الخرطوم- أفادت مصادر ميدانية تحدثت للجزيرة نت بحدوث ارتفاع مخيف في أعداد الإصابات والوفيات الناجمة عن وباء الكوليرا في منطقة طويلة بولاية شمال دارفور غربي السودان، حيث يحصد المرض الأرواح بصمت وعلى مدار الساعة، وسط وضع إنساني وصحي غير مسبوق في خطورته.
ويجد مئات الآلاف من الناجين من الحرب في المنطقة أنفسهم عزلا في مواجهة الوباء القاتل، الذي أودى بحياة الآلاف في ظل غياب شبه كامل لمقومات الحماية والرعاية الصحية، داخل مناطق مكتظة بالنازحين واللاجئين.
وكشف الدكتور هيثم محمد إبراهيم، وكيل وزارة الصحة السودانية، في حديث للجزيرة نت، عن ارتفاع ملحوظ في حالات الإصابة بالكوليرا داخل ولايات دارفور، مؤكدا تسجيل أكثر من 4 آلاف إصابة خلال الفترة الأخيرة، بينها نحو 3600 إصابة و40 حالة وفاة في منطقة طويلة وحدها.
وأشار إبراهيم إلى أن الإصابات بالكوليرا في السودان مستمرة للعام الثالث على التوالي، مشددا على أن السلطات الصحية تمكنت من السيطرة عليها في معظم الولايات عبر تدخلات شملت تطعيم أكثر من 20 مليون شخص. غير أن ولايات دارفور الخمس لا تزال تعاني من انتشار المرض رغم وصول كميات من التطعيمات بدعم من اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية وشركاء ميدانيين آخرين.
وأوضح أن 4 محليات من أصل 11 محلية في منطقة شمال دارفور لا تزال شبه معزولة ويصعب الوصول إليها حتى بالنسبة للمنظمات، مشيرا إلى معاناة حقيقية يعيشها السكان هناك سواء بسبب الكوليرا أو سوء التغذية الذي يفتك بالأطفال.
منصة تنسيقية
وكشف المسؤول السوداني عن إيصال 500 ألف “ناموسية” إلى ولايات دارفور لمكافحة نواقل الأمراض، خاصة الملاريا وحمى الضنك التي تنتشر بكثافة في منطقة شمال دارفور.
وأضاف وكيل وزارة الصحة السودانية أن نحو 15 منظمة، بينها وكالات أممية ومنظمات دولية ووطنية، تعمل حاليا في المجال الصحي بالمنطقة، لافتا إلى وجود منصة تنسيقية تعقد اجتماعات أسبوعية لاستعراض التقارير الميدانية ومحاولة كسر الحصار الإنساني والصحي المفروض على الإقليم.
ومن جهته يقول عبد الله آدم، أحد الفارين من القتال في دارفور إلى معسكر “دقي” للاجئين السودانيين شرق تشاد -للجزيرة نت- إن من لم يمت بالحرب في ولايات دارفور الخمس “سيموت بالكوليرا أو بالأوضاع الصحية المزرية”.
وكشف عن تسجيل 17 حالة وفاة ومئات الإصابات داخل المعسكر الذي لجأ إليه، والواقع على بعد 125 كيلومترا من الحدود السودانية، وأشار إلى اكتظاظ شديد في المعسكر وسط ضعف في البنية التحتية الصحية وعجز المنظمات عن توفير مقومات الحياة الأساسية.
وأوضح آدم أن السلطات التشادية اتخذت إجراءات للحد من تفشي المرض مثل منع التجمعات في بعض المعسكرات، لكن نقص معدات التعقيم وموجات الأمطار الغزيرة ينذران بمزيد من التلوث البيئي وانتشار الكوليرا على نطاق أوسع.
وأعلنت منظمة “أطباء بلا حدود” الخميس الماضي أن السودان يواجه حاليا أسوأ تفشٍ للكوليرا منذ سنوات. ووفقا لبياناتها، فقد سجل -منذ إعلان أول حالة إصابة قبل عام- أكثر من 99 ألفا و700 حالة اشتباه و2470 وفاة، حتى 11 أغسطس/آب الجاري.
وأكدت المنظمة أنها عالجت أكثر من 2300 مريض في دارفور وحدها، كما توفي 40 شخصا خلال أسبوع واحد في مرافق تديرها وزارة الصحة.
معسكرات بلا رعاية
وشهدت مناطق عديدة في محلية نيالا بولاية جنوب دارفور موجة جديدة من الإصابات والوفيات، شملت معسكرات “كلمة” و”السلام” و”دريج” إضافة إلى أحياء “السريف” و”الوحدة ودوماية” و”خرطوم بالليل” و”الجير”، كما تنتشر الملاريا وحمى الضنك وسوء التغذية في مناطق أخرى من الولاية.
وفي شهادة للجزيرة نت، أوضح الصحفي محجوب حسون، وهو أحد النازحين من نيالا إلى معسكر “ود ويل” للاجئين في جنوب السودان، أن أكثر من 24 ألف شخص داخل المعسكر يعانون من تفشي الملاريا في ظل غياب الرعاية الطبية اللازمة ونقص حاد في الأدوية.
وأشار حسون إلى أن بعض المنظمات تبذل جهودا لتحسين النظافة داخل المعسكر بمشاركة اللاجئين أنفسهم، غير أن نقص دورات المياه يجبر الكثيرين على قضاء الحاجة في العراء، مما يزيد من المخاطر الصحية على الجميع.
تحذيرات أممية
وفي 14 أغسطس/آب الجاري، أعرب المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك عن قلق بالغ إزاء استمرار الانتشار السريع للكوليرا في أنحاء السودان، خصوصا إقليم دارفور. وقال إن الشركاء الأمميين قدموا العلاج لأكثر من 2300 مريض خلال الأسبوع الماضي فقط، بينما سجلت 40 حالة وفاة إضافية.
وأشار دوجاريك إلى أن مركز علاج الكوليرا في محلية “طويلة” بات مكتظا بالمرضى، مذكرا بأن المنطقة تستضيف مئات الآلاف من النازحين الفارين من أعمال العنف في الفاشر ومحيطها.
ومن جهتها، أفادت منظمة الصحة العالمية بأن تفشي الكوليرا عالميا في تزايد مقلق، مدفوعا بالفقر والنزاعات، إذ تم الإبلاغ عن أكثر من 390 ألف إصابة و4300 وفاة هذا العام في 31 دولة، من بينها السودان.
وقالت كاثرين ألبيرتي، المسؤولة التقنية في المنظمة لشؤون الكوليرا، إن هذه الأرقام تعكس “فشلا جماعيا” لأن المرض يمكن الوقاية منه وعلاجه بسهولة، ومع ذلك لا يزال يحصد الأرواح يوما بعد يوم.