من الملاحظ أنه على مدار آلاف السنين، من يسيطر على طريق الحرير، فإنه يهمن على الثروة والنفوذ في منطقة آسيا الوسطى. وكان الإسكندر الأكبر وجانكيز خان وتيمورلنك من بين الشخصيات العظيمة التي تركت بصمة لا يمكن محوها في المنطقة، حسبما قال المحلل السياسي الأميركي جوزف إبستاين في تقرير نشرته مجلة «ناشيونال إنتريست» الأميركية.

وأضاف إبستاين، الزميل البارز في معهد «يوركتاون»، والزميل الباحث في مركز «بيجن السادات» للدراسات الاستراتيجية في جامعة «بار إيلان»، أن «إرث طريق الحرير يوفر اليوم فرصة من نوع مختلف، وهي فرصة الدبلوماسية».

وقال إبستاين، إن «الرئيس الأميركي دونالد ترامب يمكن أن يصبح أول رئيس للولايات المتحدة يزور آسيا الوسطى، ليبرهن على أن أميركا مستعدة للقيام بدور محوري في المنطقة للمرة الأولى منذ استقلالها عن الاتحاد السوفيتي عام 1991».

وأصبحت آسيا الوسطى، التي كان أُهملت فيما مضى، تحظى بالاهتمام الآن، حيث يسهم كلٌ من ثروتها المعدنية الهائلة وموقعها الاستراتيجي في جعلها ساحة مهمة للمصالح الأميركية.

ومع تجمع قادة كازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان في واشنطن لحضور قمة مجموعة الدول (الخمس + 1)، ستشير زيارة رئاسية للمنطقة إلى أن الولايات المتحدة ملتزمة بأن تكون لاعباً رئيساً في رسم ملامح مستقبلها الاقتصادي والجيوسياسي.

وتسعى منطقة آسيا الوسطى على نحو مستمر إلى الاستحواذ على اهتمام الولايات المتحدة، ووقّعت كلٌّ من كازاخستان وأوزبكستان أخيراً صفقات بمليارات الدولارات مع شركات أميركية، لشراء طائرات وقاطرات من إنتاج شركة «بوينغ».

وعلى نطاق واسع اعتُبرت هذه الاتفاقات، التي تم التوقيع عليها على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، محاولة لجذب اهتمام الرئيس ترامب، وعلى الرغم من أن أذربيجان لا تقع من الناحية الفنية في آسيا الوسطى، فإنها تُعدّ لاعباً رئيساً في التكامل الإقليمي، وعزّزت أيضاً تواصلها مع واشنطن.

وتظهر كلٌّ من القمة المشتركة للسلام التي عقدها الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف مع رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان في واشنطن، حيث نحيا جانباً الوسطاء السابقين، مثل روسيا والاتحاد الأوروبي في أغسطس، واستعداد باكو للنظر في الانضمام إلى قوة استقرار مدعومة من الولايات المتحدة في غزة، الاهتمام بإقامة علاقات أوثق مع الولايات المتحدة.

وظهرت أذربيجان كمركز اتصال في المنطقة، سواء من خلال الجغرافيا أو الدبلوماسية، وتقع باكو المحصورة بين روسيا وإيران، في قلب الممر الأوسط، الذي يربط أسواق آسيا الوسطى وطرق الطاقة إلى أوروبا.

وبالنسبة لهذه الدول، فإن انخراط أكثر عمقاً مع واشنطن يتوافق مع سياستها الخارجية متعددة الاتجاهات التي تحافظ فيها على علاقات متوازنة بين القوى العالمية، لتجنب الاعتماد على أي واحدة فقط منها. ويوضح إبستاين أن الولايات المتحدة لم تكن على مدار سنوات جزءاً من هذه المعادلة، وكان انخراطها في المنطقة متمحوراً في الأغلب حول المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان وتعزيز الديمقراطية.

وعلى النقيض، يُنظر إلى نهج ترامب البراغماتي، الذي يقوم على أساس الأنشطة التجارية أولاً في آسيا الوسطى، على أنه واضح وخالٍ من النظريات الأيديولوجية.

وضاعفت الحرب في أوكرانيا فرص التعاون المفيد على نحو متبادل، وتآكل نفوذ موسكو في الوقت الذي لاتزال فيه غارقة في مستنقع الصراع، بينما ملأت بكين جزءاً كبيراً من الفراغ.

وتخطت الصين في عام 2023 روسيا كأكبر شريك تجاري لمنطقة آسيا الوسطى، غير أن قادة المنطقة على دراية تامة بمخاطر الاعتماد المفرط على بكين، التي تراوح من دبلوماسية فخ الديون إلى تقليص السيادة.

وبالنسبة لواشنطن، فإن فوائد التعاون الوثيق واضحة، وبينما تحتكر الصين سوق المعادن النادرة، تحتاج الولايات المتحدة بشكل مُلِح إلى مصادر بديلة، وتوفر آسيا الوسطى احتياطات كبيرة وبنية تحتية قائمة لأنشطة التعدين ورثتها من الحقبة السوفيتية، والمنطقة تواقة للاستفادة من هذه الميزة التي تتمتع بها.

لكن القيمة الاستراتيجية لمنطقة آسيا الوسطى ليست قاصرة على المعادن المهمة، فالمنطقة تحتوي على ممرات تجارية حيوية تربط شرق آسيا بأوروبا، ما يوفر فرصاً لواشنطن لتنويع سلاسل التوريد أيضاً.

وتُرسّخ آسيا الوسطى طريق النقل الدولي عبر قزوين – الممر الأوسط – الذي يربط شرق آسيا بأوروبا، بينما يتجاوز روسيا وإيران.

ويقدم الممر بديلاً استراتيجياً لقناة السويس وطرق السكك الحديدية الشمالية عبر روسيا، خصوصاً وسط تحول سلاسل التوريد العالمية وإعادة التنظيم الجيوسياسي. وستكون زيارة رئاسية إلى المنطقة مؤشراً إلى أن الولايات المتحدة جادة في الانخراط في المنطقة. ويُعدّ الحضور مهماً، وخصوم الولايات المتحدة مثل روسيا والصين يُفهمون ذلك.

وستظهر زيارة ترامب أن الولايات المتحدة لديها النية في أن تكون لاعباً محورياً في مستقبل المنطقة، ولا تقف موقف المتفرج.

شاركها.