نشرت صحيفة هآرتس اليسارية تقريرا مطولا لمراسلها في واشنطن بن صامويلز كشف فيه عن شخصيات سياسية وثرية ويمينية متطرفة كانت وراء قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب توجيه ضربات إلى 3 منشآت نووية رئيسية داخل العمق الإيراني.
وقال صامويلز إن ترامب انصاع لحملة تأثير وضغوط ظل عديد من المسؤولين والسياسيين داخل البيت الأبيض وخارجه يمارسونها عليه لسنوات، مما جعله يتخذ تلك الخطوة غير المسبوقة.
وأضاف أن ترامب “المندفع ورجل الصفقات” اعتمد في قراره على مشورة أولئك المعاونين والسياسيين بشأن إيجابيات وسلبيات ضرب إيران.
ويرى المراسل أنه لفهم الكيفية التي استند عليها في تغيير السياسة الخارجية الأميركية والشرق الأوسط كما عرفناه إلى الأبد فلا بد من فهم طريقة تفكير من يدورون في فلكه، وكيف أخذ ترامب بنصائحهم فيما يتعلق بتداعيات الضربات على الولايات المتحدة أو إسرائيل أو قاعدة أنصاره في الداخل.
ترامب انصاع لحملة تأثير وضغوط ظل عديد من المسؤولين والسياسيين داخل البيت الأبيض وخارجه يمارسونها عليه لسنوات، مما جعله يتخذ تلك الخطوة غير المسبوقة
وصنفت الصحيفة في تقريرها المعاونين الذين استنار الرئيس بآرائهم على النحو التالي:
الأربعة الكبار
اختار ترامب 3 من مستشاريه للوقوف بجانبه وهو يلقي خطابه للأمة الأميركية عقب تنفيذ الهجمات على المنشآت النووية الإيرانية الثلاث في فوردو ونطنز وأصفهان، والمستشارون هم جيه دي فانس نائب الرئيس، ووزير الدفاع بيت هيغسيث، ووزير الخارجية (والقائم بأعمال مستشار الأمن القومي) ماركو روبيو.
وحمل هذا الاختيار دلالة خاصة، إذ أراد ترامب من وراء وجودهم إلى جانبه إظهار أنه يحظى بدعمهم الكامل، خاصة أن ثلاثتهم كانوا يحاولون في الأشهر الأخيرة إقناع الرئيس بتفضيل الدبلوماسية على العمل العسكري.
وطبقا للصحيفة الإسرائيلية، فإن فانس -خصوصا- ظل على مدى الأشهر القليلة الماضية يقود معسكر رفض العمل العسكري داخل دائرة ترامب الضيقة ويدفع نحو انتهاج الدبلوماسية تجاه إيران، لكنه صرح في الأيام الأخيرة بأنه سيتبع الرئيس بغض النظر عما يقرره.
أما هيغسيث فقد كانت تساوره شكوك بشأن احتمال تورط أميركا في حرب أبدية أخرى بالشرق الأوسط، بل لم يكن يرغب حتى في الحديث عن خطط إيران، لكن ترامب آثر وضعه في موقع المسؤولية عن الضربات.
من جانبه، تبنى ماركو روبيو سياسة خارجية وخطابا متشددين ليتماهى بشكل أفضل مع خطاب ترامب، ولطالما اعتُبر أحد أكثر أصوات الحزب الجمهوري تصلبا إزاء إيران.
مسؤولة البيت الأبيض
من بين المستشارين الذين ظل يصغي إليهم ترامب منذ قراره الترشح للرئاسة بعد هزيمته في الانتخابات الرئاسية لعام 2020 سوزي وايلز الذي تتولى الآن منصب كبيرة موظفي البيت الأبيض، وقد كانت حاضرة في غرفة العمليات أثناء ضرب المنشآت النووية الثلاث ليلة السبت.
وتتمتع وايلز بخبرة في التعامل المباشر مع ما يسميها مراسل هآرتس أعمال إيران “الشائنة”، مثل التهديد باغتيال ترامب أثناء حملته الانتخابية الأخيرة، واستهدافها هي شخصيا بحملة تصيد إلكتروني.
المجتمع العسكري الاستخباراتي
يقدّر الرئيس بشدة مساهمات كبار مستشاريه العسكريين والاستخباراتيين، حتى مع رفضه العلني لبعض النتائج التي توصلوا إليها بشأن طموحات إيران النووية، كما تفيد الصحيفة.
ويشمل هذا التقدير مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد، وهي ديمقراطية سابقة كانت تنتقد ترامب بشأن إيران، فأصبحت الآن مؤيدة لحركة “ماغا”.
وفي وقت سابق من هذا العام، أدلت غابارد بشهادة أمام الكونغرس قالت فيها إن إيران لا تبني سلاحا نوويا، وهو تصريح يتناقض مع مزاعم إسرائيل.
وقد صيغت شهادة غابارد في إطار محاولات لإقناع ترامب وقاعدته بالعدول عن ضرب إيران.
وعلى الرغم من التوترات الواضحة بينها وبين الرئيس فإنها كانت حاضرة في غرفة العمليات رغم غيابها الواضح عن الصور الرسمية للبيت الأبيض.
ومن أوائل من كان لهم تأثير على توجيه ضربة إسرائيلية إلى إيران رئيس وكالة الاستخبارات المركزية جون راتكليف الذي درج على دق ناقوس الخطر بشأن طموحات إيران النووية ونواياها العدائية.
ومن بين أشاد ترامب بمساهماتهم في الأسابيع التي سبقت ضربات يوم السبت اثنان من كبار الجنرالات الأميركيين هما قائد القيادة المركزية الأميركية مايكل إيريك كوريلا الذي يشرف على الجيش الأميركي في الشرق الأوسط، ورئيس هيئة الأركان المشتركة دان كين، وهو أرفع ضابط عسكري أميركي، ويعد أحد أقوى حلفاء إسرائيل.
مذيعون في قناة فوكس نيوز
هناك اثنان من أكثر الأصوات المؤثرة التي تدفع ترامب نحو الحرب لا يعملان في الحكومة الأميركية، لكنهما يبثان رسالتهما مباشرة إلى ترامب عبر منصبيهما في قناة فوكس نيوز.
وأولهما مذيع نشرات الأخبار مارك ليفين الذي لطالما كان المنصة الإعلامية اليمينية لترامب المؤيدة لإسرائيل، وقد كان يقرع طبول الحرب، مما ترك أثرا على تفكير ترامب.
والشخصية الثانية المفضلة لدى ترامب المذيع شون هانيتي الذي دأب على مطالبته صراحة بتدمير موقع فوردو النووي.
وكان هانيتي أول من كشف النقاب عن التفاصيل العملية المحيطة بالضربات على فوردو ونطنز وأصفهان في برنامجه بالقناة.
المليارديرات
تتسق دعوة فوكس نيوز للحرب مع رؤية مالكها روبرت مردوخ الذي تدفع إمبراطوريته الإعلامية للحرب في جميع المجالات، فقد ظل مردوخ يناشد ترامب بشكل مباشر بشأن فوائد ضرب إيران، في حين أن منشوراته هاجمت مبعوث الرئيس الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف.
لكن مردوخ ليس الملياردير الوحيد الذي حاول توجيه ترامب، فهناك أيضا آيك بيرلماتر المدير التنفيذي السابق لشركة مارفل إنترتينمنت ومن كبار الممولين للحزب الجمهوري، والذي حضر اجتماعا بين الرئيس وليفين.
ولطالما آثر بيرلماتر -الذي ولد في فلسطين إبان حقبة الانتداب، وخدم في الجيش الإسرائيلي خلال حرب الأيام الستة عام 1967- العمل في السر.
كما أنه ليس الوحيد من كبار المتبرعين لترامب الذين أيدوا الضربات الإسرائيلية على إيران.
ومن بين هؤلاء ميريام أديلسون التي تبرعت بأكثر من 100 مليون دولار لحملة ترامب الرئاسية، باعتبارها السبب الرئيسي -إلى جانب زوجها الراحل شيلدون- في اتخاذه العديد من القرارات السياسية التحريضية المتعلقة بإسرائيل.
وفي حين صاغ العديد من داعمي ترامب ومؤيديه الكبار دعمهم للضربات الأميركية من منطلق القلق الجيوسياسي وفق تقرير هآرتس فإن بعض حلفائه الرئيسيين في المجتمع المسيحي الإنجيلي انطلقوا في دعمهم له من ذرائع وجودية.
فقد نشر ترامب رسالة نصية متملقة من السفير الأميركي لدى إسرائيل مايك هاكابي الذي لطالما كان تعصبه الإنجيلي في مقدمة سياساته، وتحديدا مقاربته للصراع الإسرائيلي الفلسطيني وضم الضفة الغربية، وإن كان أكثر إلحاحا على شن هجوم ضد إيران.
ومن بين هؤلاء الإنجيليين فرانكلين غراهام نجل القس الراحل بيلي غراهام، والذي يُنظر إليه على أنه قناة ترامب الرئيسية في هذه الطائفة التي تلعب دورا رئيسيا في التحالف الداعم للرئيس.
المشككون في حركة ماغا
غالبا ما تثير الانتقادات حفيظة ترامب، لكننه لم يعتد بلا شك أن يكون أكثر منتقديه صخبا من داخل قاعدته، ناهيك عن كونهم من الشخصيات الرئيسية التي أوصلته إلى منصبه الحالي، فقد كان تاكر كارلسون مقدم البرامج السابق في قناة فوكس نيوز -والذي يدير الآن إمبراطوريته الإعلامية ذات التأثير الكبير- بلا ريب أول الأصوات المنتقدة للرئيس.
فقد وجّه كارلسون انتقادات صريحة إلى ترامب وأصحاب النفوذ المذكورين أعلاه لدفعهم الرئيس نحو الحرب، ولم يسلم من لسانه حتى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، إضافة إلى حكومته.
وهناك أيضا ستيف بانون الذي عمل سابقا مديرا لحملة ترامب الانتخابية وكبير مستشاريه، والذي حذر هو وكارلسون صراحة من أن انقسام قاعدته الشعبية بسبب موقفه من إيران قد يكتب نهاية حركة ماغا.
وعلى غرار هؤلاء أصبحت النائبة مارجوري تايلور غرين -التي ربما كانت من كبار مؤيدي ترامب في الكونغرس- من بين أبرز المنتقدين له.