في قلب المأساة الإنسانية المتفاقمة في غزة، يقف سائقو الشاحنات الفلسطينيون في الصفوف الأولى لمعركة يومية من أجل إيصال المساعدات إلى أكثر من مليوني إنسان محاصَر، إذ تتحول رحلاتهم القصيرة من حيث المسافة، الطويلة من حيث الزمن والخطر، إلى اختبار قاسٍ يجمع بين القصف الإسرائيلي، وجموع الجوعى الباحثين عن الغذاء، والعصابات المسلحة التي تتربص بالقوافل.

وقالت الكاتبة مالايكا كانانه تابر في التقرير الذي نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز”، إن السائق الفلسطيني مازن لم يكد يبتعد كثيرًا عن جنوب غزة حتى سمع صراخًا، وفوجئ بجموع من الناس تندفع نحو قافلة المساعدات التابعة لـالأمم المتحدة التي يقودها، وسط مشهد من الدبابات والمباني المدمرة، وبدأ الناس بتفريغ الحمولة والصعود فوق شاحنته، مدفوعين بالجوع الشديد، غير آبهين بخطورة المنطقة العسكرية.

اقرأ أيضا

list of 2 itemsend of list

لكنهم سرعان ما تذكروا ذلك عندما بدأت رصاصات القناصة والدبابات الإسرائيلية تتطاير حولهم، مما أدى إلى اسشتهاد أشخاص من الحشد، بينما حاول مازن مواصلة القيادة بناءً على أوامر من جيش الاحتلال الإسرائيلي بعدم التوقف.

مازن هو واحد من عشرات سائقي الشاحنات الفلسطينيين الذين قاموا برحلات محفوفة بالمخاطر من وإلى المعابر الحدودية لنقل البضائع التي ترسلها وكالات الإغاثة على مدى ما يقرب من عامين، في ظل حرب مستمرة تسببت في كارثة إنسانية، ونزوح واسع، ومجاعة تهدد السكان.

وأشارت الكاتبة  إلى أن كل رحلة قد تستغرق أيامًا رغم قصر المسافة بسبب المخاطر التي تواجه السائقين، من القصف الإسرائيلي حتى الجموع الجائعة والعصابات المسلحة، وقد استشهد أكثر من 2100 فلسطيني أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات منذ أواخر مايو/أيار بنيران إسرائيلية، وفقًا للأمم المتحدة.

وهناك أيضًا عراقيل بيروقراطية تعيق حركة القوافل، إذ قد يستغرق الحصول على إذن من جيش الاحتلال للانتقال من نقطة إلى أخرى ساعات أو أيام أو قد لا يأتي أبدًا، مما يؤدي إلى تكدس المساعدات عند المعابر.

وتتهم إسرائيل الأمم المتحدة بعدم جمع المساعدات، وتروج لنموذج جديد تموله الولايات المتحدة يُعرف بـ”مؤسسة غزة الإنسانية”، يهدف لتوزيع المساعدات في مواقع عسكرية لمنع وصولها إلى حماس، رغم نفي الأمم المتحدة وجود أدلة على استيلاء حماس على المساعدات.

رحلة شاقة

وذكرت الكاتبة أن مازن -الذي كان سائق شاحنة تجارية قبل الحرب- ينطلق فجرًا من خيمته في منطقة المواصي للالتحاق بالقافلة، وبعد الحصول على الموافقة، تسلك القوافل -التي قد تضم أكثر من 50 شاحنة- نحو معبر كرم أبو سالم على طرق يحددها الجيش الإسرائيلي، وغالبًا ما تُحتجز لساعات في نقاط التفتيش الإسرائيلية.

وينتظر السائقون بعد وصولهم حتى يتم تفتيش المساعدات وتحميلها من الشاحنات الإسرائيلية إلى الفلسطينية، وقد يضطرون للمبيت عند المعبر، حيث يغلون الشاي وينامون تحت الشاحنات.

وأفادت الكاتبة بأن الموافقة على هذه المهام تتطلب تقديم طلب من المنظمات الإنسانية إلى الجيش الإسرائيلي، الذي غالبا ما يرفضه.

ووفقًا للأمم المتحدة، دخلت 120 شاحنة فقط يوميًا في أغسطس/آب الماضي، مقارنة بـ600 خلال الهدنة بين يناير/كانون الثاني ومارس/أذار.

وذكرت الكاتبة أن إسرائيل تسمح حاليًا لعدد محدود من المنظمات غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة بإدخال المساعدات عبر المعابر، حيث تقول الأمم المتحدة إن ما يقرب من ثلث الموافقات استغرقت أكثر من شهر، وتقتصر عمليات التسليم على معبري: كرم أبو سالم في الجنوب وزيكيم في الشمال.

وتتعاقد هذه المنظمات مع شركات نقل داخل غزة، التي بدورها توظف سائقين مثل مازن، وتستغرق الرحلة -التي يُفترض أن تنتهي خلال 5 ساعات- ما بين 12 إلى 24 ساعة.

وقالت أولغا تشيريفكو من مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في غزة، إن المنظمة كانت تشغل عدة قوافل في اليوم الواحد خلال وقف إطلاق النار، لكن هذا أصبح أمرًا مستحيلًا تمامًا في الوقت الحالي.

وذكرت الكاتبة أن الجموع الجائعة تظهر غالبًا عند مرور القوافل في محافظة رفح التي أصبحت مهجورة، وقال سائق آخر اسمه عمر إن هذه الجموع بدأت بالظهور بعد تخفيف الحصار، واصفًا ما يحدث بأنه “توزيع ذاتي” من قبل أشخاص لم يحصلوا على ما يكفيهم من الطعام منذ شهور.

ويشبّه عمر، وهو تاجر جملة تحول إلى سائق شاحنة مساعدات خلال الحرب، فرحة الناس بالحصول على الطعام بفرحة أطفاله عند عودته بكيس دقيق. وقد أكد السائقون الآخرون أن الهجمات الإسرائيلية على هذه الجموع أمر شائع.

لصوص المساعدات

وأضافت الكاتبة أن السائقين يتعرضون أيضًا لهجمات من لصوص مسلحين يسرقون الوقود والبطاريات، بل ويستولون على الشاحنات بالكامل. وقد أشار عدة سائقين إلى عصابة يقودها ياسر أبو شباب، الذي يسيطر على جزء من رفح داخل المنطقة العسكرية الإسرائيلية.

وقال عمر إنه تعرض لسرقة شاحنته عند حاجز إسرائيلي، حيث طلب منه أبو شباب تشغيلها، ثم استولى عليها أحد أفراد العصابة.

وأفادت الأمم المتحدة أن أقل من خُمس الشاحنات وصلت إلى وجهتها هذا الصيف، بينما اعتُرضت البقية إما من قبل الجموع الجائعة وإما العصابات المسلحة.

وفي مواجهة هذه المخاطر، لم يستمر في العمل سوى عدد قليل من سائقي غزة،  حيث تعرض العشرات منهم للقتل والإصابة والاعتقال، ورفض آخرون المجازفة، وفقًا لرابطة صناعة النقل.

ووفقًا لمسؤول في رابطة صناعة النقل، فإن ما يزيد قليلاً عن ثلث الشاحنات العاملة سابقًا في غزة ما زال يعمل، بينما تم تدمير البقية أو تفكيكها لاستخدام قطعها في إصلاح أخرى، وسط ارتفاع هائل في أسعار قطع الغيار بسبب عدم سماح إسرائيل بدخول مواد جديدة.

وختمت الكاتبة بأن مازن غالبًا ما يعود إلى غزة بشاحنة شبه فارغة، إذ تتفاقم التحديات مع كل مهمة، من ازدحام الجموع إلى تزايد السرقات وإطلاق النار، دون ضمان لعودته سالمًا.

شاركها.
Exit mobile version