غزة- في 25 يوليو/تموز الماضي أعلن الجيش الإسرائيلي السماح بإنزال المساعدات الإنسانية جوا على قطاع غزة، وذلك عقب موجة سخط عالمي ضد التجويع المُتعمَّد لأكثر من مليوني فلسطيني بعد 5 أشهر من الإغلاق المحكم للمعابر ومنع إدخال أي من المواد الغذائية.

ورغم أن الإنزالات الجوية للمساعدات تشكل رفعا للعتب عن الدول المشاركة فيها أكثر من كونها حلا للمجاعة التي تضرب غزة، فقد قرر الاحتلال إيقافها بعد شهر فقط، مما يثير الشكوك حول الأسباب الكامنة وراء ذلك.

وسجلت الجهات الرسمية في غزة سماح الاحتلال الإسرائيلي في تلك الفترة بتنفيذ ما مجموعه 33 عملية إنزال جوي، حيث لا تتجاوز حمولة الإنزال الواحد نصف شاحنة من التي تدخل عبر المعابر البرية.

ويوازي مجموع الإنزالات الجوية على غزة مؤخرا ما يقارب 18 شاحنة فقط، في حين يحتاج القطاع إلى 600 شاحنة يوميا.

التجويع ممنهج

وقال مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، للجزيرة نت إن كمية المساعدات التي أُسقطت جوا قليلة جدا لا تحدث أي فرق في التجويع المتفشي داخل القطاع، مقارنة بالحاجة الفعلية اليومية لمئات الشاحنات لتلبية الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية والطبية لسكان القطاع الذين تجاوز عددهم 2.2 مليون نسمة، بينهم أكثر من مليون طفل.

وأكد تقرير صادر عن نظام التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي “آي بي سي” أن مدينة غزة والمناطق المحيطة بها تعيش حالة مجاعة متحققة وفق المعايير الدولية المعتمدة، موضحا أن 514 ألف إنسان يعيشون مجاعة فعلية، مع توقع ارتفاع العدد إلى 641 ألفا بحلول نهاية سبتمبر/أيلول الجاري.

وأرجعت هيئة البث الإسرائيلية قرار وقف عمليات إسقاط المساعدات الإنسانية جوا إلى قطاع غزة حتى إشعار آخر، لأسباب وُصفت باللوجستية، في حين يزعم الجيش الإسرائيلي أن المساعدات التي تدخل عبر المعابر البرية كافية لتغطية الاحتياجات الإنسانية.

وتتزامن هذه الخطوة -حسب هيئة البث- مع توجه إسرائيلي لتقليص دخول المساعدات إلى شمالي القطاع، في محاولة للضغط على نحو مليون فلسطيني يقطنون المنطقة من أجل مغادرتها، ضمن الاستعدادات لعملية عسكرية تستهدف مدينة غزة.

شاحنات محملة بالمساعدات تنتظر عند معبر رفح الحدودي بينما تواصل إسرائيل إغلاق المعابر (غيتي)

ليست إنسانية

ويصف مدير مركز الدراسات السياسية والتنموية في غزة، رامي خريس، عمليات الإنزال الجوي للمساعدات بأنها لم تكن سوى ذر للرماد في العيون، لأنها:

  • لم تحدث أي تغيير حقيقي على مستوى الأزمة الإنسانية الخانقة
  • بدت خطوة إعلامية لتجميل صورة الدول المشاركة فيها
  • تخفف الضغط عن الاحتلال

وقال خريس للجزيرة نت إن “الإنزالات الجوية كانت مرهونة منذ بدايتها بالقرار الإسرائيلي، الذي يحدد زمان ومكان إلقاء المساعدات، مما يكشف بوضوح أنها لم تكن فعلا إنسانيا مستقلا وخالصا، وإنما أداة دعائية مرتبطة بحسابات الاحتلال”.

وبالتالي فإن قرار الاحتلال إيقاف الإنزالات الجوية -برأي خريس- تمهيد لمخططات أشد خطورة، على رأسها محاولة احتلال غزة، بحيث يجمع على سكان المدينة والنازحين إليها بين الخوف والجوع، وبالتالي دفعهم للنزوح قسرا إلى وسط وجنوب القطاع.

ورغم أن خريس يعتقد أن الإنزالات الجوية لا تسمن ولا تغني من جوع فإن إيقافها مرهون بتحركات عسكرية إسرائيلية على الأرض، ويهدف الاحتلال منها بث الخوف بنفوس سكان غزة مما هو قادم.

“خدعة سياسية”

ويرى مدير مركز الدراسات السياسية والتنموية أن تلك الإنزالات ليست سوى خدعة سياسية وإعلامية مرهونة بقرار الاحتلال، بينما الحل الحقيقي والإنساني الوحيد يكمن بفتح المعابر بشكل كامل بما يضمن إدخال الغذاء والدواء والوقود بعيدا عن الاستعراضات التي لا تشبع جائعا ولا تعالج مريضا.

وتشكل الإنزالات الجوية بديلا غير آمن، وتفتقر إلى الحد الأدنى من الجدوى الإنسانية أو الفعالية الميدانية، كما تكشف البيانات الرسمية الحكومية التي حصلت عليها الجزيرة نت.

فقد تسببت عمليات الإنزال الجوي منذ بدء الحرب على غزة باستشهاد 23 فلسطينيا، وإصابة 124 آخرين نتيجة سقوط الصناديق المحملة بالمساعدات في أماكن خطرة وأحيانا في المناطق التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي.

شاركها.