تثير تصريحات وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الأخيرة، التي جدد فيها رفض طهران التفاوض بشأن برنامجها الصاروخي أو وقف تخصيب اليورانيوم، تساؤلات بشأن فرص التوصل إلى تفاهمات مع الجانب الأوروبي، لا سيما في ظل تصعيد عسكري غير مسبوق بين إيران وإسرائيل.

وفي أعقاب اجتماع جنيف مع وزراء خارجية الترويكا الأوروبية، قال عراقجي إن إيران لن تدخل في أي مسار تفاوضي ما دامت الاعتداءات الإسرائيلية مستمرة، مجددا التمسك بما وصفها “حقوقا مشروعة في الدفاع عن النفس”، ومؤكدا أن أي تفاوض محتمل مرهون بوقف العدوان ومحاسبة إسرائيل.

واختُتمت في جنيف اليوم الجمعة، جولة محادثات بين إيران ووزراء خارجية دول الترويكا الأوروبية (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) بمشاركة مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، وسط أجواء مشحونة بفعل التصعيد العسكري المتواصل بين إيران وإسرائيل.

وفي هذا السياق، ترى الباحثة فاطمة الصمادي أن طهران لا ترى في مطالب الأوروبيين سوى محاولة لفرض الاستسلام تحت غطاء دبلوماسي، مضيفة بأن “ما رفضته إيران قبل الهجمات لن تقبل به بعدها”، وأن التخصيب داخل الأراضي الإيرانية يمثل “خطا أحمر” لا يُمكن تجاوزه في أي تفاوض قادم.

وتشير الصمادي في مداخلة عبر شاشة الجزيرة إلى أن إيران لا تنظر إلى برنامجها النووي والصاروخي كملفَي تفاوض، بل كركائز سيادية لا يمكن المساس بها. وتلفت إلى أن التصريحات الأميركية التي تتحدث عن محادثات مباشرة أو غير مباشرة لا تغيّر في المعادلة، طالما أن واشنطن لم تُبدِ أي مرونة في مقاربتها.

ظرف غير مناسب

وتوضح الصمادي أن إيران لا ترفض التفاوض مبدئيا، لكنها ترى أن الظرف الحالي غير مناسب، إذ تصر على وقف الهجمات قبل أي نقاش، وهو ما أكده عراقجي بوضوح في تصريحاته من جنيف، عندما قال إن بلاده لن تفاوض أحدا تحت القصف، ولن تقبل العودة إلى الطاولة في ظل الاعتداءات.

أما في ما يتعلق بالبرنامج الصاروخي، فتؤكد الباحثة أن الموقف الإيراني أكثر تشددا بعد الحرب، مشيرة إلى أن “الهجوم الإسرائيلي زاد من تمسك إيران بترسانتها الصاروخية، باعتبارها عنصرا حيويا في الردع”، وترى أن أي طرح لنزع هذا البرنامج بات مرفوضا بشكل قاطع.

ويأتي هذا في وقت أعلن فيه وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وبريطانيا، إلى جانب الاتحاد الأوروبي، عن “قلق قديم متجدد من توسع البرنامج النووي الإيراني”، مشيرين إلى غياب ما وصفوه بـ”الهدف المدني الموثوق” لهذا البرنامج، وداعين طهران إلى خطوات لخفض التصعيد.

وتنقل شبكة “سي إن إن” عن مصدر إيراني قوله إن محادثات جنيف بدأت بتوتر شديد ثم تحولت إلى أجواء أكثر إيجابية، لكن الإيرانيين لم يوافقوا على وقف التخصيب، معتبرين ذلك “خطا أحمر واضحا”، في حين تبادل الجانبان الاتهامات بشأن انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي.

من جانبه، يرى الخبير في الشأن الإسرائيلي الدكتور مهند مصطفى أن إسرائيل هي الطرف الوحيد الذي لا يريد أصلا أي تفاوض، ويخشى من أن تؤدي المحادثات إلى تحوّل في الخطاب الدولي يدعو لحل دبلوماسي، وهو ما تعتبره تل أبيب تهديدا لمسارها العسكري القائم.

حرب وجودية

ويضيف في حديثه للجزيرة أن إسرائيل تسوق الحرب ضد إيران باعتبارها حربا وجودية ضد “نظام نازي جديد”، ويطرح بنيامين نتنياهو نفسه كتشرشل العصر، محذرا من خطر نووي إيراني يهدد العالم. لكن جلوس الأوروبيين إلى طاولة واحدة مع طهران يقوّض هذه السردية ويضعف من تأثيرها الدولي.

ويرى مصطفى أن إسرائيل تخشى أن تسفر هذه المباحثات عن تراجع في الزخم السياسي والإعلامي المساند لها، خاصة إذا ظهرت بوادر دولية تدعو إلى تهدئة سريعة، في حين أنها تسعى فقط إلى هدف محدد: تجديد العقوبات الاقتصادية على إيران دون انخراط في أي حل سياسي.

وتنقل وسائل إعلام إسرائيلية أن تل أبيب تضع منشأة “فوردو” النووية على قائمة الأهداف العسكرية، وقد أعلنت القناة 12 عن استعداد الجيش الإسرائيلي لضربها قريبا، مع تأكيد على انتظار قرار أميركي بالمشاركة، دون استبعاد تنفيذ العملية بشكل منفرد.

ويشير مصطفى إلى أن الرهان الإسرائيلي يقوم على إضعاف إيران بعد الحرب، لا إسقاط النظام، موضحا أن تل أبيب تعتقد أن العقوبات الاقتصادية هي الوسيلة الأنجع لإطالة أمد الإنهاك الإيراني، وهو ما تسعى إليه عبر الضغط على الأوروبيين في المحادثات الجارية.

ومنذ فجر الجمعة 13 يونيو/حزيران الجاري، تشن إسرائيل هجمات غير مسبوقة على إيران شملت قصف منشآت نووية وقواعد صواريخ واغتيال قادة عسكريين وعلماء نوويين.

وبلغ عدد الضحايا الإيرانيين 224 قتيلا و1277 جريحا، معظمهم مدنيون، ومن جانبها ترد طهران بصواريخ باليستية وطائرات مسيّرة خلفت نحو 25 قتيلا إسرائيليا وأكثر من 2500 جريح، وفق بيان وزارة الصحة الإسرائيلية.

شاركها.