الفاشر- تشهد الساحة السودانية تحولا نوعيا وخطيرا في طبيعة الحرب المستمرة في البلاد، إذ باتت علامات تدويل الأزمة أكثر وضوحا، في ظل “تزايد مشاركة عناصر أجنبية في العمليات العسكرية إلى جانب قوات الدعم السريع” مما ينذر بجر البلاد إلى صراعات إقليمية ودولية تتجاوز طابعها المحلي.
وتداول نشطاء ومصادر عسكرية ميدانية هذا الأسبوع مقاطع فيديو تظهر مقاتلا يُعتقد أنه يحمل الجنسية الكولومبية وهو يشارك ضمن صفوف الدعم السريع في الهجوم الأخير على مدينة الفاشر غربي البلاد، وقد أثارت هذه المشاهد تساؤلات واسعة حول جنسية وهوية المقاتلين المنخرطين في الحرب.
وبحسب ما أفادت به مصادر عسكرية للجزيرة نت، عثرت القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح على جثة مقاتل كولومبي أثناء عمليات تمشيط في محيط المواجهات، إضافة إلى أجهزة اتصال وإشارات لاسلكية بلغة إسبانية، مما يُعزز رواية وجود مرتزقة أجانب يشاركون فعليا في العمليات القتالية على الأرض.
تأكيد رسمي
وفي حديثه للجزيرة نت، قال المتحدث باسم القوة المشتركة العقيد أحمد حسين مصطفى إن الفيديوهات المتداولة تم استخراجها من هاتف جندي أجنبي كولومبي الجنسية كان قد وثق مشاركته في العمليات العسكرية قبل مصرعه.
وأضاف “خلال عمليات التمشيط، استطعنا ضبط معدات عسكرية متطورة لا تعتمدها تشكيلات الجيش السوداني، من بينها أجهزة اتصال خاصة وشارات تمويه تُستخدم في العمليات الخاصة، مما يؤكد تورط عناصر أجنبية مدربة تدريبا دوليا”.
وفي المقابل، نفى الباشا طبيق المستشار السياسي لقائد قوات الدعم السريع وجود أي مقاتلين أجانب في صفوف قواته، ووصف في حديثه لقناة الجزيرة مباشر هذه الاتهامات بأنها “محاولة يائسة لتشويه الانتصارات الميدانية التي حققتها القوات مؤخرا” وأشار إلى أن “الحركات المسلحة دأبت على إطلاق مثل هذه الاتهامات مع كل تقدم ميداني تحققه قواته”.
وفي الأثناء، تكشف تحقيقات ميدانية وتقارير خبراء بمجال الإستراتيجية الأمنية في السودان عن أدلة على توظيف الدعم السريع مقاتلين أجانب من ذوي الخبرات القتالية أغلبهم من كولومبيا.
ويقول أسامة عيدروس المتخصص في الدراسات الإستراتيجية والأمنية -للجزيرة نت- إن هذه القوات والدولة الراعية لها اعتمدت منذ بداية الحرب على الاستعانة بعناصر أجنبية لأداء مهام فنية عالية الدقة، وهي لا تملك القدرة على تنفيذها ذاتيا، مثل عمليات تحييد الطيران وتشغيل الطائرات المسيّرة.
وأضاف أنه خلال الفترة الأخيرة، وبعد سلسلة الانتصارات التي حققها الجيش السوداني في عدد من الجبهات، لوحظ تزايد ملموس بعدد المرتزقة الأجانب المشاركين في القتال، مشيرا إلى أن دورهم لم يعد مقتصرا على المهام الفنية بل امتد إلى المشاركة الميدانية المباشرة في العمليات العسكرية، خاصة عبر وحدات المشاة.
أجندات خارجية
ويكشف هذا التوسع -وفق عيدروس- عن مستوى عالٍ من الاستنزاف داخل صفوف “المليشيا” خصوصا في قياداتها الميدانية، و”هو ما دفع الدولة الراعية إلى تكثيف جهودها العسكرية بغرض إسقاط مدينة الفاشر ذات الأهمية الإستراتيجية”.
وتابع “من الواضح أن هذه الدولة باتت في مرحلة من اليأس تجاه تنفيذ مشروعها الكامل في السودان، ويبدو أنها تسعى على الأقل لفرض سيطرتها على الفاشر، كرمزية عسكرية وسياسية تعوض خسائرها المتراكمة”.
ومن جانبه، كشف أحمد عبد الرحيم أبوه الخبير في القانون الدولي والأمن القومي الإستراتيجي عن وجود شبكة دعم معقدة لقوات الدعم السريع. وأوضح للجزيرة نت أن بعض الدول تقدم دعما ماليا مباشرا، بينما توفر أخرى أراضيها ومطاراتها لتمرير الأسلحة والعناصر الأجنبية، في إطار منظومة متكاملة تهدف لزعزعة استقرار السودان.

وتحدث أبوه عن تعزيز “المليشيا” لقواتها بعناصر من دول تشتهر بتجارة المرتزقة، ويرى أن الدوافع وراء هذا الدعم تنحصر في المصالح الضيقة لبعض القادة، دون اعتبار للتداعيات الإقليمية والدولية.
وسيخلف استمرار الحرب في دارفور -حسب أبوه- بيئة خصبة لتفاقم الهجرة غير النظامية والجريمة المنظمة عبر السواحل الليبية، مما يشكل تهديدا مباشرا لأمن جنوب المتوسط. وشدد على ضرورة أن يتجاوب المجتمع الدولي مع خطورة الموقف عبر فرض عقوبات فورية على الدول الداعمة للدعم السريع، كخطوة أساسية لتمكين الحكومة السودانية من تأمين وصول المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة.
ونبه خبير الأمن القومي الإستراتيجي إلى أن أي دعوات لوقف إطلاق النار دون معالجة قضية الدعم اللوجستي “للمليشيا” تبقى غير مجدية، بل قد تسهم في تعقيد الأزمة بدل حلها.
دليل قاطع
في هذا السياق، أشار إبراهيم الحوري رئيس تحرير صحيفة القوات المسلحة السابق -عبر حسابه على فيسبوك- إلى العثور على جثة مقاتل أجنبي خلال عمليات التمشيط. وكان يحمل تجهيزات عسكرية متطورة، بما في ذلك أجهزة اتصال حديثة وشارة عسكرية مموهة تدل على انتمائه لوحدات النخبة بالجيش الكولومبي.
وتحمل الشارة التي تم ضبطها -وفق الحوري- تصميما تكتيكيا باهتا لعلم هذا البلد، وعليها عبارة “كولومبيا” مما يُعد دليلا واضحا على الهوية القتالية لهذا العنصر. وأضاف أنها تُستخدم في العمليات الخاصة والمهام السرية، وغالبا ما ترتبط بالقوات الخاصة والوحدات النخبوية داخل الجيش الكولومبي، مرجحا أن يكون القتيل جنديا متقاعدا.
ووفق الحوري، كان هذا المقاتل جزءا من مجموعة تُطلق على نفسها اسم “سرايا ذئاب الصحراء” وهي جماعة يبدو أنها تنشط في مناطق النزاع الساخنة وتنفذ مهام قتالية ذات طابع خاص.
وفي ظل هذا الوضع، تظل التساؤلات قائمة حول تأثير العناصر الأجنبية على مسار الأزمة السودانية، في ظل مخاوف من تصاعد وتيرة تدويل الحرب وتعقيدها، لا سيما مع استمرار الانتهاكات ضد المدنيين في مختلف مناطق البلاد، وعلى رأسها الفاشر كبرى مدن إقليم دارفور المثقل بالأزمات.