رام الله- أثار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الجدل مجددا بمرسوم أعلن فيه عن تشكيل لجنة لصياغة دستور مؤقت، وذلك في إطار “التحضير للذهاب للانتخابات العامة” وفق ما نشرته وكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية (وفا) أمس الاثنين.
ويعود الجدل -وفق مختصين- لعدة أسباب منها أن لدى الفلسطينيين بالفعل مسودة دستور صاغته لجنة كلفها الرئيس الراحل ياسر عرفات، مع تحفظات على تشكيلة اللجنة ورئاستها، فضلا عن عدم ملاءمة الظرف السياسي.
عاجل | وكالة الأنباء الفلسطينية: الرئيس عباس يصدر مرسوما بتشكيل لجنة صياغة الدستور المؤقت للانتقال من السلطة إلى الدولة
— الجزيرة مباشر الآن (@ajmurgent) August 18, 2025
نص المرسوم
وجاء في نص الخبر الذي نقلته “وفا” أنه في إطار التحضير للذهاب إلى الانتخابات العامة (…) وفي إطار الاستعدادات للمؤتمر الدولي للسلام على مستوى القمة في سبتمبر/أيلول المقبل لتنفيذ حل الدولتين أصدر رئيس دولة فلسطين محمود عباس، اليوم (أمس) الاثنين، مرسوما رئاسيا بتشكيل لجنة صياغة الدستور المؤقت للانتقال من السلطة إلى الدولة”.
وأضاف أنه بموجب هذا المرسوم “تعد اللجنة مرجعا قانونيا لصياغة الدستور المؤقت، بما ينسجم مع وثيقة إعلان الاستقلال (1988) ومبادئ القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية ذات الصلة”.
وبناءً على المرسوم أصدر عباس قرارا بتسمية الدكتور محمد الحاج قاسم رئيسا للجنة، و17 عضوا، وإنشاء منصة إلكترونية لاستقبال الاقتراحات والتفاعل من أجل ضمان تواصل أوسع من جميع قطاعات وشرائح المجتمع الفلسطيني بالداخل والخارج من أجل “الوصول إلى أفضل دستور مؤقت يمثل الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة الانتقالية الهامة”.
عباس يصدر مرسوما بتشكيل لجنة لصياغة دستور فلسطيني مؤقت #الجزيرة_مباشر https://t.co/ujjOwbq1aA
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) August 18, 2025
لجنة سابقة
ويأتي تشكل هذه اللجنة، بعد أكثر من عقدين ونصف العقد على تشكيل الرئيس الراحل لجنة “لصياغة دستور لدولة فلسطين” برئاسة نبيل شعث عام 1999، والتي بدأت عملها فعليا بعد تكليف من المجلس الوطني الفلسطيني، والمجلس التشريعي الفلسطيني، واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.
وانتهت اللجنة من إعداد مسودة أولى للدستور نهاية 2000، وتم نشرها في فبراير/شباط 2001. وفي 29 مايو/أيار 2002 صدر الدستور الفلسطيني لأول مرة رسميًا باسم “القانون الأساسي الفلسطيني” عن عرفات، بعد إقراره من قبل المجلس التشريعي، ثم مسودة ثالثة في 18 مارس/آذار 2003، تحت اسم “القانون الأساسي الفلسطيني المعدل” بعد اعتمادها من قبل المركزي الفلسطيني وإقرارها من قبل “التشريعي”.
وفي أغسطس/آب 2011 أصدر عباس قرارًا رئاسيًا بتعيين رئيس المجلس الوطني سليم الزعنون رئيسًا للجنة الدستور، وعين شعث نائبًا لرئيس اللجنة، وعقدت سلسلة اجتماعات دون أن تصل إلى نهاية المشوار.
وجاء ذلك بعد 3 شهور من قرار اللجنة التنفيذية لمنظمة التحريرإعادة تفعيل لجنة 1999.
مرسوم مفاجئ
يوضح المحامي والخبير القانوني صلاح موسى -في حديثه للجزيرة نت- أن الإعلان عن تشكيل لجنة لإعداد دستور مؤقت “كان مفاجئا لأن ذلك يختلف تماما عن لجنة الدستور الدائم حيث هناك لجنة أعدت بالفعل مسودة متفقا عليها”.
ويرى الخبير القانوني ضرورة مراجعة تشكيلة أعضائها والعلاقات التي قد تكون سببا في عدم فعالية اللجنة، وأنه من الأجدر وقف المرسوم لحين إجراء مزيد من المشاورات وضمان تمثل القطاعات كلها كون فلسطين لكل الفلسطينيين” متسائلا: لماذا لم يتم ضم أعضاء من فلسطينيي الشتات.
كما تساءل عن الجهة التي ستقر الدستور المؤقت بعد صياغته: هل هو الرئيس نفسه؟ أم المجلس الوطني؟ أم المركزي؟ وكيف سيتم عرضه ونقاشه؟.
وعن ما ورد في صياغة المرسوم بشأن التحول من سلطة إلى دولة، قال المحامي الفلسطيني إن من أشار للرئيس -بأن الدستور المؤقت ممر إجباري للانتقال من السلطة إلى الدولة- خالف أبسط القواعد الدستورية لأن الدساتير المؤقتة توضع عادة في حالة الحروب ونتاج أزمات فارقة كما حدث مع ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية “وبما أن الدولة بمكوناتها الأساسية موجودة، فذلك لا يعني أن السلطة تحتاج الدستور المؤقت حتى تنتقل إلى الدولة كما تمت صياغة المرسوم”.
وبرأيه فإنه “الإعلان الدستوري” ممر لإجراء الانتخابات، خاصة وأنه “لا يوجد فرق جوهري بين الإعلان الدستوري والمؤقت إلا فيما يتعلق بحدود الدولة” مشيرا إلى حصول فلسطين على عضوية مراقب في الأمم المتحدة استناد إلى خطوط الرابع من يونيو/حزيران 1967، وبالتالي فإن فكرة تحديد حدود الدولة في الدستور المؤقت تحققت منذ سنوات، حسب الخبير الفلسطيني.
عاجل مرسوم الرئيس #عباس حول اللجنة التحضيرية لانتخابات #المجلس_الوطني_الفلسطيني – أسماء https://t.co/OP4kZ9uPuu
— amad أمد للإعلام (@MediaAmad) August 3, 2025
مخاوف وغايات
وعبر موسى عن خشيته من أن يكون الهدف من وضع الدستور المؤقت استبعاد مكونات سياسية ومجتمعية وشرعنة استبعادها بالدستور المؤقت. كما عبر عن خشيته من “خطورة أن يؤسس الدستور المؤقت لإلغاء القانون الأساسي والمجلس التشريعي، وبالتالي يقتصر الانتخابات فقط على المجلس الوطني، وهذا قد يطرح تساؤلا متجددا حول التمثيل الحقيقي للشعب الفلسطيني ويكثف السلطات بيد مجلس أصلا هو ليس لديه قدرة على الانعقاد والمساءلة من قبل الناس”.
وأشار إلى أن عددا من الأعضاء في لجنة الإعداد لانتخابات المجلس الوطني -التي صدر مرسوم بتشكيلها- هم أنفسهم أعضاء في لجنة إعداد الدستور المؤقت “وهذا غير معقول”.
وبرأي المحامي فإن غايات سياسية وليست قانونية وراء المرسوم الرئاسي، بما في ذلك توجيه رسالة للعالم من الرئيس عباس -قبل اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول القادم- بأنه مستعد للذهاب إلى أبعد نقطة للحصول على الدولة بما في ذلك وضع التزامات في الدستور تقيد انضمام كثيرين للنظام السياسي.
وأضاف أنه كان من الأصوب أن يصدر الرئيس إعلانا دستوريا يشمل ما يريده من الدستور المؤقت، ويدعو لانتخابات عامة وبعدها يتم تشكيل جمعية تأسيسية للدستور، لا أن يصدر دستورا مؤقتا ويتحول فيما بعد إلى دائم أو مؤبد قبل إجراءات أي الانتخابات.

الدستور موجود
من جهته يقول حسن خريشة نائب رئيس المجلس التشريعي السابق إن دستور فلسطين تشكل بالفعل من قبل عدد كبير من الشخصيات المختصة، وأقر في اجتماع للمجلس المركزي عام 1999 بهدف تجسيد الدولة الفلسطينية على الأرض الفلسطينية بعد انتهاء المرحلة الانتقالية بموجب اتفاق أوسلو والتي كان يفترض أن تنتهي عام 1999، لكن الإعلان لم يتم لاستئناف المفاوضات التي لم تفضِ إلى شيء.
ويرى خريشة أن تشكيل لجنة جديدة اليوم “يوحي وكأن مهندس المرسوم الرئاسي منفصل عن الواقع، ولا يعرف شيئا عن ما جرى منذ بدايات السلطة حتى اليوم” مشددا على أن الأولوية اليوم يجب أن تنصب على وقف العدوان على الشعب الفلسطيني.
وبرأيه فإن مَن حل التشريعي المنتخب “لا يمكن أن يكون حريصا على إجراء انتخابات جديدة، إلا إذا كان هناك ضغوطات خارجية أو لغرض تقديم أوراق اعتماد من قبل البعض للإدارة الأمريكية حتى يكون طرفا في لعبة قادمة بحق القضية الفلسطينية وما يسمى اليوم التالي للحرب”.
ويشير خريشة هنا إلى قرار المحكمة الدستورية العليا في ديسمبر/كانون الأول 2018 حل التشريعي المنتخب عام 2006، وكان حينها رئيس اللجنة المكلف محمد الحاج قاسم رئيسا للمحكمة.
قفزة في الهواء
شدد خريشة على عدم الحاجة في الوقت الراهن لإعلان دستوري فلسطيني حيث توجد قوانين ناظمة منها القانون الأساسي وقوانين أصدرها التشريعي ومطبقة اليوم، معتبرا المرسوم “قفزة في الهواء” وأن “الرئيس يدرك تماما أنه لا يمكن إجراء الانتخابات في ظل الأوضاع الحالية”.
وعن ما تضمنه المرسوم من التزام الدستور المؤقت بالقرارات والقوانين الدولية، قال البرلماني الفلسطيني “تبدو هذه رسالة للعالم عن توجهات القيادة بما فيها القبول بدولة منزوعة السلاح تعترف بإسرائيل، أو لتقديم أوراق اعتماد لما يسمى المجتمع الدولي الذي يحضر نفسه لليوم التالي في غزة”.
وأكد أن أي دستور يتطلب إجراء استفتاء شعبي، كما أن الظروف حاليا غير مواتية، فضلا عن عدم وجود أي جسم تشريعي منتخب يقر أي قوانين أساسية، موضحا أن القانون الأساسي المعمول به خضع لعدة قراءات في المجلس التشريعي قبل إقراره من الرئيس الراحل عرفات.