نفسه الذي كتب رسالة الدكتوراه الخاصة به عن مقاومة الحكم الشيوعي السوفيتي في بلدة إلْبلانغ البولندية في أقصى شرق البلاد.

بيد أن اليمين المتصاعد في أوروبا يظل له بصمته الخاصة، التي عبَّر عنها ناوروتسكي في نقده للاتحاد الأوروبي وسياساته الليبرالية، مازجا بين الأجندة اليمينية الشعبوية الحاكمة في المجر وسلوفاكيا والنمسا، وبين الاصطفاف وراء أوكرانيا في مواجهة روسيا على غرار المحافظين التقليديين الواصلين إلى السلطة مؤخرا في التشيك وألمانيا.

مؤيدون أمام مؤتمر انتخابي لكارول ناوروتسكي في بولندا 2 مارس/آذار 2025 (رويترز)

بولندا: نُقطة حَرِجة على خريطة أوروبا

يُنظر إلى بولندا في أوروبا باعتبارها الحصن الشرقي الذي يحميها من أي اندفاع روسي مستقبلي نحو وسط القارة، وهي تمتلك جيشا لا يستهان به هو الأكبر في الناتو بعد الجيشيْن الأميركي والتركي، فقد أنفقت وارسو أموالا طائلة في السنوات الأخيرة على قوتها العسكرية، حيث وصل الإنفاق العسكري البولندي العام الماضي إلى 4.12% من الناتج القومي للبلاد، أي ضِعف ما تُطالَب به دول حلف الناتو من واشنطن منذ سنوات. وتسعى وارسو إلى أن تصبح أكبر قوة برية في القارة، وهي تمتلك حاليا 150 ألف جندي، لكنها تريد أن تضاعف العدد إلى 300 ألف بحلول عام 2035.

وتعاني بولندا من قوة بحرية ضعيفة نسبيا، لكنها تعمل بجدية لجلب أحدث المعدات العسكرية من دول مختلفة مثل الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية إلى جانب حلفائها في أوروبا، كما أنها ستحصل قريبا على طائرات “إف-35” المقاتلة الأحدث في القوات الجوية الأميركية. فضلا عن ذلك تُعَد بولندا طريق الإمداد الحيوي للأسلحة الأوروبية الذاهبة لأوكرانيا، وقد أنفقت حتى الآن 3 مليارات يورو لدعم أوكرانيا في حربها مع روسيا.

يُمثِّل الجانب العسكري جزءا كبيرا في أهمية بولندا بالنسبة لأوروبا، حيث تمتلك حدودا مع ألمانيا والتشيك من الغرب، وأوكرانيا وبيلاروسيا وليتوانيا من الشرق. وحين استطاع الائتلاف المدني بقيادة دونالد توسك، بالتحالف مع حزب الطريق الثالث (الوسطي) وحزب اليسار الجديد، أن يحصدوا 54% من الأصوات مُجتمعين عام 2023 في الانتخابات البرلمانية، وأن يكتبوا نهاية سيطرة حزب القانون والعدالة المحافظ التي دامت 8 سنوات؛ سَعد الاتحاد الأوروبي بالنتيجة، لا سيَّما وقد أوصلت توسك إلى رئاسة الوزراء، وهو المؤرخ البولندي ورئيس المجلس الأوروبي السابق، وصاحب الانحيازات الأوروبية والليبرالية القوية.

سرعان ما دشَّنت الحكومة الجديدة سياسات هدفت إلى تعزيز العلاقة مع الاتحاد والاندماج في هياكله، كما قامت بعقد مصالحة معه على خلفية ما جرى أثناء هيمنة المحافظين، إذ أجرت إصلاحات قضائية وقانونية تسبَّب تأخُّرها في السابق إلى تجميد أموال الاتحاد الأوروبي المُخصَّصة لبولندا، ولذا بادر الاتحاد برفع التجميد عن 600 مليون يورو لبولندا بعد أن تجاوبت حكومة توسك مع طلبات الاتحاد فور وصولها إلى السلطة.

ولكن بعد نحو عامين، تغيَّر الكثير في الشارع البولندي، حتى أتى موعد الانتخابات الرئاسية في مايو/أيار الماضي، وجولة الإعادة التي جرت بين الليبرالي المدعوم من الائتلاف المدني رافال شازكوفسكي، وهو عمدة العاصمة وارسو، والمؤرخ المدعوم من حزب القانون والعدالة المحافظ كارول ناوروتسكي. وقد نُظر إلى تلك الانتخابات على نطاق واسع بأنها استفتاء، ليس على الحكومة الليبرالية الحالية فحسب، بل وعلى موقع بولندا والمزاج الشعبي فيها من الرؤى السياسية اليمينية والليبرالية المتصارعة في أوروبا والولايات المتحدة.

كان التنافس على أشده إلى درجة أن استطلاعات الرأي لم تستطع توقُّع النتيجة بدقة لصالح أحد المتنافسَيْن، حتى ظهرت النتيجة وحسمت السباق الملتهب لصالح ناوروتسكي، الذي فاز بنسبة 50.89% من الأصوات على منافسه الليبرالي شازكوفسكي الذي حصل على 49.11%. وقد مثَّلت النتيجة إحباطا للحكومة البولندية الموالية للاتحاد الأوروبي، التي أملت أن تكون نهاية المدتيْن الرئاسيتين للرئيس السابق المحافظ، أندجي دودا، تمهيدا لصعود رئيس ليبرالي يُسهِّل عمل الحكومة الحالية.

فرغم أن النظام البولندي برلماني نظريا، فإنه يُعرَّف أحيانا بشبه الرئاسي عمليا، إذ إن الرئيس يحظى بصلاحيات واسعة، منها ممارسة حق النقض على التشريعات ما لم يمررها البرلمان مرة ثانية بأغلبية 60%، ومنها تعيين دبلوماسيين وقضاة، بالإضافة إلى كونه القائد الأعلى للقوات المسلحة. ولذا أتت النتيجة لتُعقِّد مسار حكومة توسك، بل وتبُث كذلك حالة من القلق في الاتحاد الأوروبي على البلد الأهم في شرق القارة.

كارول ناوروتسكي، يدلي بصوته مع زوجته مارتا وابنته كاتارزينا خلال الانتخابات الرئاسية في 18 مايو/أيار 2025 في بولندا (غيتي)

خلفية متواضعة تجعله جذابًا!

“أنا ببساطة واحدٌ منكم”.

ناوروتسكي مخاطبا البولنديين أثناء حملته الانتخابية

تُعَد خلفية ناوروتسكي الاجتماعية معقدة وثرية، حيث وُلِد لعائلة متواضعة ماديا بمدينة غدانسك، وفي شبابه كان شديد الاهتمام بلعبتَيْ الملاكمة وكرة القدم. ورغم ظروفه الصعبة استطاع أن يحصل على شهادات علمية رفيعة، فهو حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ وماجستير إدارة الأعمال في الإستراتيجية وإدارة المشاريع، واستطاع أن يُموِّل دراسته بالعمل في وظائف متواضعة أثناء الدراسة.

وقد ذكر غجيغوش بيرينت، المشرف السابق على أطروحته للدكتوراه، التي كتبها ناوروتسكي عن مقاومة الحكم الشيوعي في بلدته، أن ناوروتسكي كان طالبا مجتهدا وقويَّ الشخصية ومقاتلا، فقد استطاع أن يكتب أطروحته في عام واحد معتمدا على 158 مقابلة أجراها مع أهالي المنطقة.

وقد تولَّى ناوروتسكي مناصب مرموقة قبل أن يفوز بانتخابات الرئاسة، إذ تولى إدارة متحف الحرب العالمية الثانية بمدينة غدانسك بين عاميْ 2017-2021، ثم ترأس معهد الذكرى الوطنية المُكلَّف بتقييم تاريخ البلاد الحديث والمُعقَّد. وبحسب صحيفة “لوموند” الفرنسية، فقد حوَّل ناوروتسكي المعهد إلى أداة سياسية وأيديولوجية في يد حزب القانون والعدالة المُحافظ.

ويوصف ناوروتسكي بأنه محافظ، ولكنه مثل معظم محافظيها لا ينحاز لروسيا، فالأمر مختلف في بولندا بسبب الخصومة مع موسكو، وهي مسألة عليها ما يشبه الإجماع بين مختلف اتجاهات الطيف السياسي. وبحسب المنصة الألمانية “دويتشه فيله”، فإن المؤرخ ناوروتسكي أمر أثناء رئاسته لمعهد الذكرى الوطنية بتدمير النُّصُب التذكارية السوفيتية بعد الحرب الروسية الأوكرانية، مما أثار غضب الكرملين، كما أشارت “لوموند” إلى أن تلك الخطوة دفعت موسكو إلى وضعه على قائمة المطلوبين في روسيا.

وقد اختار حزب القانون والعدالة أن ينحاز لناوروتسكي في هذه الانتخابات الرئاسية، رُغم أنه خاضها بوصفه مرشحا مستقلا، حيث نظَّم الحزب حملته الانتخابية وموَّلها وأعدَّ برنامجها. ولم يكن ناوروتسكي يمتلك أي خبرة سياسية قبل الانتخابات، ولم يكن عضوا في أي حزب من قبل.

ووفقا لما جاء في صحيفة “لوموند”، لم يكن ناوروتسكي معروفا على نطاق واسع لأغلب البولنديين قبل تقديمه للجمهور في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 عن طريق حزب القانون والعدالة، وهي سياسة يتبعها الحزب المحافظ البولندي في السنوات العشرة الأخيرة، حيث يدفع بوجوه جديدة على الساحة مثلما فعل مع الرئيس السابق دودا الذي كان محاميا مغمورا قبل انتخابه.

ثمَّة ملامح في تاريخ ناوروتسكي الاجتماعي وتقديمه لنفسه في الانتخابات لربما ساعدته في الفوز، عِلما بأنه استطاع أن يحصد أصوات نسبة كبيرة من الذكور الذين تقل أعمارهم عن 29 عاما، في حين صوتت نسبة أكبر من النساء والأكبر سِنًّا للمرشح الليبرالي شازكوفسكي.

ومن الجوانب التي جذبت الأصوات لناوروتسكي خلفيته العصامية وقدومه من حي تسكنه الطبقة العاملة في غدانسك، وعمله أثناء دراسته بالجامعة في وظائف متواضعة.

كما أنه صاحب مسيرة ناجحة في مجال رياضة المُلاكمة للهواة، وقد جذبت تلك التركيبة شريحة واسعة من الشباب الذكور بحسب وكالة “رويترز”، إذ ركَّز على نشر مقاطع فيديو لنفسه في حلبات الملاكمة وميادين الرماية، وحرص على إبراز زوجته مارتا ذات الأطفال الثلاثة في حملته ليُبرهِن على أنه رجل محافظ يعيش في أسرة مستقرة.

ومن جهة أخرى، ثمَّة نقاط أخرى في سيرة ناوروتسكي أثارت الجدل حوله، وتحديدا علاقته بالدعارة، فقد أجرى موقع “أو نِت” الإخباري المحلي تحقيقا ذكر فيه أن ناوروتسكي انخرط في شبكة دعارة أثناء عمله في فندق كبير بالمدينة السياحية سوبوت، الواقعة على بحر البلطيق بالقرب من غدانسك، وهو ما نفاه ناوروتسكي بشدة مُتوعِّدا باتخاذ الإجراءات القانونية ضد الموقع الإخباري الذي لم يحذف تحقيقه الصحافي حتى الآن.

ومن الأشياء التي نظر إليها بعض المتابعين نظرة في مسيرته قصة شرائه شقة في غدانسك من متقاعد مُسِن من ذوي الإعاقة مقابل رعايته، ثم إيداعه في دار رعاية للمسنين بتمويل عام مُخلِفا وَعْده، وبعد أن ظهرت القصة للعلن، تبرَّع ناوروتسكي بالشقة لجمعية خيرية.

بالإضافة إلى ذلك، أشار عدد من التقارير إلى اعتراف ناوروتسكي بتورُّطه في مشاجرة جماعية مُنظَّمة بين مشجعين لكرة القدم عام 2009 أُدِين بعضهم لاحقا بارتكاب جرائم، وهو ما اعتبره ناوروتسكي نوعا من الرياضة، مشيرا إلى أنها كانت منافسة شريفة بغض النظر عن شكلها، وأنه يعتمد على قوة قلبه وعضلاته وقبضته.

ولكن لم تؤثر أيٌّ من تلك القضايا على النظرة الإيجابية لناخبي ناوروتسكي، إذ اعتقد كثيرون بأن الحملة الإعلامية عليه من أجل تلويث صورته ليست إلا دعاية من خصومه الليبراليين والإعلام المُوجَّه منهم، حيث يعتقد مؤيدو اليمين بأن القوى الليبرالية يؤرِّقها رؤية سياسي محافظ قوي يتحدَّى سياساتهم.

وقد أثَّرت أفكار ناوروتسكي في الناخبين، لا سيَّما انتقاد حكومة توسك الموالية للاتحاد الأوروبي، التي وصفها بأنها نخبة من المدينة مُنفصِلة عن هموم المواطن العادي في بولندا. وقد اجتذب خطاب ناوروتسكي المعارض للإجهاض مثلا قطاعات واسعة من المجتمع ترى أنه يُعبِّر عن القيم التقليدية المسيحية التي نشؤوا عليها ويعتنقونها.

من جهة أخرى، استعار ناوروتسكي بعضا من أهم المبادئ والشعارات التي بنى عليها دونالد ترامب بالولايات المتحدة حملته الانتخابية، مثل “بولندا للبولنديين” و”استعادة الوضع الطبيعي”، حتى إن الأعلام الأميركية ظهرت في تجمُّعاته الانتخابية، حيث يريد قطاع واسع من البولنديين أن يرى نهجا مماثلا لذلك الذي تسلكه الولايات المتحدة الآن من مد يميني محافظ. والواقع أن الرئيس الأميركي وأعضاء إدارته أيدوا ناوروتسكي وأعربوا عن دعمهم له صراحة في تصريحات رسمية، كما أن الأخير زار الولايات المتحدة أثناء حملة ترشُّحه والتقط صورتين مع ترامب في البيت الأبيض بواشنطن.

وارسو وبروكسل: علاقة ستبقى مُعقَّدة

نعم، نريد سوقا مشتركة في أوروبا، ونريد التنمية، ونريد أن نكون صوتا قويا في الاتحاد الأوروبي، لكننا لا نريد أن تُملي علينا نُخَب بروكسل ما يجب أن نفعله في حياتنا الاجتماعية.

  • ناوروتسكي في مارس/آذار الماضي أثناء حملته الانتخابية.

لعب الرئيس الأميركي ترامب وإدارته دورا مهما في فوز ناوروتسكي، ولم يقتصر الأمر على المنشورات الداعمة له على مواقع التواصل الاجتماعي، بل ووصل إلى حدِّ الاتصال وتقديم المشورة أثناء حملته الانتخابية، كما أن وزيرة الأمن الداخلي الأميركية كريستي نعوم قالت أثناء حضورها مؤتمر المحافظين في بولندا، قبل نحو أسبوع من جولة الإعادة، إن ناوروتسكي سيقود البلاد على نهج ترامب، وإنه يجب أن يكون الرئيس القادم لبولندا، وإن الشعب البولندي باختياره يقود أوروبا إلى القيم المحافظة.

وأضافت كريستي أنه في حال فاز ناوروتسكي، سيكون لدى بولندا حليف قوي (تعني أميركا) بما يضمن لها محاربة أعدائها الذين لا يشاركونها قيمها، وتعهَّدت أيضا بأن الوجود العسكري الأميركي في بولندا سيستمر، ثم قالت: “ستحصلون على معدات أميركية الصنع عالية الجودة”. جدير بالذكر أن الولايات المتحدة لديها 10 آلاف جندي متمركز في بولندا.

لهذا السبب، يُنظر إلى الانتخابات الرئاسية الأخيرة في بولندا على أنها انعكاس لصراع أوروبي أميركي من أجل تعريف هوية بولندا وموقعها داخل التحالف الغربي، فبينما تريد أوروبا أن تظهر متماسكة ومنسجمة في مواجهة ترامب، فإن فوز ناوروتسكي أظهر جزئيا هشاشة الاصطفاف الأوروبي بعد أن انحاز الشعب البولندي، ولو بنسبة ضئيلة، إلى رئيس يميني يرفع شعارات ترامب نفسها، ويتعهَّد بعرقلة الحكومة الليبرالية التي تريد انسجاما أكبر مع الاتحاد الأوروبي.

وزير الدفاع الأميركي السابق لويد أوستن (يسار) يزور القوات الأميركية في القاعدة العسكرية ببولندا (غيتي)

علاوة على ذلك، لا تزال سطوة ألمانيا داخل الاتحاد الأوروبي مُشكلة في نظر الرأي العام البولندي، ومن ثمَّ كان الهجوم على برلين جزءا من حملة ناوروتسكي، الذي قال إنه سيحاول إرغام ألمانيا على دفع تعويضات لبولندا عن الحرب العالمية الثانية، وإنه لن يقبل باعتماد اليورو عملة لبلاده.

وبحسب مقال بحثي نشرته كلية لندن للاقتصاد، من المتوقع أن يتَّخِذ الرئيس البولندي الجديد موقفا عدائيا ضد كلٍّ من ألمانيا والاتحاد الأوروبي، وأن يصطف مع الرئيس الأميركي، وأن ينتقد أجندة عمل المفوضية الأوروبية، وسياسات الهجرة والمناخ، وأن يتعاون مع الكتلة اليمينية بالاتحاد الأوروبي.

ويقول “برنارد غيتا”، النائب الفرنسي في البرلمان الأوروبي، إن رئاسة ناوروتسكي قد لا تؤدي إلى مشكلات دبلوماسية كبرى وقطيعة فورية مع الاتحاد، ولكن ستكون لها عواقب وخيمة على المدى الطويل، وقد يؤدي تحالف ناوروتسكي مع ترامب إلى مضاعفة الجهود لعزل بولندا عن إجماع الاتحاد الأوروبي وخطط التكامل في القارة، فربما تُعرِقل بولندا على سبيل المثال جهود التكامل العسكري الأوروبي المتمثلة في مبادرة شراء أسلحة مشتركة جديدة بقيمة 150 مليار يورو.

أما ما يتعلَّق بالخطر العسكري القادم من روسيا، فمن المُتفَق عليه بين المحللين أن ناوروتسكي لن يختلف مع حكومة توسك حول دعم أوكرانيا عسكريا، رغم أن خطابه يُنظر إليه بوصفه معاديا للاجئين الأوكرانيين في ظل ارتفاع مشاعر الغضب بين البولنديين من زيادة أعداد اللاجئين القادمين من أوكرانيا، فضلا عن رفضه دخول كييف حلف الناتو.

وباختصار، يمكن ألا يكون لانتخاب ناوروتسكي في اللحظة الحالية تأثير كبير على مجريات الأمور في بولندا أو أوروبا أو الناتو، لكن انتخابه يُنذر بأن الانتخابات البرلمانية القادمة عام 2027 قد تشهد عودة اليمين، وخاصة أن ناوروتسكي سيتَّبِع سياسة عرقلة الحكومة الحالية، والدفع نحو إجراء انتخابات برلمانية جديدة.

أخيرا، هناك أمر لا يقل أهمية فيما يتعلَّق بالانتخابات الرئاسية الأخيرة في بولندا، وهو كونها حلقة جديدة من حلقات انحسار أوروبا الليبرالية من الداخل، وتنامي المعسكر اليميني داخل الدول الأعضاء بالاتحاد، مما يُنبئ بتحوُّلات على المدى المتوسط في أوروبا نفسها، أما على المدى القريب فإن ناوروتسكي يمثل مكسبا للمدِّ “الترامبي” في الغرب، ولأنصار الرؤية المسيحية المحافظة على حساب أصحاب الرؤية الليبرالية. يبدو إذن أن معسكر أوربان في المجر وفيكو في سلوفاكيا قد وجد حليفا جديدا في الاتحاد الأوروبي يتحدَّى به السياسات الليبرالية لبروكسل.

شاركها.
Exit mobile version