ألبرتا- تشهد كندا، البلد الذي يشتهر بأمنه واستقراره، خلال السنوات الأخيرة انتشارا مقلقا لظاهرة سرقة السيارات والمنازل، التي لم تعد تُؤرّق المواطنين فقط، بل كل شرائح المجتمع والحكومة على حد سواء، وامتدت لتؤثر على فقدانهم للأمان في منازلهم وحياتهم الخاصة، وتركت آثارا اقتصادية ونفسية عميقة على ضحاياها.
وتشير التقارير إلى أن حوالي 70 ألف سيارة بكندا سرقت في 2022، وتركزت معظمها في أونتاريو وكيبيك، وفي 2023 ارتفعت السرقات بنسبة 150% في تورنتو ومونتريال، وغالبا ما تتم عملية السرقة في 5 دقائق أو أقل، ثم توضع في حاويات لتُشحن بحرا من مرفأ مونتريال.
وبالرغم من أن حجم المشكلة لا يزال كبيرا، فإن 2024 كان العام الأول منذ 2020 الذي انخفض فيه سرقات السيارات مقارنة بالعام السابق، حيث أُبلغ عن 57 ألفا و359 سرقة في عموم البلاد خلال 2024، وفي 2023 وقعت 70 ألفا و475 سرقة، وفق هيئة الإذاعة الكندية.
وكانت سرقات السيارات في كندا، قد ارتفعت خلال 2023 لتصل إلى 114 ألفا و863 حادثة، بزيادة 8.44% (أي 8940 حادثة إضافية) مقارنة بعام 2022، وسجل معدل السرقات 286.46 حادثة لكل 100 ألف نسمة في 2021، بحسب هيئة الإحصاء الكندية.
احتراف الجريمة
في مدينة كالغاري بمقاطعة ألبرتا، عاش سام مارفن (25 عاما) لحظات صادمة لأول مرة في حياته، عندما خرج ظهرا من محطة المترو قادما من جامعته، وذهب إلى موقف السيارات، ليكتشف أن مركبته من نوع “جيب شيروكي” قد سُرقت، مع وجود بقايا زجاج مكسور، حيث أبلغ الشرطة مباشرة بالحادثة.
ويروي سام للجزيرة نت قصته التي حدثت العام الماضي، موضحا أن المفاجأة الأخرى كانت عندما تلقى اتصالا من والدته تخبره بأن منزلهم قد سرق أيضا، ليكتشف -كما يقول- أن اللص بدأ بسرقة المركبة من المحطة، وثم توجَّه للمنزل وسرق جزءا من محتوياته، ولحسن الحظ لم تكن والدته حينها هناك، وهو ما جنّبها الأذى والانهيار نتيجة الصدمة.
ويؤكد سام أن الجريمة كانت مدبرة بعناية، ورُتّب لها بدقة، حيث جرى مراقبة المنزل وتتبع السيارة إلى محطة المترو، وعند خلو المنزل تم السطو على السيارة ومن ثم المنزل، ويضيف “مستحيل أن تكون هذه الأعمال فردية، والمؤكد أنها عصابة محترفة”.
وبعد شهر من السرقة، استرد سام سيارته لكن دون محتوياتها ومقتنياته الشخصية، أما حادثة السطو على المنزل، فلم تبلغه الشرطة بنتائج التحقيق حتى الآن.
تبعات السرقة
وكان رئيس وزراء مقاطعة أونتاريو، دوغ فورد، قد طالته هذه الظاهرة، في نهاية يونيو/حزيران الماضي، حيث حاول 4 ملثمين ومدججين بأجهزة برمجة مفاتيح السيارات، سرقة مركبته من أمام منزله ليلا، في تحدٍ واضح للسلطات دون أي اكتراث للقانون أو العقوبات.
وفي مدينة وينزر بمقاطعة أونتاريو، تعرضت عائلة عمر يوسف لسرقة سيارتهم “فورد ترك إف-150″، ويقول عمر “استيقظت صباحا للذهاب للعمل، ثم خرجت من المنزل ولم أجد السيارة، فاتصلت بالشرطة فورا، وجاءت واستمعوا لأقوالنا”.
ويضيف للجزيرة نت أنه في اليوم السابق، استقبل في منزله شخصا جاء لتسليم سلعة اشتراها إلكترونيا، وبعد مغادرة الشخص اكتشف عمر أن مجموعة من المفاتيح لم تعد موجودة عند مدخل البيت، مما يعني أن الشخص سرقها أثناء وقوفه عند مدخل المنزل.
وفي اليوم التالي للسرقة، -يواصل عمر- “أبلغتني الشرطة بضرورة الحضور إلى المركز، وهناك عرضوا قائمة من 12 مشتبها بهم، فتعرفت على السارق، ثم بعد 4 أيام أخبرتني الشرطة أنهم قبضوا عليه وهو في داخل السيارة المسروقة، وكان تحت تأثير المخدرات”.
ويؤكد المتحدثان سام وعمر أن السرقات أحدثت حالة من التوتر والقلق النفسي، وزرعت الخوف لدى أفراد أسرهم، مما أفقدهم الشعور بالأمان في منازلهم، مشددين على أن تنامي هذه الظاهرة أدى لتراجع الثقة بالأمان، ودفعهم لتعزيز إجراءات الحماية، كتركيب كاميرات مراقبة، وأجهزة تتبع في السيارات.
وامتدت آثار هذه الظاهرة إلى شركات التأمين، التي تكبدت خسائر قدرت بـ1.5 مليار دولار كندي (1.09 مليار دولار أميركي) في مطالبات مرتبطة بتعويضات عن سرقة سيارات في 2023، بزيادة نسبتها 254% مقارنة بعام 2018، وفق ما نقلته شبكة غلوبال نيوز عن مكتب التأمين الكندي.
إجراءات للمنع
وفي مقابلة مع الجزيرة نت، أكد الضابط نك ويلشر، عضو فريق الوقاية من الجريمة في شرطة كالغاري، تورط شبكات الجريمة المنظمة بسرقة المركبات خاصة في شرق كندا، حيث تُستهدف السيارات الفارهة، أما في كالغاري فتُسترد معظم المركبات، وغالبا ما تكون السرقات “جرائم فرص” تستهدف النقود أو الممتلكات سهلة البيع، وليست بالضرورة جرائم منظمة.
ويقول: إن كل مقاطعة مختلفة عن الأخرى، ولذلك كانت جرائم المركبات في أونتاريو وكيبيك أعلى نسبيا. وبالنسبة للسطو على المنازل -يضيف الضابط ويلشر- “شهدنا في كالغاري ارتفاعا في 2022 كان أكبر نسبة ارتفاع، لكنه انخفض خلال السنوات الثلاث الماضية، فيما سجنا في الربع الأول من هذا العام زيادة طفيفة مقارنة بـ2024، أي فعليا شهدنا ارتفاعا لكنه ليس كبيرا”.
ويتابع “نشجع الناس على التعرف على الميزات الأمنية لمركباتهم، كأن يعرف الشخص مدى قرب المفتاح من السيارة حتى تتمكن من استقبال الإشارة وفتح الأبواب، وهذه من أبسط النصائح، إذا كنت تملك مفتاحا إلكترونيا، ضعه في درج أو داخل علبة معدنية في المطبخ ذلك يعطّل الإشارة”.
ونصح ويشلر المواطنين باتباع التدابير التالية لتأمين سياراتهم ومنازلهم من السرقة:
- ينصح في فصل الشتاء عند تشغيل السيارة عن بعد لتسخينها، بعدم تركها دون مراقبة، واستغلال هذه الفترة بروتين فحص الإطارات والأضواء وإزالة الثلوج، لتقليل مخاطر السرقة.
- روتين الساعة 9 مساء: تذكير يومي بإغلاق الأبواب والنوافذ.
- روتين الساعة 7 مساء للأطفال: تشجيعهم على تأمين أغراضهم الثمينة.
وختم الضابط بتأكيده أن حملات التوعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي قللت من السرقات عبر تشجيع المواطنين على اتخاذ تدابير وقائية.