بعد أربعة أشهر من عدم اليقين السياسي، أصبحت كوريا الجنوبية في الوقت الراهن أكثر وضوحاً بشأن مستقبلها، عقب عزل الرئيس، يون سوك يول، بسبب إعلانه الأحكام العرفية لفترة وجيزة.
وتزداد المخاطر الآن بشكل خاص على حليف الولايات المتحدة، الذي يضم أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الخارج، وتواجه البلاد ضغوطاً اقتصادية بسبب الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ويتصاعد التوتر مع كوريا الشمالية، وتشهد البلاد انقساماً حزبياً حاداً بين عامة الشعب.
وشهدت البلاد تعاقب رؤساء بالإنابة منذ أن فرض يول، بشكل مفاجئ، حالة الطوارئ في الثالث من ديسمبر الماضي، ومحاكمة عزله بعد ذلك بوقت قصير، وخلال كل ذلك الوقت لم يتحدث أي مسؤول مباشرة مع ترامب.
انتخابات مبكرة
والآن، وبعد عزل الرئيس، تشهد البلاد «سباقاً محموماً» لاختيار رئيس جديد، حيث ستُجرى انتخابات مبكرة قبل الثالث من يونيو المقبل، ويُعد زعيم المعارضة، لي جاي ميونغ، من الحزب الديمقراطي، ذو الميول اليسارية، المرشح الأوفر حظاً للفوز، وهو سياسي يحظى بشعبية، وإن كان مثيراً للانقسام، وقد نجا من اعتداء بالسكين العام الماضي.
في المقابل، لايزال المحافظون الحاكمون منقسمين بشدة بشأن تصرفات ميونغ، ولم يتفقوا بعد على مرشح.
وقال ميونغ: «من الآن فصاعداً، تبدأ جمهورية كوريا الحقيقية، ومع الشعب، سنستعيد سبل العيش المنهار والسلام والاقتصاد والديمقراطية بروح الوحدة».
ووفقاً لاستطلاع رأي أجرته مؤسسة «غالوب» في كوريا، ونُشر أخيراً، فإن دعم ميونغ، الذي بلغ نحو 34% من الناخبين، يفوق دعم أكبر أربعة محافظين مجتمعين، إلا أن ما يقرب من خُمسي الكوريين الجنوبيين لم يُعربوا عن تفضيلهم لأي مرشح أو أنهم كانوا غير متأكدين، ما يُشير إلى أن السباق قد يكون غير متوقع.
ويُعد كيم مون سو، العضو الوحيد في حكومة يول، الذي رفض الاعتذار أو التعبير عن الندم بشأن قرار فرض الأحكام العرفية، هو المرشح المحافظ الأبرز حالياً، وفي حال عدم بروز مرشح معتدل، سينتهي الأمر بالعديد من الناخبين الكوريين الجنوبيين إلى اختيار «أهون الشرين»، وفقاً لما قاله الأستاذ في جامعة «جانغان» بكوريا الجنوبية، بارك تشانغ هوان.
العلاقات الخارجية
في الماضي، تفاعلت كوريا الجنوبية مع العالم بشكل مختلف، سواء كان الحاكم محافظاً أم ليبرالياً، فالرئيس المعزول، يون سوك يول، الذي تولى منصبه عام 2022، أعاد العلاقات مع اليابان، وتقرّب من الولايات المتحدة، وتحدّى كوريا الشمالية.
أما سلفه، مون جاي إن، ذو الميول اليسارية، فقد جعل التواصل مع بيونغ يانغ أولوية، في حين أدت الخلافات حول الصين والقضايا التاريخية إلى توتر في العلاقات مع واشنطن وطوكيو.
وسيُكلَّف الزعيم القادم بتحسين العلاقات مع ترامب، الذي استهدف الفائض التجاري الكبير لكوريا الجنوبية مع الولايات المتحدة، وفرض عليها رسوماً جمركية متبادلة بنسبة 25%، كما اتهم ترامب سيؤول مراراً وتكراراً بعدم دفع ما يكفي لاستضافة القوات الأميركية المتمركزة في كوريا الجنوبية.
إلا أن لدى كوريا الجنوبية بعض الأوراق التي يُمكنها استخدامها إذا كانت تريد أن تنعم بتعاون مثمر مع الولايات المتحدة، إذ أعرب ترامب عن اهتمامه بالاستفادة من براعة كوريا الجنوبية في بناء السفن للمساعدة في إحياء أحواض بناء السفن الأميركية.
وزار حاكم ألاسكا سيؤول، أخيراً، سعياً للحصول على استثمارات أو عمليات شراء في مشروع مُخطط للغاز الطبيعي المُسال بقيمة 44 مليار دولار، الذي أيده ترامب علناً.
وفي الأسبوع الماضي، تعهدت شركة «هيونداي موتور» باستثمار 21 مليار دولار لتوسيع إنتاجها في الولايات المتحدة من الصلب والسيارات، وهي خطوة قال ترامب إنها تُظهر «فعالية الرسوم الجمركية».
رأب الانقسامات
وفي الداخل، قد يسعى الرئيس الكوري الجديد إلى رأب الانقسامات التي أحدثها إعلان الأحكام العرفية، فقد كان استخدام سلطات الطوارئ شائعاً حتى ثمانينات القرن الماضي، عندما أطاحت الاحتجاجات الجماهيرية التي شابها العنف أحياناً بحكم عسكري استمر عقوداً، وأعادت الديمقراطية إلى البلاد.
وخسر زعيم حزب المعارضة الذي قاد حملة عزل الرئيس، انتخابات عام 2022 أمام يول بفارق ضئيل للغاية، وعلى الرغم من كونه المرشح الأوفر حظاً، فإن مشكلات لي جاي ميونغ القانونية، تُمثل عقبة أمام كسبه تأييد الناخبين، حيث يواجه محاكمات جارية بتهم، تشمل شهادة الزور، والإخلال بالواجب، والتورط في تحويلات مالية غير مشروعة إلى كوريا الشمالية، لكن ميونغ نفى ارتكاب أي مخالفات.
وقال الأستاذ في جامعة كوريا في سيؤول، والمتخصص في القانون الدستوري، كيم سيون تايك، إنه من المرجح تعليق محاكمات ميونغ، في حال فوزه بالانتخابات المبكرة، وأضاف: «الشعب هو من يحكم في مثل هذه القضايا الصعبة، ومن خلال الانتخابات، يصبح الجمهور هو القاضي». عن «وول ستريت جورنال»
محاكمة جنائية
لايزال الرئيس المعزول، يون سوك يول، يواجه محاكمة جنائية بتهمة التمرد، التي يُعاقب عليها بالإعدام أو السجن المؤبد، وبعد إقالته من منصبه لم يعد يتمتع بالحصانة الرئاسية، ويمكن اتهامه بجرائم أخرى، بما فيها عرقلة أداء الواجبات الرسمية، وإساءة استخدام السلطة، وفقاً لخبراء قانونيين.
. زعيم المعارضة لي جاي ميونغ يُعد المرشح الأوفر حظاً للفوز، حيث إنه يحظى بشعبية وإن كان مثيراً للانقسام.
. الرئيس المقبل مكلف بتحسين العلاقات مع واشنطن، ورأب الانقسامات التي أحدثها إعلان الأحكام العرفية في البلاد.