القاهرة- وصل مئات النشطاء الأجانب إلى مصر هذا الأسبوع للمشاركة في “المسيرة العالمية إلى غزة”، وهي مبادرة تهدف إلى الضغط على إسرائيل لإنهاء حصارها للقطاع الفلسطيني.
وكان من المقرر أن يلتقوا مع قافلة “الصمود” المغاربية التضامنية على الأراضي المصرية لإكمال المسيرة نحو معبر رفح، غير أن سلطات شرق ليبيا احتجزت القافلة ومنعتها من التقدم نحو سرت شمالي البلاد ومنها إلى مصر.
وفي الوقت ذاته، واجه المتضامنون الذين وصلوا مصر عبر الرحلات الجوية صعوبات بالغة داخل الأراضي المصرية، ورفضت السلطات السماح لهم بالمرور نحو المعبر، كما أعادت عددا كبيرا منهم فور وصولهم مطار القاهرة، رغم حملهم تأشيرات دخول مصرية رسمية صادرة من السفارات المصرية في بلدانهم.
انتقادات حقوقية
وفقا لتقارير من منظمات مغربية وتونسية مشاركة في القافلة، جرى ترحيل العشرات من النشطاء على نفس الرحلات التي وصلوا بها، في حين احتُجز البعض لساعات في صالات الترحيل بالمطار في مصر.
وفي وقت لاحق، قامت قوات أمنية بمداهمة فندق بوسط القاهرة، حيث كان يقيم عدد من المتطوعين الأجانب، وتم توقيفهم قبل أن يُعاد ترحيلهم، وفي الإسماعيلية واجه مشاركون حملة توقيف.
كما اشتبك معهم مجهولون، وأظهرت مشاهد مصورة اعتداء “بلطجية يشتبه في أنهم مدفوعون من قبل أجهزة الأمن” على النشطاء الموجودين في مصر، بعد حملة تحريض عليهم باعتبارهم خطرا على البلاد، ويهدفون إلى إشعال بؤرة توتر على الحدود بين مصر وإسرائيل.
وأثار الموقف الرسمي المصري انتقادات من منظمات حقوقية وناشطين سياسيين اعتبروا القرار تناقضا مع الخطاب الرسمي المصري الداعم لغزة.
وفي ظل تزايد المبادرات التضامنية، يتوقع مراقبون أن تواجه القوافل المقبلة مصير القافلة الأخيرة، مع استمرار القيود المصرية عليها بسبب الاعتبارات الأمنية والسياسية، خاصة مع وجود ضغوط إسرائيلية لمنع وصول النشطاء إلى غزة.
ووصفت منظمات حقوقية ما جرى في مصر بأنه “تقييد للتضامن الشعبي مع الفلسطينيين”، و”موقف يتنافى مع الالتزامات الإنسانية المفترضة تجاه غزة”. من جهتهم، يراهن النشطاء على تصعيد الضغط الدولي عبر هذه التحركات لإحراج الأطراف المعنية ودفعها لتخفيف الحصار، وتبقى التطورات مرهونة بموقف القاهرة ومدى استجابتها للضغوط الشعبية.
شروط للدخول
واستبقت وزارة الخارجية المصرية وصول النشطاء بإصدار بيان أكدت فيه ضرورة حصول الوفود الأجنبية الراغبة في التوجه إلى شمال سيناء (العريش ورفح) على تصاريح مسبقة، وأن دخول المساعدات يجب أن يتم بالتنسيق الكامل مع الهلال الأحمر المصري، باعتباره الجهة الوحيدة المخولة بالتعامل مع المعابر وتوزيع المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.
وأشار البيان إلى أن تلك القواعد تنطبق على كافة الجنسيات، وأن احترام السيادة المصرية والإجراءات الأمنية هو شرط لا يمكن تجاوزه، وشدد على أن أي تحرك جماعي داخل مناطق سيناء دون تنسيق رسمي يشكل تهديدا أمنيا غير مقبول.
يرى السفير فوزي العشماوي، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، أن الأزمة الحالية تعكس افتقارا واضحا للتنسيق المسبق بين منظمي القافلة والجهات المصرية. وأوضح أن تنظيم قافلة بهذا الحجم، تضم نحو 5 آلاف مشارك و120 حافلة وفقا للتقديرات الأولية، لا يمكن أن يتم بشكل عفوي، خاصة في منطقة شديدة الحساسية مثل شمال سيناء.
وأضاف للجزيرة نت أن القافلة لم تكن تمتلك خطة تحركات واضحة داخل مصر، كما لم يسبقها تنسيق كافٍ مع السفارات المصرية في دول النشطاء. ورغم ذلك، فإن أسلوب التعامل مع القادمين لم يكن الأنسب، خاصة في ظل حمل بعضهم تأشيرات دخول رسمية.
واستنكر العشماوي وصف القافلة بأنها “إخوانية” أو مرتبطة بمخططات للفوضى، كما ورد في بعض وسائل الإعلام المصرية، لافتا إلى أن ما جرى موقف غير مسؤول وقد يؤدي إلى إضعاف الرسالة السياسية التي ترغب القاهرة في إيصالها بشأن دعمها للشعب الفلسطيني.
وقال إنه “إذا كان هناك تحفظات أمنية، فمن الأفضل إعلانها بوضوح عبر القنوات الرسمية بدلا من الإجراءات الميدانية المبهمة”.
تحذيرات
من جهته، أكد أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية الأسبق، عبد الله الأشعل، أن الموقف المصري غير واضح، ويعكس ارتباكا في دوائر اتخاذ القرار، مضيفا أن “السلطات لم تعلن حتى الآن رفضها الرسمي لدخول القافلة، لكنها في الوقت ذاته تتخذ إجراءات عملية تمنع وصولها”.
وبحسب الأشعل، فإن المخاوف الأمنية تسيطر على الموقف المصري، لا سيما في ظل وجود نشاط مكثف للجماعات المسلحة في سيناء، إلى جانب الحساسيات السياسية المرتبطة بالعلاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة.
لكنه استدرك قائلا “كان يمكن السماح للقافلة بالدخول تحت إشراف أمني مصري، مما كان سيعزز صورة القاهرة كوسيط إنساني، بدلا من ممارسات الترحيل والمضايقة”. وحذر -في حديثه للجزيرة نت- من أن أسلوب التعامل الحالي “يوفر مادة دعائية للاحتلال الإسرائيلي، الذي يصر على تصوير التضامن مع غزة باعتباره فوضى سياسية تهدد الاستقرار الإقليمي”.
من ناحيته، أكد أستاذ الدراسات الإسرائيلية بجامعة الإسكندرية، أحمد فؤاد أنور، أن القاهرة تتعامل بحذر مع أي تحرك جماعي باتجاه سيناء، خاصة في ظل الأوضاع الأمنية الحساسة. وقال إن “القافلة لا تمتلك بنية تنظيمية واضحة، ولا تصورا متكاملا لحركتها داخل مصر، وهذا أمر لا يمكن تجاهله في منطقة مثل رفح والعريش”.
وأشار إلى أن هناك مخاوف مصرية من أن يتحول المشهد إلى أزمة سياسية أو أمنية في حال حدوث أي احتكاك مع القوات الإسرائيلية أو وقوع أي حادث طارئ داخل الأراضي المصرية، قائلا للجزيرة نت إنه “لا يمكن مقارنة ما يحدث في غزة بمعايير طبيعية. نحن نتعامل مع سياق أمني شديد التعقيد”.
أما الحقوقي المصري هيثم أبو خليل فيصف الإجراءات المصرية بأنها “انتقائية وتفتقر للوضوح”، مشيرا -في تصريحه للجزيرة نت- إلى أن السلطات منحت تأشيرات لبعض المشاركين ثم أعادتهم فورا، في تناقض مباشر مع التزاماتها القنصلية.
وأضاف أن البيان الرسمي لم يكن كافيا لتبرير موجة الترحيلات والاحتجازات، خاصة في ظل تداول مقاطع فيديو تُظهر توقيفات جماعية لناشطين أوروبيين وأتراك داخل فنادق القاهرة. واعتبر أن الدولة المصرية تتعامل مع القافلة بمنطق تقليص عدد المشاركين دون الإعلان صراحة عن رفضها.
في السياق ذاته، انتقد الخبير في شؤون الصراع العربي الإسرائيلي محمد سيف الدولة الموقف المصري من قافلة الصمود، معربا عن رفضه “تذرع” السلطات المصرية بموضوع التأشيرة، ووجه في تغريدة له دعوة للحكومة المصرية بـ”فتح الحدود لقوافل الصمود”.