في سبتمبر 2024 رفض زعيم حزب الإصلاح البريطاني، نايغل فاراج، سياسة الترحيل الجماعي، واصفاً إياها بـ«المستحيلة سياسياً». والآن، وبعد مرور أكثر من عام، يتعهد الحزب بترحيل ما يصل إلى 600 ألف مهاجر غير شرعي، وسحب الإقامة الدائمة من المقيمين بالفعل في المملكة المتحدة.
ويُعد هذا انعطافاً يمينياً جذرياً، حتى بالنسبة لحزب الإصلاح، ففي العام الماضي فقط، كان الحزب يُصرح بأنه يسعى إلى تمثيل «الأغلبية الصامتة» ومنع «المتطرفين».
ولتفسير هذا التحوّل، قد يدّعي سياسيو الإصلاح أن هذا ما تريده الأغلبية الصامتة، وسيشيرون إلى تصلب الرأي العام بشأن الهجرة غير الشرعية، وسيرغبون في تجنب الاتهام الذي وجهوه للمتطرفين باقتراح هذه السياسات. ففي النهاية، سعى حزب الإصلاح إلى النأي بنفسه عن اليمين المتطرف مع كل خطوة يخطوها نحو التيار الرئيس.
«استقطاب الجمهور»
لكن تحليل وسائل التواصل الاجتماعي يشير إلى شيء آخر، حيث يستغل العديد من الأشخاص والجماعات في اليمين المتطرف والراديكالي عملية تُعرف باسم «استقطاب الجمهور» للتأثير في السياسات.
وتم رصد مجموعة من الحسابات المجهولة على منصة «إكس»، تتبع استراتيجية «النشر لتغيير السياسة». وتنشر هذه الحسابات، التي يدير بعضها متخصصون ساخطون من الحكومة، لعرض مظالمهم في الخطاب الإلكتروني، وهدفهم هو رؤية رواياتهم تنتشر وتكتسب شعبية داخل الشبكات اليمينية، وبمجرد إنشائها، يأملون أن يتبنّى الفاعلون السياسيون، الذين يتبعهم الكثيرون، هذه الأفكار.
ويُعد استخدام ومناقشة «موجة بوريس» مثالاً على ذلك، حيث نشأ هذا المصطلح، الذي يشير إلى ارتفاع معدلات الهجرة من خارج الاتحاد الأوروبي في عهد رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون، وانتشر عبر تلك الشبكة، ويستخدم الآن على نطاق واسع في التيار الرئيس، وقد استخدمته حركة «الإصلاح» لتبرير اقتراحها بإلغاء تصريح الإقامة لأجل غير مسمى.
حسابات مجهولة
مثال آخر على ذلك هو برنامج «التنقل»، وهو برنامج يساعد الأفراد ذوي الإعاقة المؤهلين على استئجار سيارة. وبعد تسليط الضوء عليه للمرة الأولى، وجهت إليه انتقادات شديدة من قبل حسابات مجهولة على منصة «إكس» لكونه عرضة للاستغلال والاحتيال، وقد هيمن على معظم النقاش حول إصلاح الرعاية الاجتماعية في عام 2025، وقد وعدت زعيمة حزب المحافظين، كيمي بادينوخ، أخيراً، بتقييد أهلية الاستفادة من البرنامج.
وفي حين أن العديد من هذه الحسابات تظل مجهولة إلا أن بعضها أكثر علنية، فقد تباهى محافظون على الإنترنت، مثل كونور توملينسون وستيفن إيدينغتون، بكيفية مساعدة عملهم في دفع حركة الإصلاح نحو اليمين.
وإضافة إلى الأنشطة الإلكترونية لمستخدمي الإنترنت المجهولين «المتظلمين» والمحافظين الساخطين، توجد حالتان لسياسيين سابقين من حزب الإصلاح، هما النائب روبرت لوي، وزعيم حزب «أدفانس يو كيه»، بن حبيب، حيث ترك كلاهما الحزب في ظروف صعبة، كما أن كليهما يقود الآن حركات بديلة، وكليهما يدفع حركة الإصلاح إلى تبنّي سياسات أكثر راديكالية. ووصف لوي، تعهد حركة الإصلاح بترحيل ما يصل إلى 600 ألف مهاجر غير شرعي، بأنه «مثير للشفقة» واقترح مضاعفته أربع مرات.
وحضر حبيب احتجاجات «توحيد المملكة» اليمينية المُتطرفة في سبتمبر. وإذا جُمعت هذه القوى معاً، فإننا نحصل على ما يعادل «سباق تسلح يميني»، مع مجتمعات من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي تدفع نحو سياسات أكثر تطرفاً في محاولة لتغيير معايير وسياسات الإصلاح واليمين.
مجتمعات فرعية
لاستكشاف هذه الديناميكية، وكيف تأثر بها التحوّل الأخير لحركة الإصلاح، قامت مجموعة من المتخصصين بتحليل الشبكات الإلكترونية التي قادت النقاش حول «الترحيل الجماعي» على منصة «إكس» خلال العام الماضي.
وباستخدام أساليب حسابية تم تحديد مجتمعات فرعية مميزة تُعرف من خلال وتيرة إعادة التغريد الخاصة بها، وتشكلت هذه المجتمعات الفرعية حول مؤثري اليمين المتطرف، ومؤثري منظمة «أدفانس يو كيه»، وحول حزب الإصلاح.
وهيمن اليمين المتطرف والحسابات المجهولة التابعة له بشكل شبه كامل على نقاش عمليات الترحيل الجماعي في عام 2024.
وبالانتقال السريع إلى أبريل 2025 نجد أن لوي وحبيب ومجموعة أوسع من المؤثرين اليمينيين قد انضموا إلى النقاش دعماً لهذه السياسة.
وأخيراً، في سبتمبر، وبعد إعلان حركة الإصلاح في ما يتعلق بالمهاجرين، نرى فاراغ وشخصيات رئيسة في حركة الإصلاح يحلون محل المؤثرين كلاعبين في حركة لم يكن لهم دور يُذكر في إنشائها، وبذلك، انحاز الحزب إلى سياسة رفضها بشدة قبل أقل من عام.
ولا يقدّم هذا سوى لمحة سريعة عن المناقشات على وسائل التواصل، ولا يمكنه تفسير العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية الأوسع التي تؤثر في هذه التحولات.
ومع ذلك، فإنه يوضح كيف يمكن للسرديات في منظومات الإنترنت اليمينية المتطرفة والهامشية أن تنتقل إلى خطاب أكثر شيوعاً بمرور الوقت، وأن تساعد في تشكيل معايير وسياسات الحركات السياسية بأكملها.
تشويه الواقع
من الصعب تصوّر حدوث ذلك دون الدور الجديد لمنصة «إكس» في عهد الملياردير الأميركي إيلون ماسك. ومع السماح الآن لشخصيات اليمين المتطرف بالعودة إلى المنصة، وتحرير خوارزمياتها لدفع محتوى أكثر تطرفاً، كانت النتيجة تضخيم وتطبيع الآراء والخطابات الأكثر تطرفاً.
فقد سلط الباحثون الضوء على كيف أن وسائل التواصل الاجتماعي، نتيجة لذلك، بدأت تعمل كمرآة للتسلية تشوّه الواقع السياسي.
ولأن النقاش عبر الإنترنت يهيمن عليه عدد قليل من الأصوات المتطرفة (10% من المستخدمين ينتجون 97% من المحتوى السياسي)، فإن ذلك يعكس صورة مشوهة وغير تمثيلية للرأي العام، وهذا بدوره يشوش إحساس المستخدمين بالمعايير والآراء السائدة.
وحقيقة أن الأغلبية، خارج الإنترنت، يُقال إنها تعارض الإلغاء الرجعي لتصريح الإقامة غير المحدود، لا تزيد إلا من ثقل الحجة القائلة بأن تحولات سياسة الإصلاح مدفوعة بعدد صغير من الأصوات المؤثرة على الإنترنت بدلاً من أصوات الجماهير.
وبينما لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً أشبه بدور مجلس المدينة، ما سمح للناس بالتعبير عن آرائهم ودعمهم للأحزاب السياسية، فإنها الآن تعكس بشكل متزايد الأنشطة الاستراتيجية لقلة مختارة ومؤثرة.
وفي حين أن مدى هذا الأمر غير واضح، فإنه يجب على البريطانيين أن يتساءلوا عما إذا كانت تصورات الإصلاح للرأي العام مشوهة بسبب ما تعكسه منصة «إكس» بشكل متزايد. وبينما يتقدّم الحزب على جميع الأحزاب الأخرى في استطلاعات الرأي، فإن ذلك له آثار في الاتجاه المستقبلي للمملكة المتحدة. عن «ذي كونفرسيشن»
نظام جديد
يعتزم حزب الإصلاح البريطاني الشعبوي بقيادة نايغل فاراج، جعل انتقال الأجانب إلى البلاد أكثر صعوبة في حالة فوزه في الانتخابات المقبلة، وذلك من خلال استحداث نظام جديد يفضل أصحاب الدخول المرتفعة ومن يتمتعون بإجادة قوية للغة الإنجليزية بهدف تقليل الأعداد الإجمالية.
وأظهرت الخطط التي كشف عنها فاراج، أن نظام الإقامة الدائمة سيُلغى وسيستحدث بدلاً منه تأشيرة عمل قابلة للتجديد لمدة خمس سنوات، ما سيمنع حامليها من الحصول على إعانات الرعاية الاجتماعية أو اصطحاب عائلاتهم معهم، كما ستُلغى هذه التأشيرة لمن يحملونها بالفعل.
ولدى حزب إصلاح المملكة المتحدة خمسة نواب فقط في البرلمان البريطاني المؤلف من 650 عضواً، لكنه يتصدر استطلاعات الرأي، حيث أظهر أحد الاستطلاعات أن 28% من المشاركين سيصوتون للحزب، متقدماً بفارق ثماني نقاط عن حزب العمال الحاكم.
• اليمين المتطرف والحسابات المجهولة التابعة له يهيمنان بشكل شبه كامل على النقاش حول عمليات الترحيل الجماعي.
• مؤثرون استخدموا مصطلح «موجة بوريس» الذي يشير إلى ارتفاع معدلات الهجرة في عهد رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون.