في الأشهر الأخيرة كثر الحديث عن إحياء السياسة الداخلية في أوكرانيا، وتصاعد المنافسة السياسية بين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وقائد الجيش السابق، فاليري زالوجني. وبرز الآن رئيس وكالة الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، كيريلو بودانوف، كشخصية تحظى بدعم شعبي كبير، حيث أظهرت بعض الاستطلاعات أن نسبة الثقة العامة به أعلى من زيلينسكي.
ولطالما وفرت الحرب للقادة العسكريين منصة سياسية، لكن منذ الحرب الروسية الشاملة على أوكرانيا عام 2022، حقق بودانوف مكانة أشبه بالمشاهير. وينتمي هذا الرجل ذو الـ39 من العمر، إلى جيل جديد من مسؤولي الأمن الأوكرانيين غير المثقلين بعبء الماضي السوفييتي.
وقضى بودانوف حياته المهنية بأكملها في مجال الاستخبارات، بعد تخرجه في جامعة عسكرية، وتم اختياره للتدريب من قبل وكالة المخابرات المركزية الأميركية. وعلى الأرجح، لم يُعجب الأميركيون بحماسته فحسب، بل أيضاً بصغر سنه، إذ يعتبرون الضباط الأكبر سناً أقل موثوقية نظراً لخدمتهم السابقة مع نظرائهم الروس في الوكالات السوفييتية.
وهناك كثير من المعلومات السرية حول مسيرة بودانوف المهنية، لكنه شارك في غارة على شبه جزيرة القرم الخاضعة لسيطرة روسيا عام 2016، عندما جرى تبادل لإطلاق النار مع القوات الخاصة الروسية. وبحلول عام 2020، ترقى بودانوف إلى رتبة عقيد، وكان نائب رئيس قسم في جهاز الاستخبارات الخارجية الأوكراني.
وعُيّـن بودانوف رئيساً للمديرية الرئيسة للاستخبارات في وزارة الدفاع الأوكرانية في وقت لاحق من ذلك العام، عقب فضيحة حاولت فيها الأجهزة الخاصة الأوكرانية، وفشلت، استدراج مجموعة من المرتزقة الروس من شركة «فاغنر» العسكرية الخاصة للسفر إلى أوكرانيا عبر بيلاروسيا. وألقى سلف بودانوف، فاسيل بوربا، باللوم على قيادة البلاد، وأبرزها رئيس أركان زيلينسكي، أندريه يرماك، وأُقيل لاحقاً من منصبه.
ومن المرجح أن يكون رومان ماشوفيتس، قائده السابق الذي شغل منصب نائب رئيس الأركان في عهد زيلينسكي بين عامي 2020 و2024، قد أسهم في تطوير مسيرة بودانوف المهنية.
لكن من المرجح أيضاً أن يرماك رأى في تعيين بودانوف وسيلة لتعزيز نفوذه على أجهزة الاستخبارات الأوكرانية. وهناك صلة أخرى بين بودانوف وزيلينسكي، إذ يسكن بودانوف بجوار ماريا ليفتشينكو، مساعدة زيلينسكي التي كان زوجها، أوليكساندر هوهيلاشفيلي، نائباً سابقاً لوزير الداخلية.
وفي حين أن بودانوف لم يكن مرتبطاً في الغالب بأي عشيرة سياسية أوكرانية معينة، فمن الواضح أن لديه علاقات وثيقة مع الغرب. ففي مقابلة أجريت معه قبل شهرين من الحرب الروسية الشاملة، كشف عن معرفته التفصيلية بنوايا روسيا، وخطة الهجوم التي انتهجتها موسكو في النهاية.
وأبرزت الحرب بودانوف سياسياً، حيث قاد دفاع كييف ضد مجموعات تخريب روسية، وشارك في تحرير منطقتي كييف وخاركيف، وخطط لعملية استعادة السيطرة الأوكرانية على الجزء الغربي من البحر الأسود. ونظير هذه الإنجازات، رُقّي إلى رتبة فريق، ونال لقب بطل أوكرانيا.
وعلى الرغم من كونه جاسوساً، يُجري بودانوف بانتظام مقابلات مع صحافيين غربيين وأوكرانيين حول مجموعة واسعة من الموضوعات المختلفة.
ويحب بودانوف إبداء رأيه في حتمية هزيمة روسيا وتفككها. وهذا يُثير حفيظة موسكو، وقد حاكمته محكمة روسية غيابياً عام 2023، متهمة إياه بتنظيم 104 هجمات إرهابية.
وفي نوفمبر من ذلك العام، تبيّـن أن زوجة بودانوف قد سُمّمت في محاولة لاغتيال زوجها.
وكل هذا زاد شعبية بودانوف داخل أوكرانيا. وفي أكتوبر 2022، أدرجت مجلة «إن في»، بودانوف ضمن قائمة القادة العسكريين الأكثر نفوذاً في البلاد. وفي فبراير 2023، طُرح اسمه مرشحاً محتملاً لشغل منصب وزير الدفاع.
ومنذ ذلك الحين، حقق بودانوف نتائج متقدمة في التصنيفات الوطنية لأكثر السياسيين ثقة في أوكرانيا. وفي عام 2024، كان يُصنّف على مستوى ثقة زيلينسكي نفسه، بل وأعلى منه أحياناً. وأظهرت استطلاعات الرأي في بداية عام 2025 أن بودانوف يحظى بثقة 47% من الأوكرانيين، بينما حصل زيلينسكي على 41%، وتصدر زالوجني القائمة بنسبة 72%.
وأدت شعبية بودانوف المتزايدة إلى صراع مع فريق زيلينسكي الذي يتوخى الحذر من القادة العسكريين ذوي الشعبية. وكان بودانوف يُعدّ في السابق تلميذاً ليرماك، لكن يبدو الآن أن علاقتهما قد توترت. وفي نهاية عام 2024، أفادت وسائل الإعلام الأوكرانية بشائعات عن صراع بين الرجلين، وعن استقالة بودانوف المرتقبة.
وغالباً ما يوصف بودانوف بأنه «قناة اتصال بديلة» مع زيلينسكي، متجاوزاً يرماك، ولديه علاقات جيدة مع مجموعات أخرى حول الرئيس، مثل ديفيد أراخميا، رئيس كتلة حزب خادم الشعب التابع لزيلينسكي في البرلمان. وفي حين انحسرت الشائعات حول رحيل بودانوف، لايزال التوتر السياسي قائماً. عن «كارنجي بولوتيكا»
. بودانوف ينتمي إلى جيل جديد من مسؤولي الأمن الأوكرانيين غير المثقلين بعبء الماضي السوفييتي.
. يوصف بودانوف بأنه «قناة اتصال بديلة» مع زيلينسكي، متجاوزاً يرماك، ولديه علاقات جيدة مع مجموعات أخرى حول الرئيس، مثل ديفيد أراخميا.