خاص بالجزيرة نت
غزة- حرمت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة 785 ألف طالب وطالبة من حقهم في التعليم، للعام الثاني على التوالي، بعدما تعمَّد الاحتلال شل المنظومة التعليمية وتدمير مقوماتها.
ووصف وكيل وزارة التربية والتعليم في غزة الدكتور خالد أبو ندى، ما يعيشه القطاع التربوي بأحلك مراحله التاريخية التي يواجه فيها كارثة مركّبة تمس مئات آلاف الطلبة والمعلمين، وتهدد بضياع مستقبل جيل بأكمله.
وقال أبو ندى في حديث خاص للجزيرة نت، إن الاحتلال منذ أن جثم فوق أرض فلسطين، تعمَّد تدمير المؤسسات التعليمية في محاولة لطمس هوية الشعب الفلسطيني وكسر إرادته، ويظهر ذلك جليا في استهداف الأطفال والطلبة والعاملين في قطاعي التعليم العام والعالي، وقصف المؤسسات التربوية، بما فيها المباني التعليمية والإدارية والتقنية.
إبادة للعلم وهياكله
وأكد أبو ندى، أن ما يحدث في غزة إبادة معرفية ممنهجة، وجريمة ضد جيل كامل يُراد له أن ينشأ ضعيفا، وجاهلا، وبلا أفق.
ولفت إلى أن حرب الإبادة المتواصلة أفقدت 600 ألف طالب في المرحلة الأساسية حقهم في التعليم للعام الثاني على التوالي، إضافة إلى 74 ألف طالب في الثانوية العامة ضمن دفعات عامي 2024 و2025، وما يقارب من 100 ألف طالب وطالبة جامعيين، وأن جميعهم يعيش ظروف نزوح قاسية تفتقر لأدنى مقومات الحياة.
وفيما يتعلق بحجم الدمار الذي طال المؤسسات التعليمية، أوضح أبو ندى، أن حوالي 96% من المباني المدرسية تضررت بفعل القصف الإسرائيلي الهمجي والمباشر، وأن 89% من تلك المباني خرجت عن الخدمة بسبب تدميرها كليا أو جزئيا، وتحتاج لتدخلات إنشائية كبيرة قبل إعادتها للخدمة.
وأشار إلى أن غالبية المدارس تحولت لمراكز إيواء للنازحين، ويواصل الاحتلال استهدافها بشكل مستمر ومباشر رغم أنها تضم خياما ومبادرات تعليمية يدرس فيها مئات الأطفال.
كما تعرضت الجامعات ولا تزال للاستهداف الإسرائيلي، وتم تدمير منشآتها وتعطيل برامجها التعليمية، وكان آخرها قصف مباني فرع الجامعة الإسلامية في خان يونس جنوب قطاع غزة.
وشدد المسؤول أبو ندى على أن ما يتعرَّض له القطاع التعليمي لا يمثل ضررا ماديا فحسب، بل يشكل جريمة حرب واضحة تهدف لتدمير مستقبل الشعب الفلسطيني.
وقتل الاحتلال -وفق أبو ندى- حوالي 13 ألف طالب وطالبة خلال الحرب المستمرة حتى الآن، إضافة لنحو 800 معلم وموظف تربوي أثناء أدائهم واجبهم أو في منازلهم.
وأضاف، مؤكدا سياسة إسرائيل الممنهجة لتدمير التعليم واستهداف العقول والكفاءات، أن 150 أستاذا جامعيا وعالما وباحثا اغتالهم الاحتلال في عمليات استهدفت النخبة الأكاديمية، ما يشكل محاولة لمسح الهوية الفكرية والمعرفية للشعب الفلسطيني.
خطة للنهوض
ورغم الإجرام والوحشية الإسرائيلية وتفاقم الكارثة، لم تتوقف جهود وزارة التربية والتعليم العالي للحفاظ على الحد الأدنى من العملية التعليمية، حسب أبو ندى. وقامت بعدة خطوات أبرزها:
- دعم نهج التعليم الشعبي عبر مدارس ميدانية ونقاط تعليمية ومبادرات مجتمعية فردية وجماعية، يلتحق بها حاليا أكثر من 250 ألف طالب وطالبة.
- كما اعتمدت منصات إلكترونية لمساعدة الطلبة الذين تتوفر لديهم متطلبات الوصول إليها، والتحق بها أكثر من 300 ألف طالب وطالبة من المسجلين في المدارس الحكومية والخاصة وتلك التابعة للأونروا.
- وأشار أبو ندى إلى استحداث أنظمة مؤقتة للتعليم في أوقات الطوارئ تتماشى مع المعايير الدولية للحد الأدنى من التعليم في الظروف الطارئة.
- إضافة للتنسيق مع المؤسسات المحلية والدولية لتقديم أنشطة دعم نفسي واجتماعي للطلبة والمعلمين، وتقديم خدمات صحية داخل مراكز الإيواء والنقاط التعليمية والمبادرات التي تتعلق بالتوعية الصحية والنظافة والمياه والصرف الصحي.
وأكد أن الوزارة عملت على تقييم شامل للأضرار التي لحقت بالقطاع التعليمي، ووضعت خطة للتعافي التدريجي، وبدأتها باستدراك مستقبل 37 ألف طالب وطالبة كان يفترض أن ينهوا مرحلة الثانوية العامة في العام 2024، وعملت على تجهيز آلية مناسبة للامتحانات رغم صعوبة الأوضاع الميدانية، لكن استمرار الحرب وهمجية القصف حال دون عقدها لأكثر من مرة.
وحذّر من أن الملتحقين بدفعة الثانوية العامة للعام 2025 مهددين بخسارة عامين متتاليين من التعليم، وقال إنه وللحيلولة دون ذلك، أعدّت الوزارة خطة مكثفة لتعويض الفاقد، ونجحت إلى حد بعيد في مساعدة الطلبة.
خارج المسار
وأشار وكيل الوزارة أبو ندى، إلى أن التربويين يبذلون جهودا مضاعفة لضمان الحد الأدنى من العدالة التربوية لهؤلاء الطلبة رغم الواقع المأساوي، آملا أن يتمكن الطلبة من إنهاء العام الدراسي ليلتحقوا بالتعليم العالي.
ووفقا للمسح الأوَّلي الذي أجرته وزارة التربية والتعليم لا يزال أكثر من 350 ألف طالب وطالبة خارج نطاق الأنشطة التعليمية التي تشرف عليها الوزارة، ما يعني أنهم غير ملتحقين بأي مسار تعليمي، أو أنهم انضموا لأنشطة تعليمية غير معتمدة، ما يشكل تهديدا حقيقيا لمستقبلهم وينذر بكارثة تهبط بمعدلات الالتحاق الإجمالية لمستويات خطيرة وغير مسبوقة.

وأشار أبو ندى إلى أنه وبعد أن كانت معدلات الالتحاق في التعليم الفلسطيني هي الأعلى على مستوى العالم، ومستويات الأمية هي الأدنى في الشرق الأوسط، أصبح هناك تهديد حقيقي لتفشي الأمية وارتفاع نسب التسرب المدرسي لمستويات قياسية، حيث شكَّل الفراغ التعليمي خطرا مستقبليا على بنية المجتمع الفلسطيني معرفيا وسلوكيا.
وطالب الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي بـضرورة التحرك العاجل لوقف العدوان، وإعادة إعمار المدارس والمؤسسات التعليمية، ودعم المعلمين والبرامج النفسية والتعليمية، وضرورة توفير منح دراسية للطلبة المتفوقين المتضررين، وشدد على أن إنقاذ التعليم في غزة ليس ترفا، بل هو واجب إنساني وأخلاقي وأخوي لا يحتمل التأجيل.