حذر تقرير صادر عن رؤساء أجهزة الاستخبارات البريطانية من أن الأمن القومي للمملكة المتحدة مهدد بشدة بسبب أزمة المناخ والانهيار الوشيك للنظم البيئية الطبيعية الحيوية، مع احتمال حدوث نقص في الغذاء وكارثة اقتصادية خلال سنوات قليلة.
ومع ذلك، فقد تم تأجيل صدور التقرير، الذي كان من المفترض أن يُنشر يوم الخميس الماضي في فعالية بارزة بلندن، وأعربت صحيفة «الغارديان» عن مخاوف من احتمال أن يكون مكتب رئيس الوزراء قد حجبه.
وأشار تقرير لجنة الاستخبارات المشتركة إلى أن التأثير «المزعزع للاستقرار» لأزمتي المناخ والطبيعة على الأمن القومي يمثل أحد أكبر المخاطر التي تواجه بريطانيا.
وتتعرض سلاسل توريد المواد الغذائية بالفعل لضغوط، مع ارتفاع أسعار بعض السلع. وقد حذر خبراء الدفاع من أن هذا الوضع قد يتفاقم في المستقبل القريب مع اعتماد المملكة المتحدة المفرط على الواردات.
كما ستتأثر صناعات أخرى بانهيار النظم البيئية في أماكن مثل الأمازون، وبالآثار المتفاقمة للطقس المتطرف في جميع أنحاء العالم. وأبلغ الوزراء أن هذه التأثيرات ليست بعيدة كما افترض البعض بتهاون، لكن بدأ الشعور بها بالفعل وستزداد أهميتها مع ارتفاع درجات الحرارة إلى ما يزيد عن 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة.
وكان من المقرر نشر التقرير اللاذع الأسبوع الماضي في فعالية بالعاصمة، لكن صحيفة «الغارديان» علمت أن التقرير الذي أعده خبراء على مدى أشهر عديدة قد تم التحفظ عليه مؤقتاً.
وقال مصدر لصحيفة «الغارديان» إنه وآخرين يخشون حجبه لعدم رغبة الحكومة في مواجهة القضايا المطروحة، وقد تم خفض المساعدات الخارجية المعروفة رسمياً باسم المساعدة الإنمائية الرسمية، والتي يمكن أن تساعد في استقرار البلدان الأكثر عرضة لخطر أزمة المناخ وتجنب بعض الآثار التي تم التحذير منها.
وقال مصدر آخر مطلع على المحتوى للصحيفة: «هذا تحذير صارخ للغاية، ومن الواضح جداً أن التأثيرات على الأمن القومي مثيرة للقلق الشديد». ويُعد انقطاع الغذاء أكبر المخاطر، إذ تستورد المملكة المتحدة نسبة متزايدة من غذائها من الخارج، ويأتي بعضه من مناطق معروفة بخطر الكوارث المناخية وانهيار النظم البيئية، كما تعاني صناعة الملابس والأزياء من ضغوط متزايدة، إذ تأتي العديد من الأقمشة من مناطق معرضة للخطر.
كما ستؤثر الهجرة من الدول الأكثر تضرراً من أزمات المناخ والتنوع البيولوجي على المجتمع والاقتصاد، ومن المرجح أن تشهد بعض الدول الأكثر تضرراً سقوط حكومات وتصاعد الاضطرابات الاجتماعية، ما سيؤدي إلى عدم استقرار سياسي.
ولطالما حذر المسؤولون من أزمة المناخ على مدى عقدين، وكانت المملكة المتحدة أول دولة تفرض مناقشة هذه القضية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عام 2007، لكن لم يُبذل سوى القليل منذ ذلك الحين لمعالجة آثار انهيار المناخ وانهيار النظام البيئي على الأمن القومي.
وقد ازداد قلق خبراء الدفاع إزاء عدم اتخاذ إجراءات، ودعا بعضهم إلى اعتبار تمويل المناخ جزءاً من الإنفاق على الأمن القومي، ومن المرجح أن تُظهر قمة المناخ «كوب 30» التابعة للأمم المتحدة، والمقرر عقدها الشهر المقبل في البرازيل، أن معظم الدول متأخرة كثيراً عن تحقيق أهداف خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بشكل كبير، وذلك لمنع درجات الحرارة العالمية من تجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة.
وكان من المتوقع أن يحضر رئيس الوزراء كير ستارمر قمة «كوب 30»، حيث يمكن للمملكة المتحدة أن تفخر ببعض أكثر أهداف العالم طموحاً وإنجازاتها القوية في خفض الانبعاثات، ولكن صحيفة «الغارديان» علمت أن بعض مستشاريه يريدون منه عدم الحضور، خوفاً من أن يهاجمه حزب الإصلاح لذهابه. وقال متحدث باسم الحكومة: «تتخذ هذه الحكومة إجراءات حازمة لتعزيز الأمن الغذائي في المملكة المتحدة وعكس مسار تدهور الطبيعة، بالإضافة إلى الاستعداد لآثار تغير المناخ، بما في ذلك تقديم 11.6 مليار جنيه إسترليني في مشروع قانون دولي للمناخ بحلول نهاية 25/ 26».
وقال الوزير المحافظ السابق في عهد بوريس جونسون، زاك جولد سميث، إن «معالجة أزمة الطبيعة يجب أن تحظى بأولوية مساوية لأزمة المناخ كقضية دفاعية». وأضاف: «هناك الكثير من داعمي الطبيعة في حزب العمال، لكن مع نقل ديفيد لامي من وزارة الخارجية من الواضح جداً أن الطبيعة قد فقدت الأولوية بشكل كبير، ولم يتبق لنا سوى تركيز أحادي البعد على الكربون».
وتابع جولد سميث: «يبدو أن ستارمر هو أول رئيس وزراء بريطاني لا يحضر مؤتمر الأطراف لتجنب فضحه بسبب حضوره دون إنجازات ملموسة وحتى التخلي عن الالتزامات القائمة».
وأضاف: «لا يوجد حالياً ما يشير إلى أن المملكة المتحدة ستدعم خطة الرئيس البرازيلي الرائدة لعكس مسار تدمير أحواض الغابات الاستوائية الكبرى في العالم، على الرغم من أنها بُنيت بمساهمة بريطانية كبيرة. بعض برامجنا المفضلة والمحترمة معرضة لخطر الإلغاء بسبب تخفيضات المساعدات الإنمائية الرسمية».
وعلى الرغم من ريادة بريطانيا في حماية المحيطات عالميا بكل الطرق، فإن اللوم يوجه إليها الآن على عرقلة التقدم نحو حماية القارة القطبية الجنوبية. وقال جولد سميث: «يبدو الآن أن تقريراً بالغ الأهمية أصدرته لجنة الاستخبارات المشتركة حول التهديدات التي يتعرض لها أمن المملكة المتحدة جراء انهيار النظم البيئية بالغة الأهمية قد أُخفي تحت السجادة من قبل حكومة تشعر بالحرج من فشلها في تقديم أي قيادة في هذه القضية». «الغارديان»
سجل حافل
تتمتع المملكة المتحدة بسجل حافل من العمل المناخي الطموح، إذ استضافت مؤتمر الأطراف الـ26 لتغير المناخ التابع للأمم المتحدة (COP26) في غلاسكو، حيث تم إطلاق خطة لخفض انبعاثات غاز «الميثان»، لأول مرة. وخلال المؤتمر، أعلنت المملكة المتحدة عن طموحاتها المحددة وطنياً، التي تستهدف خفض الانبعاثات بموجب التزام اتفاقية باريس بـ1.5 درجة مئوية لخفض جميع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 81% على الأقل بحلول عام 2035 مقارنة بمستويات عام 1990. ويتماشى تحديث المساهمات المحددة وطنياً مع توصية لجنة تغير المناخ، وقد دعت المملكة المتحدة الدول الأخرى إلى مواكبة طموحاتها في معالجة تغير المناخ.
• بريطانيا أول دولة تفرض مناقشة هذه القضية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عام 2007.